في الأعراف الأمنية، يمثل تعاون أجهزة المخابرات دوليا لمنع الأحداث الإرهابية والجرائم المنظمة أمرا اعتياديا، يندرج تحت بند التعاون الأمني الدولي، لكن في الغالب لا يتم الإعلان عن تلك الجهود بسهولة، لاعتبارات أمنية وسياسية، لذلك، فعندما يتم الكشف عن جانب من تلك الجهود، فالأمر لا يخلو من دلالات.

وكالات الأنباء نقلت تصريحات على لسان مدير جهاز الأمن الروسي ألكسندر بورتنيكوف، تحدث فيها عن مساعدة مجموعة من أجهزة المخابرات الدولية في إحباط عمليات إرهابية داخل روسيا، ومن ضمنها جهاز المخابرات المصرية.

بورتنيكوف أوضح، في الاجتماع السادس عشر لرؤساء الأجهزة الأمنية والمخابرات ووكالات إنفاذ القانون في كراسنودار، أن هناك تعاونا مثمرا بشكل خاص هذا العام مع المخابرات المصرية ومجموعة من الدول، على رأسها كازاخستان وأوزبكستان وطاجيكستان وقرغيزستان والصين والهند وكوريا الجنوبية وجمهورية التشيك والنمسا وصربيا.

وأشار إلى أنه نتيجة لهذه الإجراءات المشتركة منعت مجموعة من العمليات الإرهابية على أراضي روسيا، واعتقل المتورطون في تدريب أعضاء المنظمات الإرهابية الدولية.

اعتزاز خاص

توحي تصريحات بورتنيكوف باعتزاز روسي خاص بدور المخابرات المصرية في الأمر، حيث أوردها بالاسم، قبل أن يتحدث عن باقي الشركاء الدوليين بأسماء الدول فقط، وهي الصياغة التي نقلها نصا عنه موقع “روسيا اليوم” الناطق بالعربية، الذي تديره موسكو.

 

ألكسندر بورتنيكوف

ومن المعروف أن النظام المصري بعد 3 يوليو 2013، وعزل الرئيس الأسبق المنتخب محمد مرسي، وتولي عبد الفتاح السيسي منصب الرئيس في 2015، يسوق لنفسه باستمرار في الأوساط الدولية على أنه أحد أقطاب الحرب على الإرهاب عالميا، بل إنه يحارب الإرهاب نيابة عن العالم، وذلك ظاهر في كافة تصريحات السيسي، سواء أمام المحافل الدولية، أو في حواراته لوسائل إعلام أجنبية.

في مارس 2017، قال السيسي، في تصريحات لمؤسسة “أوكسفورد بيزنس جروب” الاقتصادية الدولية، إن مصر تحارب الإرهاب على أرضها، وتعمل لمنع انتشاره بباقي دول العالم.

المعلومات مقابل الشرعية

تعاون نظام السيسي مع القوى الكبرى أمنيا وصل إلى مستويات متقدمة، وذلك في مقابل منحه الشرعية اللازمة لاستمرار حكمه في ظروف استثنائية في مصر، لا سيما أن عملية الإطاحة بمرسي كانت محل امتعاض دولي، وإن كان خفيا…

لكن الجميع كان مستعدا لمنح السيسي فرصة إن أثبت قدرة سريعة على السيطرة على الأوضاع الأمنية داخل مصر، ورعاية مصالح الحلفاء الدوليين أمنيا واستخباراتيا، وهو ما يبدو أن السيسي شرع فيه من أول يوم له بالرئاسة، وتشير وقائع إلى أنه قد نجح في الأمر، ما استدعى تحول الامتعاض الدولي إلى تقارب ودعم.

 

السيسي و بوتين

مجهودات سابقة

مجهودات المخابرات المصرية كانت، منذ عهد مبارك، محل ثناء من أجهزة المخابرات الدولية، خاصة الأمريكية.

وفي جزء من 250 ألف برقية دبلوماسية حصل عليها موقع ويكيليكس على الإنترنت، ذكرت برقيات أمريكية يعود تاريخها إلى أبريل 2009 أن وزير الداخلية المصري الأسبق حبيب العادلي كان وراء تفكيك خلية لحزب الله في سيناء، وكذلك “خطوات لوقف تدفق أسلحة إيرانية من السودان عبر مصر إلى غزة”، وذلك بدعم معلوماتي وتنسيق من المخابرات المصرية.

وجاء في الوثائق أنه في نهاية ذلك الشهر أبلغ مدير المخابرات المصرية، في حينه عمر سليمان، المسؤولين الأمريكيين أن مصر تحقق “نجاحاً” في منع إيران من تمرير دعم مالي إلى حماس، وأبلغ واشنطن أن مصر هددت إيران صراحة بالتدخل في شؤونها، إذا واصلت الأخيرة استخدام الأراضي المصرية في تمرير أسلحة إلى حماس أو حزب الله، عبر ليبيا أو أفريقيا أو أي مكان آخر.

