تتسارع وتيرة الأحداث في الساحة الليبية المشتعلة يوما بعد الآخر، حيث تستمر أطراف الصراع في التصعيد الإعلامي والعسكري، بما يوحي بقرب نشوب معركة مرتقبة في مدينتي سرت والجفرة الواقعتين في الغرب الليبي.
وبينما يواصل الجيش الليبي التابع لحكومة الوفاق، حشوده العسكرية، تمهيدا لاستعادة مدينتي سرت والجفرة، وافق البرلمان المصري في جلسة سرية على تفويض السيسي بإرسال قوات من الجيش إلي ليبيا، لمساندة قوات الانقلابي خليفة حفتر والميليشيات التابعة له.
تفويض للسيسي
وفي جلسة سرية وطارئة عقدت أمس الإثنين، أقر البرلمان المصري إرسال قوات من الجيش المصري في مهام قتالية بالخارج للدفاع عما سماه الأمن القومي المصري في الاتجاه الاستراتيجي الغربي استنادا إلى المادة 152 من الدستور المصري.
وتنص المادة 152 من الدستور على أنه “لا ترسل القوات المسلحة في مهمة قتالية إلى خارج حدود الدولة إلا بعد أخذ رأي مجلس الدفاع الوطني وموافقة مجلس النواب بأغلبية ثلثي الأعضاء “.
وبهذا التفويض من مجلس النواب يكون السيسي قد استكمل جميع الإجراءات التي تخول له إرسال قوات إلى ليبيا للتدخل عسكريا لصالح قوات الانقلابي خليفة حفتر.
وأعلن مجلس الدفاع الوطني بمصر، الأحد “الالتزام بالحل السياسي كسبيل لإنهاء الأزمة الليبية”.
ويتوقع ضباط ليبيون أن يقدم النظام المصري دعما لوجيستيا لمليشيات حفتر ومسلحي القبائل، وربما قصفا جويا محدودا، لكن يستبعدون تورطا شاملا في حرب طويلة الأمد بليبيا، خصوصا في ظل التهديدات التي يشكلها سد النهضة الإثيوبي على حصة البلاد من مياه النيل.
وكان السيسي قال خلال لقاء عقده، الخميس، مع شيوخ وأعيان قبائل ليبية في القاهرة، إن بلاده “لن تقف مكتوفة الأيدي” أمام الهجوم على مدينة سرت، وفق وسائل إعلام مصرية، وأضاف السيسي مخاطبا شيوخ القبائل: “مش هندخل إلا بطلب منكم، ومش هنخرج إلا بأمر منكم”، في إشارة إلى التدخل العسكري في ليبيا.
من جانبها أعربت الأمم المتحدة عن قلقها، من تفويض البرلمان المصري أمس الاثنين، رئيس الانقلاب عبد الفتاح السيسي، بإرسال قوات، خارج حدودها الغربية، وقال إنه صب للزيت على النار.
وقال المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة، ستيفان دوغاريك، خلال مؤتمر صحفي عبر دائرة تلفزيونية: “نتابع ذلك عن كثب.. هذه التطورات مصدر قلق كبير”، وتابع دوغاريك: “لذلك تواصل ستيفان وليامز مبعوثة الأمين العام بالإنابة إلى ليبيا عملها الدبلوماسي، والتقت أمس الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، ومسؤولين آخرين في الجزائر العاصمة لمناقشة الوضع”، وأردف: “الجزائر تبذل جهودا إيجابية لحث الأطراف الليبية، على إنهاء العنف واستئناف العملية السياسية تحت رعاية الأمم المتحدة”.
وحول ما إذا كانت الأمم المتحدة على اتصال بالقاهرة، قال دوغاريك: “تم إجراء اتصالات مع السلطات المصرية. ومستمرون في حث الدول على مساعدة الليبيين على الاتفاق على وقف دائم لإطلاق النار، بدلا من إضافة الكيروسين إلى النار”.
استعداد ميداني للوفاق
وفي رد ميداني لحكومة الوفاق علي تفويض السيسي، نشر الجيش الليبي التابع لحكومة الوفاق الاثنين، صورا تظهر جانبا من التعزيزات العسكرية واللوجستية، التي تصل تباعا لدعم محور سرت والجفرة، تنفيذا لتعليمات قادة العمليات، بحسب ما أوردته صفحة “عملية بركان الغضب” بموقع “فيسبوك”.
وقال المتحدث باسم قوات بركان الغضب، مصطفى المجعي، إن قوات الجيش تنتظر إشارة البدء للتقدم باتجاه سرت، بعد أن أكلمت كافة التجهيزات والتحضيرات اللازمة للعملية، وأضاف المجعي أن الهجوم متوقع أن ينطلق في “أي لحظة”، مشيرا إلى أن الأيام القليلة القادمة ستكون حبلى بالمفاجآت على كافة الأصعدة.
وكان الناطق باسم غرفة عمليات تحرير وتأمين سرت، التابعة للجيش الليبي، عبد الهادي دراه قال إن امدادات كبيرة وصلت إلى محاور القتال من كل مناطق ليبيا مثل زوارة والزنتان والزاوية، وغيرها، وأصبحنا الآن في قمة الاستعداد، وننتظر شارة التحرير فقط.
