يتساءل الكثيرون عن جدوى استمرار “عاصفة الحزم” التي أطلقها التحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية قبل عامين ونصف في اليمن، في ظل الانتهاكات المتواصلة التي حولت الدولة الفقيرة إلى مدينة أشباح.

فبينما تحاول المملكة إثبات أنها كانت صائبة في اتخاذ قرار الحرب ما يزال الآلاف من اليمنيين يسقطون بين قتيل وجريح بنيران التحالف تارة ونيران جماعة الحوثي تارة أخرى، وبينهما يعانيالآلاف الجوع والعطش ووباء الكوليرا.

ومن بين الركام الذي بات يملأ أركان الدولة اليمنية تتصاعد أرواح الأطفال بين الحين والآخر بفعل الضربات الجوية التي ينفذها التحالف العربي في أغلب المحافظات اليمنية.

تصاعد أعداد القتلى بين الأطفال تسبب في إدراج الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش التحالف العربي في اليمن ضمن اللائحة السوداء المعروفة بـ “قائمة العار” لمنتهكي حقوق الأطفال في مناطق النزاع، إلى جوار كيانات ودول توصف بالإرهاب.

تقرير الأمم المتحدة الذي قدمه جوتيريش في 5 أكتوبر 2017 لمجلس الأمن اتهم فيه قوات التحالف بقيادة السعودية بقتل وتشويه الأطفال واستهداف وهدم العشرات من المدارس والمستشفيات في اليمن.

وأشار التقرير إلى مقتل وجرح 1340 طفلا في اليمن خلال العام الماضي، وحمل التحالف المسؤولية عن مقتل 50% من هؤلاء الأطفال.

وبحسب التقرير الأممي فقد تسبب القصف البري في 39% من الإصابات فيما تسببت الغارات الجوية في إصابة 50% منهم.

وحولت الغارات الجوية العديد من الأبنية التعليمية والمستشفيات إلى ركام وأطلال حيث يشير التقرير إلى أن 33 هجوما استهدف مدارس يمنية خلال العام الماضي، بينما استهدف 19هجوما 16 منشأة صحية تتحمل قوات التحالف العربي مسؤولية أغلبها.

ترحيب حقوقي

وعقب الإعلان عن تقديم جوتيريش تقريره لمجلس الأمن أعلنت العديد من المنظمات الحقوقية ترحيبها بإدراج التحالف العربي ضمن “قائمة العار”.

ومن بين هذه المنظمات منظمة العفو الدولية ومنظمة هيومان رايتس ووتش ومنظمة سام للحقوق والحريات ومنظمة أفدي الدولية لحقوق الإنسان وغيرها من المنظمات.

وأعلنت “رايتس ووتش” في بيان لها على موقعها الرسمي أنها وثقت ما قام به التحالف العربي وقوات الحوثي وصالح والأطراف الأخرى من انتهاكات في اليمن، والتي شملت “اعتقال الأطفال تعسفيا وإخفاءهم وتجنيدهم للقتال، ومهاجمة مدارسهم ومستشفياتهم، أو منع المساعدات عمن هم في أمس الحاجة إليها”.

وأضاف البيان: “كما منع التحالف شحنات الوقود والمساعدات، ما ساهم في إحدى أسوأ الأزمات الإنسانية على الأرض، وارتفعت حالات الكوليرا إلى 5000 حالة يوميا، ويقدر عدد الأطفال الذين يعانون من سوء التغذية الحاد بـ 1.8 مليون طفل”.

وطالبت رايتس ووتش جميع الحكومات الدولية بتعليق مبيعات الأسلحة للسعودية، وطالبت المملكة بضرورة اتخاذ التحالف الإجراءات اللازمة لوقف الهجمات غير القانونية والسماح بوصول الوقود والمساعدات إلى اليمنيين.

وأعربت ممثلة منظمة العفو الدولية في الأمم المتحدة شيرين تادروس في تصريحات صحفية عن سرورها بإدراج التحالف ضمن القائمة وأن جوتيريش أدرك أخيرا أن هناك عددا كبيرا من الأطفال قتلوا بسبب عمل التحالف العربي”.

وأشارت تادروس إلى أن التقرير الأممي صنف منتهكي حقوق الإنسان إلى صنفين، ووضع السعودية والتحالف في الصنف الأول، مطالبة بعدم المساومة والتعامل مع العدالة بحل وسطي من أجل أهداف سياسية، ودعت إلى حظر بيع السلاح لدول التحالف العربي.

إفلات السعودية سابقا

وفي تصريحات مثيرة للجدل منتصف العام الماضي أقر الأمين العام للأمم المتحدة حينها بان كي مون بممارسة السعودية ضغوطا على المنظمة لحذف التحالف العربي من قائمة العار أو اللائحة السوداء للدول والمنظمات التي تنتهك حقوق الأطفال.

وأضاف في تصريحات صحفية في 10 يونيو 2016: “إنه قرر شطب التحالف العسكري من اللائحة بعد أن هددت السعودية وعدد من الدول العربية والإسلامية بقطع التمويل عن برامج الأمم المتحدة الإنسانية”.