وتشير تقارير إلى أن نجاحا متصاعدا أحرزته المخابرات المصرية فعليا في إغلاق تلك الجبهة على إيران، حتى عام 2011، ما استدعى ثناء أمريكيا.

 

عمر سليمان

احتمالات ودلالات

ويشير الثناء الروسي الصريح الأخير على دور المخابرات المصرية في إحباط عمليات إرهابية داخل روسيا، إلى عدة احتمالات ودلائل:

– أسست الزيارات المتبادلة التي أجراها عبدالفتاح السيسي إلى روسيا، والرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى مصر لآفاق جديدة من التعاون، كانت مبنية على عدم ثقة القاهرة في واشنطن أوباما، والذي كان يعامل المصريين بفتور، عقب أحداث عزل “مرسي”، فقرر السيسي أن ينفتح على روسيا، التي رحبت بالأمر، ومن ضمن التعاون الذي تم الاتفاق عليه بين السيسي وبوتين، كان تصعيد وتيرة تبادل المعلومات الأمنية والاستخباراتية.

– طلب الروس مساعدات أمنية واستخباراتية من مصر، بالتوازي مع تصاعد دور موسكو في سوريا، في مواجهة تنظيمات إسلامية راديكالية، كتنظيم جبهة النصرة، وتنظيم الدولة، علاوة على فصائل المعارضة المسلحة السورية، وجاءت تلك الطلبات، لما تمتلكه المخابرات المصرية من علاقات متميزة مع النظام السوري وأجهزته الأمنية، علاوة على تواجدها التاريخي على الأراضي السوريةمنذ الستينيات والسبعينيات، والتي ظلت محافظة عليه.

الطائرة الروسية

– مثّل حادث إسقاط طائرة الركاب الروسية فوق سيناء المصرية، أكتوبر 2015، منعطفا مهما في العلاقات المصرية الروسية، وأبرزها العلاقات الأمنية والاستخباراتية، فالاختراق الذي أحدثه تنظيم الدولة، الذي تبنى عملية إسقاط الطائرة، تطلب تنسيقا من نوع جديد بين القاهرة وموسكو، نظرا لأن الأخيرة كانت في شدة الغضب من هذا الاختراق الذي تسبب بالحادث.

 

الطائرة الروسيه المنكوبه 

– من هنا، كان على الاستخبارات المصرية أن تكثف من عملياتها واختراقاتها للتنظيمات الراديكالية في سوريا وباقي دول المنطقة، حتى تستطيع الوفاء بكم المعلومات الهائل الذي طلبت موسكو توفيره عن تلك التنظيمات وتحركاتها وهياكلها بعد عملية سقوط الطائرة، وكانت تحركات المخابرات سريعة ومكثفة لاحتواء الغضب الروسي، خاصة بعد الإجراءات التي اتخذها بوتين بحظر حركة الطيران المدني إلى مصر، ومنع السياح الروس من زيارة المنتجعات المصرية، وهو ما تلقته القاهرة بفزع، للأهمية التي تمثلها روسيا اقتصاديا للقطاع السياحي في مصر.

– من ضمن طلبات الروس الأمنية من المصريين السماح لهم بمراقبة المسافرين جوا من مصر إلى روسيا، ودول أخرى، وهو ما وفرته القاهرة، أملا في احتواء الغضب الروسي، وإعادة السياح.

– عقب حادث إسقاط الطائرة، اعتقلت مصر عددا من الفنيين والعاملين بمطار شرم الشيخ السياحي، والذي أقلعت منه الطائرة، قبل تفجيرها في الجو، كما أشارت تقارير، وقيل إن الأجهزة الأمنية المصرية توصلت إلى علاقات تربط بعض المعتقلين بتنظيم الدولة، وأفادت تلك المعلومات في تتبع خلايا للتنظيم داخل الأراضي الروسية وجمهوريات الاتحاد السوفيتي السابق، وهنا جاء دور أجهزة المخابرات فيكازاخستان وأوزبكستان وطاجيكستان وقرغيزستان للتعاون، وفقا للمعلومات التي أمدتهم بها مصر عبر روسيا، ومن هنا قد يفهم تخصيص مدير جهاز الأمن الروسي ثناء خاصا على دور المخابرات المصرية، بالتعاون مع تلك الدول لإحباط عمليات إرهابية داخل روسيا.

بعد تلك الإشادة، من المشروع أن يتجدد السؤال عن موقف روسيا من عودة السياح إلى مصر، وهو ما تنتظره مصر بفارغ الصبر، فهل يشفع تعاون المخابرات المصرية في هذا الأمر، أم يظل الروس على تمنعهم؟