في صيف 2015، قلب محمد بن سلمان- وزير الدفاع السعودي آنذاك والرجل الثالث في ترتيب “العرش”- السياسة الخارجية لبلاده رأساً على عقب وأعطى الضوء الأخضر السري لتدخل روسيا في سوريا، وفقاً لدعوى قضائية رفعها سعد الجبري- مسؤول الاستخبارات السعودي السابق.
في دعواه المرفوعة أمام محكمة اتحادية في واشنطن، يزعم سعد الجبري أن التحول المفاجئ في المسار من قبل الرجل الذي أصبح الآن ولي العهد السعودي أثار قلق مدير وكالة المخابرات المركزية الأمريكية آنذاك، جون برينان، الذي التقى الجبري في يوليو/تموز وأغسطس/آب من عام 2015 ليبلغه استياء إدارة ترامب من هذه الخطوات.
وزعمت الدعوى المرفوعة الأسبوع الماضي في محكمة مقاطعة كولومبيا أن “برينان أعرب عن قلقه من أن المتهم بن سلمان كان يشجع التدخل الروسي في سوريا، في وقت لم تكن فيه روسيا بعد طرفًا في الحرب في سوريا”، وأوضحت الدعوى أن “الدكتور سعد نقل رسالة برينان إلى المتهم بن سلمان الذي رد بغضب”.
وقال الجبري في دعواه إن الاجتماعات مع برينان كلفته وظيفته باعتباره ثاني أقوى رجل في المخابرات السعودية ومن كبار المسؤولين عن علاقة بلاده مع وكالة المخابرات المركزية، وبناء عليه اضطر للفرار من السعودية ليعيش الآن مختبئاً في كندا، حيث يزعم أن ولي العهد حاول قتله على يد فرقة موت سعودية، بعد وقت قصير من مقتل المعارض والصحفي السعودي جمال خاشقجي.
قدم الجبري اتهامه بن سلمان بمحاولة قتله خارج نطاق القضاء باعتباره “انتهاكًا صارخًا لقانون الولايات المتحدة والأعراف والمعايير الدولية” بموجب قانون حماية ضحايا التعذيب وقانون دعاوى الضرر للأجانب.
ولم تعلق الحكومة السعودية ولا السفارة السعودية في واشنطن على هذه المزاعم، كما لم يقدم الجبري أدلة على مزاعمه ولم تتمكن صحيفة الغارديان من التحقق منها بشكل مستقل.
في مارس / آذار، ألقي القبض على نجلي الجبري، سارة (20 عاماً)، وعمر (21 عاماً)، وانقطعت أخبارهما منذ ذلك الحين، حيث يقول الجبري إنهم محتجزون كرهائن لإجباره على العودة إلى الوطن، بسبب معرفته بأدق تفاصيل رحلة صعود الأمير محمد إلى السلطة.
من جانبه، لم يعلق الديوان الملكي على مكان وجود أبناء الجبري.
وبحسب الدعوى فإن بن سلمان قام بحث روسيا “سراً” على التدخل في سوريا في محاولة لإنقاذ بشار الذي كان على وشك السقوط وقتها، وهو ما وصفه خبراء ومحللون بأنه “ادعاء خطير”، خاصة وأن النظام الملكي السعودي كان يدعم ظاهرياً المتمردين المناهضين للأسد، وبعد التدخل الروسي، أدى القصف الروسي للمدن التي يسيطر عليها المتمردون إلى مقتل عشرات الآلاف من المدنيين السوريين.
ويقول دبلوماسيون غربيون إنه بعد فترة وجيزة من تولي الأمير محمد منصب وزير الدفاع، مع صعود والده إلى العرش السعودي عقب وفاة الملك عبد الله في يناير/كانون الثاني 2015، تأثر بشدة بسياسات ولي عهد أبو ظبي الشيخ محمد بن زايد، وهو قائد خليجي آخر، شاب يحمل أفكار لتحولات جذرية في الخارطة السياسية للمنطقة، أبرزها حتى الآن مفاجأته ]بن زايد[ العالم العربي هذا الأسبوع بإبرام اتفاق بوساطة أمريكية لإقامة علاقات دبلوماسية مع إسرائيل.
قال مصدر مطلع على تسلسل الأحداث في عام 2015 إن بن سلمان وبن زايد التقيا في معرض الأسلحة IDEX في أبو ظبي في فبراير/شباط من ذلك العام، وبحسب المصدر فإن هذا اللقاء “كان نقطة تحول في طموح محمد بن سلمان ورؤيته وإيمانه”. يُقال إن بن زايد وقتها أقنع بن سلمان بأن خطر ثورة الإخوان المسلمين في سوريا يعد أسوأ وأخطر من وجهة نظر ممالك الخليج من بقاء الأسد.
كما أقنع الأمير الإماراتي نظيره السعودي الطموح بأن عليه إيجاد أصدقاء خارج واشنطن وتكوين علاقات معهم إذا كان سيطيح بابن عمه محمد بن نايف -ولي العهد آنذاك، ورئيس سعد الجبري الذي يتمتع بعلاقات وثيقة مع برينان وإدارة أوباما.
وقال المصدر: “قال محمد بن زايد إنه يتعين عليك البدء في بناء تحالفات جديدة، وعليك أن تركز على الصين وروسيا”، مضيفاً أن “محمد بن زايد لديه علاقة جيدة مع بوتين”.
