رغم التحذيرات الكثيرة وبعد التأجيلات المتكررة، أعلنت الإمارات مطلع الأسبوع الجاري عن بدء تشغيلها الفعلي لمفاعل الطاقة النووية لديها ضمن مشروع براكة النووي والواقع في منطقة ظفرة بالعاصمة الإماراتية أبو ظبي.

وتوالت تحذيرات الخبراء من خطورة هذا المشروع، حيث أكدت تقارير فنية افتقاد المفاعلات لمقومات السلامة المعمول بها عالمياً وهو ما يهدد بإمكانية وقوع كارثة نووية في المنطقة، فضلا عن مغبة تحول شبه الجزيرة العربية إلى منطقة نووية في ظل سعي كل من السعودية والإمارات لبناء مفاعلات نووية، مما ينبئ باحتمال اندلاع سباق تسلح نووي في الشرق الأوسط.

بدء التشغيل

وفي تطور لافت، أعلن نائب رئيس دولة الإمارات، محمد بن راشد آل مكتوم، السبت، نجاح تشغيل مفاعل بلاده النووي، كأول مفاعل سلمي للطاقة النووية في العالم العربي.

وقال “بن راشد” على حسابه الرسمي بموقع “تويتر”، إن فِرق العمل نجحت في تحميل حِزم الوقود النووي وإجراء اختبارات شاملة وإتمام عملية التشغيل.

ويهدف المشروع، بحسب بن راشد، إلى تشغيل أربع محطات للطاقة النووية تستهدف توفير ربع حاجة الدولة من الكهرباء.

وأطلقت أبوظبي، نهاية العام الماضي، برنامجها للطاقة النووية بمنح عقد بقيمة 40 مليار دولار لشركة “كونسورتيوم” الكورية الجنوبية، لبناء أربعة مفاعلات نووية، وتشغيلها بصورة مشتركةٍ 60 عاماً.

وتبنى المفاعلات النووية في منطقة “ظفرة” بالعاصمة أبوظبي، ومع الانتهاء من بناء الوحدات النووية الأربع ستصبح قادرة على إنتاج 5.6 غيغاوات من الكهرباء، من أجل تغطية 25% من استهلاك البلاد لها، حيث أعلن عن جهوزية أول المفاعلات للتشغيل في 28 يناير من هذا العام.

وسبق أن أجّلت اﻹمارات افتتاح أول مفاعلاتها، بسبب ما اعتبرتها مشاكل تتعلق بافتقار العمال المعيَّنين في هذه المفاعلات إلى الخبرة في هذا المجال.

وكان مقرراً افتتاح أول المفاعلات الأربعة بموقع “براكة” (غربي أبوظبي) عام 2017، قبل أن يتأجل تشغيله إلى 2018 ثم إلى وقت آخر غير محدد.

ومنذ أواخر عام 2009، أعلنت الإمارات توجهها لبناء مفاعل نووي “سلمي” بهدف إنتاج الكهرباء، رغم المخاطر التي يحملها التوجه نحو امتلاك مثل هذه المفاعلات.

وفي فبراير من هذ العام أعلنت هيئة الرقابة النووية بالإمارات إصدار رخصة تشغيل مشروع براكة للطاقة النووية للأغراض السلمية، في منطقة الظفرة بإمارة أبوظبي، بحسب الوكالة الرسمية “وام”.

وبموجب الرخصة، أصبحت شركة نواة للطاقة، مفوضة بتشغيل الوحدة الأولى من أصل 4 وحدات أو محطات من مشروع براكة للطاقة النووية، على مدى 60 عاماً القادمة.

و”نواة للطاقة”، هي مشروع مشترك بين مؤسسة الإمارات للطاقة النووية (حكومية) والشركة الكورية للطاقة الكهربائية (كيبكو)، وستتولى مسؤولية تشغيل محطات الطاقة النووية الأربع في براكة.

“تشر نوبل” جديد

وحذر خبراء من تكرار الإمارات لكارثة “تشرنوبل” في منطقة الخليج، بعد إعلانها تشغيل مفاعل نووي لتوليد الكهرباء، خاصة في ظل الحديث عن وجود تشققات وعيوب خطيرة به.

واعتبر الخبراء أن نجاح تشغيل أول مفاعل للطاقة النووية في العالم العربي لن يكون سوى كابوس جديد يشبه مفاعل تشرنوبيل الذي انفجر قبل عقود وما زالت آثاره تهدد المنطقة، وأنه بني في المكان والزمان الخطأ.

ونشرت مجلة “فوربس” الأمريكية تقريراً أعده بول دورفمان، مؤسس مجموعة الاستشارات النووية، قال فيه إن المفاعلات الإماراتية الأربعة تعاني تشققات وعيوباً خطيرة.

ورصد التقرير جملة من المخاوف الأمنية والبيئية حول هذه المفاعلات النووية الإماراتية التي تشيَّد بشراكة مع المؤسسة الكورية للطاقة الكهربائية (KEPCO)، وفرعها كوريا للطاقة المائية والنووية (KHNP).

وقال التقرير الذي حمل عنوان “الطموح النووي الخليجي.. مفاعلات نووية جديدة في الإمارات”: إنه “عُثر على تشققات في جميع المباني الحاضنة للمفاعلات الأربعة في أثناء عملية البناء، وهو ما يستلزم تعليق أعمال التشييد؛ لإجراء الإصلاحات اللازمة”.