وكانت المنظمة الدولية أدرجت التحالف الذي تقوده السعودية على القائمة بعد أن خلصت في تقرير نشرته مطلع يونيو من العام الماضي إلى أنه مسؤول عن 60% من القتلى الأطفال في اليمن خلال عام 2015 والذين بلغ عددهم 785 طفلا.

ماذا يعني؟

السؤال الأهم هو ماذا يعني دخول المملكة والتحالف ضمن هذه القائمة في هذا التوقيت على وجه التحديد؟

يرى محمود جواد الخبير في القانون الدولي أن إصدار التقرير في هذا التوقيت هو تأكيد لشرعية اللجنة التي تم تشكيلها مؤخرا من قبل مجلس حقوق الإنسان في جلسته الأخيرة في جنيف والمعنية بالتحقيق في تحقيق جرائم الحرب وكافة الانتهاكات التي ارتكبها جميع الأطراف في اليمن والاستهداف العشوائي للمدنيين والمرافق والمستشفيات والمدارس.

واعتبر أن الإدراج في هذه القائمة بمثابة تشهير بالمؤسسات والدول وتشويه لسمعتها لإجبارها على الحد من هذه الانتهاكات التي تقوم بها في اليمن، والسماح بدخول المواد الإغاثية للمتضررين من الحرب.

وأوضح في لقاء تلفزيوني مع قناة الجزيرة أن القانون الدولي لا يوجد به وسائل إلزامية بخصوص ما يتعلق بانتهاكات الحروب وأن دوره يقتصر على سرد الحقائق وتشكيل لجان أو محاكم دولية لمعاقبة من قاموا بهذه الجرائم.

وبشأن التوقيت الخاص بإصدار التقرير يعتبر توفيق الحميدي مسؤول الرصد والتوثيق بمنظمة سام للحقوق والحريات في اليمن أن المجتمع الدولي أصبح أكثر جدية في التعامل مع الملفات الحقوقية في اليمن.

وقال إن التقرير يضيق الخناق على المسؤولين ومتخذي قرار الحروب وبالتالي يضغط عليهم بطريقة أو بأخرى لمحاولة الالتزام بالاتفاقيات والمعايير الدولية، ويفتح مساحة للإعلام الغربي للتحدث بعمق عن هذه الدلالة.

أيضا فإن التقرير ربما يمهد لخطوة ثانية تجعل المجتمع الدولي يذهب إلى خطوات أكثر إيلاما لهذه الأطراف خاصة الدول المشاركة في التحالف.

وذهب “علي بردة” الخبير بشؤون الأمم المتحدة إلى أن التقرير يضر بسمعة السعودية والدول المنضوية في التحالف بسبب إدراجها إلى جانب دول وتنظيمات أخرى مثل تنظيم القاعدة والحوثي في اليمن وسوريا والعراق وغيرها.

 

ولاتخاذ خطوات جادة يتطلب الأمر التوقيع على اتفاقية روما، إلا أن المملكة العربية السعودية غير موقعة على هذه الاتفاقية، أو صدور قرار من مجلس الأمن وهو ما يتطلب توقيع الدول الخمس دائمة العضوية بالمجلس على هذه المسألة وهو أيضا أمر يصعب تحقيقه بسبب التحالفات التي أقامتها السعودية مع أمريكا وروسيا والصين في الأسابيع الأخيرة.

جهود لم تفلح

ومارست السعودية ضغوطا كبيرة خلال العام الماضي على الأمم المتحدة أدت في النهاية إلى حذف التحالف من قائمة العار وخوفا من تصعيد الأمر ورفعه للجنائية الدولية أو مجلس الأمن عمدت خلال العام الأخير إلى توطيد علاقاتها بكل من أمريكا والصين وأخيرا روسيا وهي 3 دول من بين 5 لها حق الفيتو في مجلس الأمن.

وذهب البعض إلى أن زيارة الملك سلمان إلى روسيا كانت تهدف إلى بناء علاقة قوية مع روسيا تحميها من غدر أمريكا خاصة بعد تغير موقف واشنطن من حصار قطر، بالإضافة إلى حمايتها من اتخاذ أي قرارات في مجلس الأمن ضد المملكة.. وهنا يمكن الإشارة إلى تحليل سابق لـ “العدسة”

الأوضاع الإنسانية في اليمن

وخلال العامين الماضيين تحولت اليمن من دولة تعاني الفقر إلى الدولة الأولى عالميا في الإصابة بمرض الكوليرا القاتل حيث سجلت منظمة الصحة العالمية 767 ألفا و524 حالة يشتبه في إصابتها بوباء الكوليرا، ورصد 2127 حالة وفاة، في 22 محافظة يمنية من أصل 23، منذ بدء الحرب الدائرة في اليمن.

وارتفع معدل الفقر بسبب الحرب لمستويات غير مسبوقة حيث كشف مؤشر الاقتصاد اليمني إلى ارتفاع نسبة الفقر إلى 85% من إجمالي عدد السكان البالغ 27 مليون نسمة.

وكانت 57 منظمة حقوقية دولية طالبت في أغسطس الماضي مجلس حقوق الإنسان بالأمم المتحدة بفتح تحقيق دولي في انتهاكات التحالف العربي وأطراف النزاع في اليمن.