ترجمة العدسة عن مقال للكاتب الأمريكي/الكندي Graeme Woodلمجلة “ذا أتلانتك”
أعلن دونالد ترامب -الخميس- تطبيع العلاقات رسمياً بين إسرائيل والإمارات من خلال اتفاق سلام أبرمه قادة الدولتين برعاية ترامب. الإعلان كان صادماً للكثيرين، سواء مؤيدين أو معارضين للخطوة بشكل عام، سواء لأوجه تشابهها أو اختلافها من خطة غاريد كوشنر للسلام، أو لإعلان إسرائيل بتعليقها خططها في ضم الضفة الغربية.
على أي حال، كانت هناك دلائل عدة تشير إلى أن هذا الاتفاق كان سيحدث لا محال، بالأخص في عهد إدارة ترامب التي لم يجدوا أنسب منها لتحقيق ذلك.
المملكة العربية السعودية ليست طرفًا رسميًا في الاتفاقية، لكن علاقتها مع الإمارات قوية لدرجة أننا لا نبالغ إن افترضنا أنها وافقت على هذه الاتفاقية ودعمتها، وأن الإمارات ستمثل مصالحها ]السعودية[ مع إسرائيل كما لو كانت مصالح الإمارات نفسها.
تتعامل إدارة ترامب مع هذه الدول من خلال نفس القنوات “الشخصية” التي تبدو غامضة وفاسدة بالنسبة لنا، لأنها كذلك بالفعل.
قبل بضعة أشهر، أخبرني أكاديمي سعودي أن فهم ترامب أمر سهل بالنسبة له، أكثر من محاولتي أنا لفهمه، ذلك لأنني أعيش في بلد تعتبر فيه المحسوبية جريمة، بينما يعيش هو في بلد تعتبر المحسوبية أبرز سمات نظام الحكم هناك.
على سبيل المثال، لطالما شكلت فكرة أن الرئيس سيعين صهره لإدارة أكثر الجوانب حساسية في إدارته أمراً مزعجاً بالنسبة لي، أما بالنسبة لسعودي -كما قال صديقي- إن الأمر يتعلق فقط بكيفية إنجاز الأمور.
يعرف كل سعودي مطلع ومهتم بالأمور السياسية أن كوشنر لديه خطوط اتصال مباشرة مع محمد بن سلمان، ولي العهد والحاكم الفعلي للبلاد، مثلها مثل خطوط اتصاله مع محمد بن زايد، ولي عهد أبو ظبي ونظير بن سلمان في الإمارات.
في المقابل، لا توجد شخصية فلسطينية في فلسطين يمكن أن تقوم بنفس أدوار بن سلمان وبن زايد، ليتسنى لكوشنر وترامب الدردشة معها أو إجراء مفاوضات ومباحثات؛ لذلك لا ينبغي أن يكون مفاجئاً أن الحصاد الأول لاستراتيجية هذه الإدارة في الشرق الأوسط سيكون اتفاقاً يتجاهل الفلسطينيين تمامًا ويتعامل بدلاً من ذلك مع أحد هؤلاء الأمراء المليارديرات.
المحافظين الجدد أثناء إدارة جورج دبليو بوش اتبعوا الشعار القائل بأن “الطريق إلى القدس يمر عبر بغداد”، أي: إذا كنت تريد السلام في إسرائيل، فأنت بحاجة إلى ديمقراطيات عربية صديقة.
لم ينجح ذلك كما هو مخطط له، فلماذا لا ندع نظام “جي بي اس” (الخرائط ) الدبلوماسي الخاص بنا يعيد توجيهنا عبر أبوظبي بدلاً من بغداد؟
على الأقل، دول الخليج مستعدون للتفاوض الآن، ولديهم بعض الثقة في أن ترامب سيقدم لهم الدعم اللازم لتحمل الازدراء – الخارجي والمحلي – الذي سيأتي بعد أن باعوا “القضية الفلسطينية”.
علاوة على ذلك، فإن تفاعل هؤلاء الملوك العرب مع إسرائيل صادق، فالإمارات العربية المتحدة لم تكره إسرائيل كما فعلت الدول العربية الأخرى.
يستحضرني هنا مقالاً كنت قد كتبته قبل عشر سنوات عن مزارعين عرب على الجانب الإسرائيلي من الحدود اللبنانية، نُشر المقال في إحدى الصحف في أبو ظبي، وكنت حينها قلقاً جداً أن تؤدي رحلتي إلى إسرائيل إلى تعقيد عودتي إلى الإمارات العربية المتحدة، إلا أن أحد الأصدقاء في الإمارات أكد لي أن الحكومة لا تهتم بوجود الختم الإسرائيلي في جواز سفري، وأن أحداً لن يكلف نفسه عناء توقيفي واستجوابي إلا إذا كنت أرتدي شيئاً عليه العلم الإسرائيلي وأغني “هاتيكفاه” -النشيد الوطني الإسرائيلي، وبالفعل لم يحدث لي شيئاً يدعو للقلق بعد عودتي، باستثناء أنني أُخبرت أن المقال أزعج البعض، ليس لأنه عن إسرائيل، بل لأنني ركزت بشكل “غير ملائم” على خنازير المزارعين والحيوانات “النجسة”، وهي مواضيع غير مرحب بها في صحيفة عائلية.
