كشفت مجلة “فانتي فير” الأمريكية تفاصيل تعرض أحد الأمراء السعوديين المقيمين في أوروبا للاختطاف قبل خمسة أعوام بأوامر مباشرة من ولي العهد محمد بن سلمان على خلفية انتقاده للأمير وسياساته، لتنقطع أخبار الأمير المختطف منذ ذلك الحين.

وأوضحت المجلة أن ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، اختطف الأمير سلطان بن تركي الثاني عام 2015، بعد إرساله رسائل ينتقد فيها الملك سلمان وولي عهده، ويتهمهما بالفساد، وذلك عن طريق فريق أمني تابع لولي العهد السعودي بقيادة سعود القحطاني، مستشار محمد بن سلمان، وتم نقله إلى الرياض.

وبينت المجلة أن القصة بدأت حين تلقى الأمير رسالة من والده يدعوه فيها لزيارته في القاهرة، وبالفعل تم إرسال طائرة لأخذه هو وحاشيته، وأن طاقم الطائرة كان يتكون من 19 شخصا وهو ضعف الرقم المعتاد، وجميعهم من الرجال، وهيئتهم غير ملائمة للعمل في الملاحة الجوية، ما أثار الشكوك لدى بعض أفراد الحاشية الذين حذروا الأمير لعدم الصعود لتلك الطائرة، مؤكدين أنها مجرد فخ.

وما زاد من تلك الشكوك أن الطيار المزعوم أبدى اندهاشاً عجيباً بإحدى الساعات -ساعة بريتلينغ للطوارئ التي ارتداها رفيق الأمير-، وهي ساعة متعارف عليها بين الطيارين كونها مدعمة بمنارة لاسلكية لاستدعاء المساعدة حين وقوع حادث.

لكن الأمير سلطان كان متعباً، ويفتقد والده الذي كان ينتظره في القاهرة، بحسب ما جاء في المجلة، التي أضافت أن سلطان ظن أنه يمكن الوثوق بابن عمه محمد بن سلمان، والذي أرسل تلك الطائرة لنقله إلى القاهرة، وأصر على الصعود، ولكن بعد ساعتين تم تغيير مسار الرحلة، وادعى طاقم الطائرة أنه يوجد عطل فني، وما هي إلا ساعات حتى ظهرت في الأفق أبراج الرياض، ووجد الأمير وحاشيته أنفسهم في العاصمة السعودية، ليتضح أن الأوامر جاءت واضحة بألا تهبط هذه الطائرة في القاهرة.

علاقة الأمير سلطان بن تركي الثاني -والده يسمى كذلك لأن له عم آخر اسمه تركي- لم تكن جيدة بالنظام السعودي، بل كانت مضطربة إلى أقصى مدى بسبب آرائه المنتقدة للنظام وسياساته، ما زج به في السجن، حيث تعرض للاعتقال عام 2003 في عهد الملك الراحل فهد، وذلك على خلفية حديثه مع صحفيين أجانب حول آرائه في السياسة السعودية، واتخاذه موقفاً أكثر انفتاحًا من معظم الأمراء.

لم يكن لسلطان دور حكومي، لكنه كان يحب أن يُنظر إليه على أنه شخصية مؤثرة حيث قال في يناير/كانون الثاني 2003، للصحفيين إن على السعودية التوقف عن تقديم المساعدة للبنان، وادعى أن رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري يستخدم الأموال السعودية بشكل فاسد لتمويل أسلوب حياة باهظ.

بعد بضعة أشهر أرسل الأمير سلطان بن تركي بيانًا بالفاكس إلى وكالة أسوشيتيد برس قال فيه إنه بدأ لجنة لاستئصال الفساد بين الأمراء السعوديين وغيرهم من الذين “نهبوا ثروة الأمة على مدى السنوات الـ 25 الماضية”.

وبعد حوالي شهر، أرسل الأمير عبد العزيز بن فهد دعوة إلى الأمير سلطان للقائه في جنيف، وحاول الأمير عبد العزيز إقناع الأمير سلطان بالعودة إلى المملكة، وعندما رفض، انقض الحراس على الأمير، وحقنوه بمهدئ، وجروه إلى طائرة متجهة إلى الرياض، وظل في السجن حتى تولى والد زوجته الراحلة، الملك عبد الله، الحكم في عام 2005، وبدا أكثر تسامحا معه، ثم أصيب الأمير سلطان بن تركي بعد ذلك بعدد من الأمراض، كتلف في الأعصاب نتيجة ذلك المهدئ، كما أصيب بإنفلونزا الخنازير في عام 2014.

