لأكثر من 15 عاماً، وتحديداً منذ هجمات 11 سبتمبر، كان سعد الجبري أقرب رجال السعودية للولايات المتحدة فيما يتعلق بمكافحة الإرهاب في العالم العربي عن طريق شبكة واسعة من العلاقات والنفوذ في الداخل والخارج، مع صلاحية الوصول إلى مليارات الحكومة، وقدرة على إنجاز المهمات الصعبة التي تعامل معها الأمريكيون باعتبارها شبه مستحيلة الحدوث حتى ظهر الجبري في الصورة.
الآن، ورغم هذا التاريخ الحافل من النفوذ الدبلوماسي والسلطة، أصبح سعد الجبري هارب دولي من المملكة العربية السعودية، حيث يتهمه المسؤولون مؤخراً باختلاس أكثر من 11 مليار دولار من أموال الحكومة واستخدامها لحسابه الشخصي في إدارة بعض الشركات الخاصة به، وذلك عن طريق بعض التسهيلات من قبل مجموعة من الأفراد حصلوا بدورهم على مليار دولار على الأقل مقابل ذلك.
كنتيجة لذلك، وعلى مدار الفترة الماضية، أصدرت الحكومة السعودية طلبات تسليم وإشعارات الإنتربول للقبض على الجبري وتسليمه للسلطات في المملكة، مع عدد من الضغوطات الأخرى لإجباره على العودة إلى السعودية، حيث تم اعتقال اثنين من أبنائه في مارس/آذار الماضي وتعريضهما للاختفاء القسري حتى الآن.
آخر تلك الجهود ما صرح به أحد المقربين من الجبري حول شكوكه بأن السلطات السعودية أرسلت له صديق قديم لإغرائه بالسفر إلى تركيا ليكون بالقرب من عائلته التي تمتلك منزلاً هناك.
ويمتلك السيد جبري منزلاً في تورونتو، حيث يقيم حاليًا، وكذلك في تركيا وفقًا لأقاربه، الذي صرحوا أن حليف سابق للسيد الجبري، وله صلات مع مجالس إدارة الشركات المرتبطة بوزارة الداخلية، قام بزيارة الدكتور خالد الجبري في بوسطن، ثم سعد الجبري نفسه في تورنتو لحثه على زيارة تركيا ليكون أقرب إلى الأسرة، ليثير هذا العرض مخاوف في نفس الجبري الذي يشك في سلامة نية السلطات السعودية.
في سياق متصل، تناول خبراء ومحللون إلى النزاع القائم بين الجبري وسلطات بلاده من زاوية مختلفة، حيث رأوا أن هذا النزاع قد يقود إلى فتح الملفات السرية للنظام الحاكم وكشف انتهاكاته التي ارتكبها باسم مكافحة الإرهاب، وكذلك الكشف عن أسرار حساسة للعمليات الأمريكية السعودية ضد المتطرفين الإسلاميين، وقالوا إن أحد طرفي العداء أو كلاهما قد يسرب مثل هذه الأسرار لتعزيز قضيتهما.
وول ستريت جورنال حصلت على بعض تفاصيل تلك الملفات من خلال التحقيق الذي فتحته السعودية لمحاكمة الجبري، وخلصت إلى عدد من النتائج الخطيرة أبرزها على سبيل المثال، استخدام مليارات الدولارات لمجموعة متنوعة من الأغراض بما في ذلك دفع المخبرين ودعم القادة الأجانب مثل الديكتاتور السابق عمر البشير وشراء معدات الشرطة وتزويدها بأحدث طرق الحماية ووسائل التكنولوجيا والهواتف الآمنة.
تم إنشاء صندوق الجابري من قبل الملك الراحل عبد الله للقضاء على الإرهاب المحلي بعد هجمات 11 سبتمبر، كانت الاستراتيجية هي تعزيز القدرة الشرائية لوزارة الداخلية من خلال السماح لها بالاحتفاظ بنسبة 30٪ من الإيرادات من أشياء مثل تجديد جوازات السفر ورسوم التأشيرات وتجاوز السرعة.
بعد ذلك ببضع سنوات، تمت زيادة المبلغ إلى 45٪.، وتم نشر أموال مكافحة الإرهاب في الغالب من خلال الشراكات مع شركات القطاع الخاص للتحرك بسرعة، وتجنب البيروقراطية والقيام بالأشياء سرا، إحدى الشركات كانت شركة طائرات خاصة، سمحت للنشطاء السعوديين بالتحرك بسهولة في جميع أنحاء العالم.
وقالت وثائق حكومية وأشخاص على دراية بالتحقيق إن السيد جبري استخدم المال لشراكات القطاع الخاص المنخرطة في أعمال تتعلق بالأمن ولكنه أنشأ نظاما يمكنه هو وشركاؤه الاستفادة منه.