وأوضح التقرير أن “شركة كوريا للطاقة المائية والنووية المساهمة في المشروع عاشت سابقاً على وقع فضيحة تمثلت في استخدامها أجزاء مزيفة في بناء مفاعلاتها، كما كان هناك خلاف سابق بين الشركة ومؤسسة الإمارات للطاقة النووية بشأن استبدال عمال مختصين في محطة الظفرة بآخرين دون إعلام مسبق للسلطات الإماراتية”. 

ويشير دورفمان إلى أن “تصميم المفاعل المستخدم في موقع براكة لا يحتوي على مواصفات الأمان الموجودة في كل المفاعلات النووية بأوروبا، حيث لا يضم مفاعلاً حاضناً إضافياً أو ما يعرف بالماسك الأساسي “الذي يساعد في الحد من إطلاق الإشعاعات في حال وقوع حادث أو هجوم متعمد على المنشأة”.

ومما يعزز الشكوك التي ذهب إليها تقرير دورفمان بشأن تصاميم المؤسسة الكورية للطاقة الكهربائية عجز الشركة عن الحصول على أي عقود جديدة، حيث يبقى عقدها مع الإمارات الوحيد، رغم محاولات حثيثة باءت بالفشل في كل من ليتوانيا وتركيا وفيتنام والمملكة المتحدة.

من جانبها قالت اللجنة الدولية المعنية بتغير المناخ: إن “الأحداث الشديدة في مستوى سطح البحر من المرجح أن تحدث الآن بشكل متكرر، مما يعني أن محطات الطاقة الساحلية، مثل براكة، قد تصبح بلا حماية ضد ارتفاع منسوب مياه البحر، ودخول المد والجزر وتزايد العواصف، فيما أن ارتفاع متوسط حرارة مياه البحر في الخليج يمكن أن يصعب أيضاً من تبريد المفاعل باستخدام مياه البحر”

لكن في المقابل تصر السلطات الإماراتية على أن خططها آمنة؛ حيث أعلن وزير الدولة الإماراتي والرئيس التنفيذي لشركة بترول أبوظبي الوطنية (أدنوك)، سلطان بن أحمد سلطان الجابر، أن بلاده ستكون أول دولة تدير محطة طاقة نووية “آمنة وسلمية” في المنطقة.

أسباب خفية للمشروع 

ويبدو أن أسبابا أخري غير التي أعلنتها أبو ظبي تقف وراء مشروع الإمارات النووي، حيث تثير أبوظبي الشكوك في بنائها مثل هذه المشاريع لدورها البارز في التخريب بالمنطقة العربية خصوصاً، وصولاً إلى دول إسلامية شرقاً وغرباً، وهو ما تحدثت عنه صحيفة “ديلي تلغراف” البريطانية في مقال بعنوان “مفاعل الإمارات النووي قد يؤدي إلى سباق تسلح في الشرق الأوسط”.

ونقلت الصحيفة عن بول دورفمان، رئيس المجموعة النووية الاستشارية، قوله: إن “مفاعل براكة في الإمارات يفتقر إلى إجراءات الأمان الأساسية، ويمثل خطراً على البيئة ، وقد يكون جزءاً من مخطط لإنتاج أسلحة نووية”.

وذكر المقال أن : “دوافع بناء هذا المفاعل قد تكون مختفية عن العيان، إنهم يفكرون بصورة جدية في الانتشار النووي”، ولكن الإمارات تؤكد أنها ملتزمة بـ “أعلى مستويات الأمان والسلامة النووين، وبعدم انتشار الأسلحة النووية”.

وأكد دورفمان: إن “إطلاق صورايخ أرض جو لن يكون بالسرعة الكافية اللازمة للتصدي لمثل هذا الهجوم”، خصوصاً أن سبتمبر 2019 شهد هجمات على محطات أرامكو النفطية في الجارة السعودية لكن لم تتمكن الرياض من ردعها، بحسب الصحيفة.

وحذر تقرير نشره موقع الجزيرة الإنجليزية، من خطورة المشروع حيث ورد في التقرير الذي كتبته باتريسيا سابغا، مديرة التحرير والمشرفة على خدمة الجزيرة الإنجليزية الإخبارية المتخصصة في أخبار المال والأعمال، أن من شأن بروز مبادرات لإجراء عمليات انشطار نووي -في منطقة ذات تاريخ يتسم بانتهاج “السرية النووية” وحيث بات تبادل إطلاق الصواريخ بين الأعداء أمراً معتاداً، من شأنه أن يجعل المنطقة “المضطربة” أصلاً ساحة لمعارك نووية بالوكالة بين القوى العظمى.

ورغم أن الإمارات قد وقعت على وثيقة تؤكد عنصري السلامة وحظر الانتشار النووي، والامتناع عن التخصيب، وإعادة معالجة الوقود النووي محلياً لاستخدامها بسهولة في أغراض غير سلمية، فإن ذلك غير مضمون، وفق مراقبين، حيث انتهكت عدة اتفاقيات دولية أخرى.

وفي عام 2017، أعلنت جماعة الحوثي اليمنية (مدعومة من إيران) أنها ضربت مفاعل براكة بصاروخ، لكن الإمارات نفت ذلك، وقالت إن “لديها نظاماً للدفاع الجوي للتعامل مع مثل هذه التهديدات”.

اقرأ أيضًا: جريدة لا براس الفرنسية: سباق التسليح النووي