بعد اعتقاله في 2003، أمضى الأمير سلطان الـ 11 عاماً التي تلت ذلك ما بين السجون السعودية والمستشفيات الحكومية والخاصة، وبعد شفائه من الأمراض وإجراء عملية ربط معدة لتخفيف وزنه، بدأ الأمير سلطان بن تركي بالقيام برحلاته الترفيهية مرة أخرى في أوروبا مع حاشيته، فسافر من أوسلو إلى برلين إلى جنيف وباريس، ثم إلى جزيرة سردينيا في البحر المتوسط، وهناك أقام في أحد الفنادق مع حاشيته، لكن المدفوعات السعودية له بدأت تنخفض، فقرر مقاضاة بعض أمراء الأسرة المالكة عن اختطافه عام 2003 في أحد المحاكم السويسرية، وهي خطوة حذره منها محاميه في بوسطن ” كلايد برغسترسر”، حيث قال له “لقد اختطفوك مرة من قبل.. لماذا لا يختطفونك مرة أخرى؟”، لكن سلطان كان عنيداً في هذه النقطة، وأصر على رفع الدعوى.

بعد ذلك فؤجئ الأمير سلطان بن تركي أن مدفوعاته من العائلة المالكة توقفت، وأنه صار مديونا بأكثر من مليون دولار للفندق ولا يستطيع مغادرته، حاول التواصل مع ولي العهد لمساعدته وتعويضه عما أصابه في الماضي، لكنه فشل، لذلك قرر الأمير سلطان أن يرسل رسالتين مجهولتين إلى أعمامه في الأسرة المالكة ينتقد خلالهما العاهل السعودي -الملك سلمان- ليبتز بن سلمان ويدفعه إلى إرسال المال له للتوقف عن إثارة المشاكل أو ربما ينجح في إثارة أعمامه ويعزلوا الملك سلمان، وقال لهم إن شقيقهم “الملك سلمان عاجز وما هو إلا دمية في يد ابنه محمد”، وأضاف أن “محمد فاسد وقام بتحويل أكثر من ملياري دولار من الأموال الحكومية إلى حساب خاص… وأن الحل الوحيد هو أن يقوم الإخوة بعزل الملك وعقد اجتماع طارئ لكبار أفراد الأسرة لمناقشة الوضع واتخاذ جميع الإجراءات اللازمة لإنقاذ البلاد”.

كان سلطان ينتظر تداعيات هذه الرسائل، واعتقد أن أعمامه قد يحاولون كبح جماح محمد، أو ربما يعرض محمد المال للتوقف عن إثارة المشاكل، وظن أنه يمكن أن يكون وضعه مثل وضع والده: يمكنه أن يعيش في عزلة ممولة جيدًا عن أبناء عمومته الأقوياء، حيث أن والده أصبح في عزلة بعد أن تزوج من بنت أحد الرجال المتصوفين، في تقليد مناف للعائلة المالكة.

المثير للدهشة، أنه بعد فترة وجيزة من نشر الخطابات، ظهر أكثر من مليوني دولار من الديوان الملكي في حساب سلطان المصرفي، دفع للفندق وجدد خطط سفره، بل وتلقى دعوة من والده لزيارة القاهرة على أمل إصلاح علاقتهما.

وعلى الرغم من أن الرسائل -التي تم ارسالها إلى الغارديان- كانت موقعة من مجهول، إلا أن محمد بن سلمان ومستشاريه الأمنيين لم يجدوا صعوبة في التأكد من أن المرسل هو سلطان بن تركي، لذلك قرر ولي العهد إعادته إلى الرياض وسجنه مرة أخرى، واستعان في تنفيذ هذه المهمة بمستشاره في الديوان الملكي -آنذاك- سعود القحطاني، الذي اتهم في قضية اغتيال الصحفي جمال خاشقجي في القنصلية السعودية في إسطنبول.

وبالفعل تم إرسال طائرة ركاب كبيرة من طراز بوينغ 737 -800، تتسع لـ 189 راكبا، لنقل الأمير إلى القاهرة، لكن الطائرة غيرت مسارها إلى الرياض، ونبه أحد الحراس الأمير سلطان بن تركي قائلاً: “هذه الطائرة لن تهبط في القاهرة”، لكنه شكك في ذلك حتى هبطت فعلا في السعودية.

وقالت المجلة إنه بعد التأكد من غدر طاقم القاهرة، تبادل حراس الأمير إطلاق النار مع الفرقة الأمنية التي أرسلها ولي العهد على متن الطائرة، كما لو كانوا على الأرض، وفي النهاية استسلم الحراس، وتم اقتياد الأمير إلى سرداب تحت الأرض، أما الحاشية فتم التحقيق معهم، حتى الأوروبيين منهم، وتم تهديدهم وإغراء بعضهم بالمال، حتى لا يفشوا معلومات عما حدث.

بعد مرور خمس سنوات تقريبًا من هذه الحادثة، أصبح السياق الكامل لاختطاف الأمير سلطان أكثر وضوحًا في قضية محكمة أخرى ضد أفراد العائلة المالكة، وهي القضية التي رفعها سعد الجبري -مسؤول استخباراتي سعودي سابق- أمام إحدى المحاكم الاتحادية في الولايات المتحدة في أغسطس/آب الجاري، مدعيا أن الأمير حاول قتله على يد فريق ضرب دولي يسمى “فرقة النمر”، كما كشف من خلالها العديد من الأسرار عن تعاملات وقرارات محمد بن سلمان.

للاطلاع على النص الأصلي كاملاً من المصدر اضغط هنا