وبحسب الوثائق التي اطلعت عليها وول ستريت جورنال فإن الأرباح جاءت من شركات لها علاقة بمجال التكنولوجيا التي تم تسجيلها في عام 2008، حيث قامت وزارة الداخلية بتمويل تكنولوجيا التحكم لكن بعضها كانت مملوكة من قبل شقيق السيد جبري وابن أخيه واثنين من زملائه المقربين، كما تظهر تسجيلات الشركات السعودية.
اشترت تكنولوجيا التحكم البرامج والأجهزة من الشركات الأمريكية مثل IBM و Oracle و Cisco Systems Inc. و VMware Inc. وأعادت بيعها للحكومة، كما تم استخدام هذه التكنولوجيا لبناء قواعد بيانات للتعرف على بصمات الأصابع ومراقبة تويتر وعدد من المنصات الأخرى.
عام 2012 أعلنت شركة أمريكية أخرى : شركة SAS Institute Inc. ومقرها نورث كارولينا عن شراكة استراتيجية مع Technology Control لتوفير الخدمات لوزارة الداخلية، بما في ذلك العمل في كلية تدريب خدمات الاستخبارات في المملكة العربية السعودية.
وعام 2013 استثمرت تكنولوجيا التحكم 50 مليون دولار قدمتها الحكومة في شركة أمريكية تسمى Digital Signal Corp.، والتي حددها السيد جبري بأنها تمتلك تكنولوجيا واعدة لتحديد أماكن “الإرهابيين” حتى لو في الأماكن المزدحمة، وقد قال الرئيس التنفيذي السابق للشركة، ديفيد جوتادورو، إن الحكومة السعودية أصبحت أكبر عميل له، وأن تكنولوجي كونترول أكبر مستثمر له.
الشركات ليست متهمة بأي مخالفات، ورفض المتحدثون باسم IBM و Oracle التعليق، ولم تستجب الشركات الأخرى لطلبات التعليق.
وبحسب سجلات الدولة فإن الشركات التابعة لسعد جبري والدكتور خالد الجبري ولده قامت في 2013 بشراء شقة في بنتهاوس في بوسطن مقابل 3.5 مليون دولار، وأربع وحدات أخرى في نفس المبنى مقابل ما بين 670،000 دولار وما يزيد قليلاً عن 1 مليون دولار، وفي عام 2017، اشترت شركة أسسها السيد جبري وابنه، ويسيطر عليها ابنه، شقة بقيمة 4.3 مليون دولار في فندق Mandarin Oriental في بوسطن، كما أنفقت الشركة هذا العام 13.75 مليون دولار على شقق في بوسطن فور سيزونز.
من جانبه رفض الدكتور خالد الجبري التعليق على أي أسئلة تتعلق بالأمور المالية للعائلة أو ممتلكاتهم.
نظام السيد جبري استمر لسنوات بمعرفة وموافقة ضمنية من وكالات المخابرات الأمريكية التي اكتشفت أنه طالما أن الأموال لا تمول الإرهاب، فإن الأمر متروك للسعوديين لتقرير ما إذا كانت طلباته مقبولة أم لا، وفقًا لمسؤولي المخابرات الأمريكية السابقين.
ومن الجدير بالذكر أيضاً أن وكالات الاستخبارات الأمريكية كانت على علم بتدفقات الأموال من صندوق السيد الجبري إلى دول مثل السودان وإندونيسيا وزعماء القبائل في غرب العراق والشركات في الولايات المتحدة وأوروبا، وكذلك الحسابات الأجنبية التي يسيطر عليها السيد الجبري وحلفاؤه.
إضافة إلى ذلك، دخلت الشركات المرتبطة بعائلة الجبري في شراكة مع الموردين العسكريين الأمريكيين، مما حقق أرباحاً من مشتريات الحكومة السعودية من تلك الشركات، كذلك تدفقت الأموال من خلال البنوك الدولية مثل HSBC ، وفقًا للمسؤولين الأمريكيين والسعوديين الحاليين والسابقين والوثائق المصرفية التي استعرضتها وول ستريت جورنال.
يُذكر أن ممثلو بنك HSBC رفضوا التعليق على الأمر.
ووفقاً للتحقيقات، لا ينكر أنصار السيد جبري حركة الأموال، لكنهم قالوا إن النظام كان يعمل كالمعتاد في المملكة العربية السعودية وقد تمت كافة هذه التحركات بمباركة راعيه، ولي العهد آنذاك محمد بن نايف، إلا أنه في عام 2017، أُجبر الأمير على التخلي عن منصبه من قبل ابن عمه محمد بن سلمان، الذي تولى ولاية العهد بعد ذلك، كما تم إعفاء محمد بن نايف من منصبه بوزارة الداخلية، وتم اعتقاله هذا العام واتهامه بالخيانة العظمى.
يزعم مؤيدو السيد جبري أنه نظرًا لأن المملكة العربية السعودية ملكية مطلقة، فإن كلمة الأمير ]محمد بن نايف[ تعني أن المدفوعات كانت قانونية ويضيفون أن بعض المدفوعات كانت مكافأة لعمل جيد.