في العام الماضي، حضرت الاجتماع الأول في أبو ظبي للقداس البابوي القداس البابوي، وهو الأول من نوعه في تاريخ الخليج الحديث، وكانت هذه إشارة من بين إشارات كثيرة يرسلها حكام الإمارات -مثل السعوديين- تدل على رغبتهم في الانفتاح على ثقافات بعضهم البعض، وأن يكونوا أكثر شبهاً بالدول الأخرى – أكثر ثراءً، وأكثر حداثة، وأكثر استبدادية.
التقارب الأخير بين هذه الدول بُني على كراهية إيران، التي ستدمر إسرائيل والعديد من الدول العربية السنية إذا سنحت لها الفرصة.
إن عداء إدارة ترامب تجاه إيران (أو بتعبير أدق، عدائه تجاه صفقة باراك أوباما مع إيران، التي جمدت برنامج إيران النووي لكنها ضمنت بقاء نظامها) هي تأكيد مطمئن للإمارات والسعودية، ومع تضاؤل احتمالات فوز ترامب بولاية ثانية، يجب على القيادة في كلا البلدين التفكير في طرق لضمان استمرار تساهل إدارة بايدن هاريس معهما، خاصة وأن كمالا هاريس دعت على وجه الخصوص إلى تسوية الحسابات مع المملكة العربية السعودية بشأن مقتل المعارض السعودي جمال خاشقجي وتقطيعه في أكتوبر/تشرين الأول 2018.
صداقة الإمارات مع ترامب سهلت عليها الكثير من الأمور، لكن من خلال صنع السلام مع إسرائيل تجبر الإمارات أي رئيس أمريكي على النظر في عواقب انتقادها أو التهديد بالإطاحة، وبالفعل بدأت الصفقة في تحقيق مرادها، وقام جو بايدن بوصف الاتفاقية بأنها “خطوة تاريخية”. الصفقة بالنسبة للإمارات هي بوليصة تأمين أمام أي معارضة دولية.
من جانبه، أعلن عبد الفتاح السيسي، الذي أبرمت دولته السلام مع إسرائيل عام 1979، ترحيبه على تويتر باتفاقية الإمارات وإسرائيل.
لا شك أن حكام الإمارات يفكرون في مصير سلف السيسي أنور السادات، الذي قُتل بسبب ما اعتبره كثير من المصريين خيانة، ولعل هذا السبب الذي جعل بن زايد يصدر بياناً تجنب فيه القول صراحة بأنه تم الاتفاق على “التطبيع”، بدلاً من اعتبر الاتفاقية خطوة جريئة لرسم مسار جديد يفتح المجال أمام إمكانات كبيرة في المنطقة.
في سياق متصل، من الصعب قياس المشاعر الحقيقية للناس في الخليج تجاه هذه الاتفاقية، فلا الإمارات والمملكة العربية ولا السعودية مجتمعات حرة يمكن فيها للناس العاديين الخروج عن سياسة الحكومة دون عواقب، ومع ذلك، من الصعب أن نتوقع أن ترحب حشود من العرب بالسفير الإسرائيلي القادم.
عقود من العداء الرسمي والمرارة العامة من الطريقة المهينة التي يُعامل بها العرب في الأراضي الإسرائيلية، لن تتلاشى بسبب تغريدة من الرئيس الأمريكي ومصافحة بين الأمير ورئيس الوزراء الإسرائيلي.
العلاقات العربية الإسرائيلية أخذت مساراً مختلفاً منذ نهاية الانتفاضة الثانية تقريبًا، في عام 2005، فالمحادثات مع العرب حول إسرائيل كانت ذات يوم تتسم بالنقد اللاذع. وعلى الرغم من أنني لم أقابل قط سعوديًا أو إماراتيًا اعترف – حتى في السر – برغبته في زيارة إسرائيل وتكوين صداقات مع الإسرائيليين، لم يظهر الكثيرون أن لديهم الرغبة في رمي حجر في وجه جندي إسرائيلي أيضًا، ربما كانت هذه هي بوادر السلام.
للاطلاع على النص الأصلي من المصدر اضغط هنا
اقرأ أيضًا: علم الإمارات يزين بلدية تل أبيب ضمن احتفاء إسرائيلي واسع باتفاق العار
اضف تعليقا