قال حسن حسن، مدير برنامج الفاعلين غير الحكوميين في مركز السياسة العالمية بواشنطن: “كنت مطلعا على بعض المحادثات رفيعة المستوى بشأن دعم دول الخليج لدور تقوده روسيا في سوريا بعد اندلاع حرب اليمن في مارس/آذار 2015. في ذلك الوقت، كانت الإمارات العربية المتحدة تضغط من أجل فكرة ضرورة التدخل الروسي لتحقيق الاستقرار في سوريا وتمكين نظام الأسد من استعادة السيطرة على البلاد”.
وأضاف حسن: “عندما قرأت ادعاء الجبري حول مطالبة محمد بن سلمان لروسيا بالتدخل في سوريا، لم أستغرب، بل بدا ذلك منطقياً جداً، بالنظر إلى المحادثات التي اطلعت عليها في عامي 2015 و2017”.
كان أحد آثار هذا الانجراف نحو موسكو هو استنزاف الإرادة السياسية والموارد بسبب جهد استخباراتي مشترك من قبل الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وتركيا والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وأعضاء آخرين في مجلس التعاون الخليجي، لدعم قائمة متفق عليها من الجماعات المتمردة السورية.
المبادرة التي بدأها بن نايف والجبري بمساعدة وكالة المخابرات المركزية، عُرفت باسم غرفة الرياض لأن ممثلين من الأطراف المعنية اجتمعوا في منشأة في الحي الدبلوماسي بالعاصمة السعودية، لمناقشة الفصائل التي يجب دعمها والفصائل الأخرى المرفوضة.
حققت “غرفة الرياض” بعض النجاح في فرض بعض الانضباط والبنية على الدعم الغربي والخليجي للقوات المناوئة للأسد في عام 2014، لكنها تلاشت في ربيع وصيف 2015 مع صعود بن سلمان إلى السلطة.
في يونيو/حزيران من ذلك العام، ذهب بن سلمان إلى سان بطرسبرغ حيث التقى ببوتين، ووقعوا اتفاقيات تعاون في مجالات النفط والفضاء والطاقة النووية، وناقشوا أيضاً، بحسب رواية الجبري، دخول روسيا الحرب السورية.
عندما علمت وكالة المخابرات المركزية الأمريكية بهذه المناقشات، طلب برينان من الجبري عقد اجتماع عاجل في يوليو/تموز في دبلن، للتعبير عن استياء الولايات المتحدة من هذا اللقاء، وفقاً لمصدر مطلع على المحادثات بين الرجلين.
وقال المصدر: “كان [الأمريكيون] غاضبين”، مضيفاً أن الأمر كان كما لو أن الأسد على وشك أن يتلقى ضربة قاضية وأعطاه محمد بن سلمان قبلة الحياة.
رفض برينان، المتقاعد الآن من الخدمة العامة ويكتب مذكراته، التعليق على مزاعم الجبري، كما لم يرد مسؤولون سعوديون على طلبات للتعليق.
بعد بضعة أسابيع من هذا اللقاء، التقى الجبري برينان للمرة الثانية في الولايات المتحدة، وفي نفس الوقت تقريباً أجرى محادثات في لندن مع وزير الخارجية البريطاني، فيليب هاموند، الذي أعرب عن مخاوف مماثلة.
عندما أبلغ الجبري مجلس الأمن القومي السعودي عن تلك المحادثات، اعتبرها الأمير محمد بمثابة تحد مباشر لسلطته، وفقًا لمسؤول المخابرات المنفي، ودبر لإقالته في 10 سبتمبر/أيلول، قبل أقل من ثلاثة أسابيع من بدء روسيا الضربات الجوية في سوريا.
ظل الجابري مستشارًا لبن نايف حتى مايو/أيار 2017، حيث غادر المملكة قبل شهر من خلع راعيه من منصب ولي العهد واستبداله بمحمد بم سلمان.
قال دبلوماسي سابق في المنطقة إن الكشف عن مباحثات ولي العهد السعودي وبوتين وتشجيع الأخير على تدخل روسيا في سوريا في دعوى الجبري في واشنطن تهدف إلى رسالة معينة بالتأكيد.
وقال الدبلوماسي السابق “أفترض أن الغرض من هذه المزاعم الآن هو إخبار محمد بن سلمان بأن سعد لن يتراجع، كأن الجبري يقول له يمكنك إلقاء القبض على ابني وبنتي، ولكن إذا أصررت على ذلك، فلدي معلومات تخصك الكشف عنها سيدمرك تماماً”.
في حين أن مزاعم التواطؤ مع موسكو تضر ولي العهد، يجادل معظم الدبلوماسيين الغربيين بأن روسيا كانت ستدخل الحرب دون تشجيع خفي من الأمراء السعوديين والإماراتيين، مشيرين إلى أن روسيا تلقت تشجيعاً وتحفيزاً أكثر فاعلية من قبل زائراً آخر في يوليو/تموز 2015، وهو قائد الحرس الثوري الإيراني آنذاك، قاسم سليماني.
في موسكو، وفقًا لتقرير لرويترز، عرض سليماني خريطة لسوريا على نظرائه الروس لشرح موقف الأسد المحفوف بالمخاطر وكيف يمكن أن يؤدي تدخل بوتين إلى قلب المشهد.
وقال الدبلوماسي الغربي السابق: “لا أعتقد أن بوتين أعطى اهتماما بشأن ما يريده السعوديون والإماراتيون بشكل أساسي، لكني أعتقد أنه كان سيستمتع برغبتهم في دخول الروس لسوريا، لأن ذلك كان ضربة قوية للولايات المتحدة”.
للاطلاع على النص الأصلي من المصدر اضغط هنا
اضف تعليقا