ونقلت صحيفة “خبر ترك” عن مصادر أمنية تركية، أن أنقرة ستتخذ خطوات لمواجهة أي تدخل مصري محتمل في ليبيا، مشيرة إلى أنها أعدت خطة من مرحلتين في مواجهة القرار المصري.
وأكد المصدر الأمني أن تركيا سترد بقوة في حال وقع هجوم يستهدف الوحدات العسكرية التركية العاملة في الأراضي الليبية، بغض النظر عن هوية الجهة المهاجمة، وكشف المصدر، عن أن تركيا تعتزم زيادة قواتها وقدراتها العسكرية والتقنية، إذا قامت مصر بإرسال قوات لها للأراضي الليبية، ولفت إلى أن أنقرة التي تتابع عن كثب تصريحات القاهرة منذ فترة طويلة، أعدت خطة عسكرية ودبلوماسية من مرحلتين لمواجهة التحركات المصرية.
وذكرت الصحيفة، أن 80 بالمئة من التجهيزات العسكرية من أجل القيام بعملية في سرت والجفرة قد اكتملت، ومن المقرر أن تجري العملية بمجموعات عسكرية تحت إمرة الجيش الليبي بمشاركة مستشارين بالجيش التركي بموجب مذكرة التفاهم بين أنقرة وطرابلس.
وأشارت إلى أنه من المتوقع بعد العيد مباشرة، أن ترتفع وتيرة التحركات تجاه سرت والجفرة، وذلك في النصف الأول من أب/ أغسطس المقبل.
من جهة أخرى، كشفت صحيفة “ملييت” التركية أن راجمات صواريخ تركية وصلت إلى ليبيا لدعم القوات الموالية لحكومة الوفاق المدعومة من قبلها، استعدادا للهجوم على سرت والجفرة، وأوضحت الصحيفة في تقرير لها أن راجمات صواريخ تركية الصنع من طراز “T-122سقاريا” نصبت بالقرب من سرت، ويصل مدى صواريخها إلى 40 كيلومترا، ولفتت الصحيفة إلى أن هذه الصواريخ استخدمت بشكل فعال في العمليات العسكرية التي شنتها القوات المسلحة التركية على سوريا.
وتُستخدم راجمات الصواريخ T-122 بشكل مكثف في الأعمال القتالية، وهي في الواقع نسخة معدلة من منظومة صواريخ “غراد” الروسية، إذ إن النسخة التركية الجديدة تلافت الأخطاء في النسخة الأصلية القديمة، وأدخلت تعديلات عليها بحيث أصبحت أكثر دقة من ذي قبل.
وتستعمل الراجمة في عمليات القصف المكثف، حيث تعمل على إحداث حزام ناري كثيف في مساحات شاسعة تمهد لتقدم القوات البرية عادة.
اجتماع ثلاثي
وتزامنا مع هذه الاستعدادات الميدانية لحكومة الوفاق، شهدت العاصمة التركية أنقرة، الاثنين، اجتماعا ثلاثيا، ضم وزير الدفاع خلوصي أكار، ونظيره القطري خالد بن محمد العطية، ووزير الداخلي الليبي فتحي باشاغا.
وأفاد بيان صادر عن وزارة الدفاع القطرية بأن الاجتماع ناقش عددا من المواضيع ذات الاهتمام المشترك، وآخر المستجدات على الساحة الليبية.
ولم تصدر على الفور تفاصيل المباحثات الثلاثية، التي سبقتها اجتماعات ثنائية، وذلك بالتزامن مع إعلان برلمان النظام المصري “تفويض” الجيش بالتدخل عسكريا خارج البلاد، في إشارة إلى ليبيا.
وخلال لقاء العطية وأكار، أكد الأخير على استمرار الشراكة الاستراتيجية بين البلدين في العديد من المجالات، قائلا: “نعرب عن شكرنا لقطر إزاء الدعم الجاد للحكومة الشرعية في ليبيا، وحيال ضمان مناخ الاستقرار هناك”.
وتعتبر زيارة الوزير القطري إلى تركيا استكمالا للزيارة التي أجراها أكار إلى الدوحة نهاية الأسبوع، وفرصة أخرى لبحث المستجدات بين البلدين.
وفي وقت سابق الاثنين، جمعت مباحثات ثلاثية أيضا كلا من أكار وباشاغا ووزير داخلية مالطا، بويرون كاميلاري، في الإطار ذاته، وخلال تصريحات عقب اللقاء، قال باشاغا إن “الانقلابي خليفة حفتر وداعميه، مسؤولون عن إخلال الأمن في ليبيا والمنطقة برمتها”.
وأشار إلى أن الاجتماع الثلاثي الذي جرى اليوم في أنقرة، سيعزز التعاون القائم بين تركيا وليبيا ومالطا، مبينا أن الهجرة غير النظامية والمسائل الأمنية كانت محور محادثات الاجتماع، وتابع قائلا: “ناقشنا كافة الخطوات التي من شأنها إحلال الاستقرار في حوض المتوسط، ودعم الاستقرار في ليبيا، يعد بداية لنقاط مهمة”.
اضف تعليقا