انتهت صلاحيات سعد الجبري عام 2017 عندما تم استبدال محمد بن نايف كولي للعهد بالأمير محمد بن سلمان، الذي سعى إلى تفكيك نظام المحسوبية وتحييد منافسيه.
وكان الجابري قد طُرد من العمل قبل ذلك بعدة أشهر، رسميًا بسبب اجتماع -بدون إذن- مع رئيس وكالة المخابرات المركزية آنذاك جون برينان.
في مقابلة معه، وصف السيد برينان السبب بأن هذا الاجتماع كان مجرد “مجرد ذريعة”، وأضاف أن الأمير محمد يلاحق السيد جبري لأنه “اعتقد أن سعد شخص لا يمكنه السيطرة عليه”.
غادر السيد جبري المملكة العربية السعودية بعد ذلك عام 2017 ليعيش في تورونتو في كندا، التي لم توافق على طلبات التسليم السعودية، التي لم تتوقف أبداً بحسب عائلة الجبري، التي تؤكد بأن الحكومة السعودية تريد إعادته لأنه يعرف أسرار العائلة المالكة، وأن ولي العهد محمد بن سلمان لديه ثأر شخصي ضده بسبب خلاف حول سياسة المملكة في اليمن والنزاعات الأخرى في المنطقة، مضيفين أن الدولة تحتجز عمر وسارة نجلي الجبري كرهائن حتى يعود والدهم، حيث صرح أحد المقربين من الجبري أن ولي العهد قال إن القضية ستحل إذا عاد الجبري، بعد طلب الجبري من السلطات الإفراج عن نجليه.
على الجانب الآخر، قال متحدث باسم الحكومة السعودية إنها لا تعلق على التحقيقات الجارية، وقال مسؤولون سعوديون معنيون أنهم يحاولون تقديم السيد جبري إلى العدالة في إطار حملة الأمير محمد لمكافحة الفساد.
ويزعم المحققون السعوديون أن السيد سعد الجبري وشقيقه وابن أخيه واثنين من زملائه تلقوا أكثر من مليار دولار من المدفوعات المباشرة، وهي تهمة تضاف لسجل التحقيق في مليارات الدولارات من تدفقات أخرى من الأموال وعقود مبطنة.
يُذكر أن المُشار إليهم بخلاف السيد سعد الجبري، جميعهم رهن الاعتقال داخل السعودية، حيث ترفض السلطات الإفصاح عن مكانهم أو تمكين أحد من التواصل معهم، مع نجلي سعد الجبري.
وبحسب مسؤول سعودي فإن أبناء سعد الجبري الأخت والأخ محتجزان معا في فيلا لسجناء كبار الشخصيات داخل مجمع سجون بالرياض، وقال مسؤول أمريكي إن واشنطن أثارت قضية السيد جبري مع الحكومة السعودية على “مستويات عالية جدا”.
يُذكر أن الرئيس ترامب كان داعمًا لولي العهد السعودي محمد بن سلمان، على عكس الكونغرس، المكون من أغلبية ترفض الدعم الأمريكي لابن سلمان، خاصة بعد مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي عام 2018 في قنصلية بلاده في إسطنبول، والذين اتهموا الأمير محمد بالتورط في هذا الحادث المشين، وعليه صوتوا من أجل إيقاف مبيعات الأسلحة للسعودية؛ لهذا يرى البعض، أن المعادين للسعودية داخل أمريكا وخاصة منافس ترامب الرئاسي “جو بايدن” قد يقفوا في صف الجبري.
يقول المسؤولون الأمريكيون إن الأمير محمد، الحاكم اليومي للمملكة، يستخدم أحيانًا تهم الفساد كغطاء لملاحقة المعارضين السياسيين أو المنافسين المحتملين، بما في ذلك أبناء الملك السابق ]الملك عبد الله[ للمملكة العربية السعودية والموالين له، وأشار المسؤولون إلى عمليات احتجاز بعض الأشخاص الأكثر ثراء في المملكة العربية السعودية في نوفمبر/تشرين الثاني 2017 في فندق فخم في الرياض كدليل على ذلك، خاصة وأنهم أجبروا على التنازل عن ممتلكاتهم وتسليم الأصول مقابل حريتهم، بمعنى آخر، تجريدهم من أي قوة أو نفوذ.
وصرح السيد جو برينان، مدير وكالة المخابرات المركزية السابق، بأنه إذا عاد سعد الجبري إلى المملكة العربية السعودية “أنا متأكد من أنه لن يسمح له بالمغادرة”.
من جانبه رفض السيد جبري التعليق، إلا أن نجله خالد، المقيم في بوسطن ويعمل طبيباً، قال في رسالة نصية “نرحب بأي إجراءات محايدة لا تشمل محاولات التسبب في الأذى أو الابتزاز من خلال أخذ الأبناء كرهائن”.
للاطلاع على النص الأصلي من المصدر اضغط هنا
اضف تعليقا