صعدت السلطات السعودية حملة قمع عنيفة ضد المعارضة، في الداخل والخارج، سواء من عامة الشعب ومن الأمراء ورجال الأعمال، بل ومن رجال النظام السابقين، كمسؤول المخابرات السابق سعد الجبري، الذي قامت باعتقال اثنين من أبنائه قبل خمسة أشهر، بالإضافة إلى ثلاثة آخرين من عائلته، آخرهم تم اعتقاله هذا الأسبوع، وقطعت الاتصالات بينه وبين العائلة، مثله مثل أغلب المعتقلين المعارضين.

وكانت السلطات السعودية قد اعتقلت “صهر” سعد الجبري فيما وصفته العائلة على لسان خالد سعد الجبري في تغريدة له على تويتر بأنها “محاولة سافرة لترويع العائلة”.

ممارسات النظام السعودي القمعية ضد عائلة سعد الجبري في تصاعد مستمر خاصة بعد قيام الأخير برفع دعوى قضائية في واشنطن ضد محمد بن سلمان -ولي العهد السعودي- زاعماً أنه حاول اغتياله عن طريق ارسال فرقة قتل مدربة لقتله بعد أسبوعين من مقتل جمال خاشقجي، الذي قتله عملاء تابعين للسلطات السعودية في إسطنبول عام 2018 وقاموا بتقطيعه.

دأب النظام السعودي على التنكيل بالمعارضين وحرمانهم من أبسط حقوقهم القانونية والإنسانية، فالعديد من المعارضين الآخرين المعتقلين تم حرمانهم من الاتصال الهاتفي بعائلاتهم أو السماح لهم بزياراتهم المنتظمة خلال الأشهر الأخيرة.

قالت شقيقة لجين الهذلول، الناشطة البارزة في مجال حقوق المرأة، إن الأسرة ينتابها القلق الشديد والعديد من المخاوف حول سلامة لجين لأنهم لم يتواصلوا معها منذ 9 يونيو/حزيران لسبب غير معلوم حيث ترفض السلطات الإفصاح عن أخبارها.

وفي حوارها مع دويتش فيله، قالت لينا الهذلول شقيقة لجين “لا نفهم السبب وراء قيام السلطات بقطع الاتصالات إذا لم يكن لديها ما تخفيه”، مضيفة “في المرة الأولى التي احتُجزت فيها لجين بمعزل عن العالم الخارجي، تعرضت للتعذيب، لذا لا يمكنني تبرير اختفائها الحالي بأي شيء آخر”.

في ذات السياق، تم حرمان عائلتي الأميرة بسمة بنت سعود وولي العهد السابق الأمير محمد بن نايف من التواصل معهما، بحسب مصدر مقرب من الأسر، حيث قطعت اتصالات الأميرة بسمة في أبريل/ نيسان بعد أن ناشدت علنا ​​ولي العهد محمد بن سلمان لإطلاق سراحها.

سلمان العودة، رجل دين إصلاحي اعتُقل في 2017 ويواجه عقوبة الإعدام، لم تسمع عائلته أي أخبار عنه أيضاً منذ مايو/أيار، بحسب تقرير حديث لوكالة بلومبرغ.

هل يتحمل التكلفة؟

تأتي الحملة القمعية التي يشنها النظام ضد معارضي الداخل والخارج في لحظة حساسة بالنسبة لعلاقات السعودية مع الحلفاء الدوليين، حيث ينقسم الخبراء حول ما إذا كان محمد بن سلمان قادرًا على تحمل مثل هذا التصعيد.

قد يؤدي إسكات المعارضين بشكل متزايد إلى الإضرار بعلاقات البلاد مع الولايات المتحدة التي تقف على أبواب انتخابات رئاسية جديدة قد لا يفوز فيها ترامب، خاصة وأن مرشح الحزب الديمقراطي جو بايدن قد وصف السعودية العام الماضي بأنها “منبوذة” وهدد بوقف مبيعات الأسلحة للمملكة، لهذا قد يؤدي تصعيد الحملات القمعية إلى تقوية موقفه ]بايدن[، الأمر الذي قد يحدث فرقًا إذا فاز في الانتخابات الرئاسية الأمريكية في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل.

في غضون ذلك، ضغط أربعة من أعضاء مجلس الشيوخ الأمريكي على الرئيس دونالد ترامب للمساعدة في تأمين الإفراج عن أفراد عائلة الجبري المحتجزين لدى النظام، حيث يُعد الجبري أحد أهم الرجال السعوديين الذين تربطهم علاقات جيدة بالمخابرات الأمريكية، كما انخرطت جماعات الضغط للضغط من أجل إطلاق سراح الأمير سلمان بن عبد العزيز بن سلمان آل سعود في مايو/أيار.

بئر النوايا الحسنة “نفد”

في أوروبا، يمنح قرار ألمانيا بشأن ما إذا كانت ستمدد الحظر على مبيعات الأسلحة للسعودية قبل أن ينتهي في ديسمبر/ كانون الأول المقبل، بعض النفوذ في الضغط من أجل اتخاذ إجراءات بشأن جرائم السعودية ضد حقوق الإنسان.

علقت ألمانيا تلك المبيعات في أعقاب مقتل الصحفي المعارض جمال خاشقجي عام 2018، وهي جريمة نُسبت إلى محمد بن سلمان، إلى جانب سجن النشطاء، وجميعها جرائم شوهت سمعته كمصلح وأدت إلى فتور العلاقات مع المستثمرين العالميين.

حملات الضغط العالمية على الرياض مستمرة من كافة الجوانب، وما يزيد من حساسيتها هو اقتراب موعد قمة مجموعة العشرين التي من المقرر أن تستضيفها الرياض في نوفمبر/تشرين الثاني، فهل سيستطيع ولي العهد تحسين سمعته في غضون هذه الفترة؟ خاصة وأن البرلمان الأوروبي سيجتمع بعد العطلة الصيفية، وسيدعو الأعضاء إلى الاستجابة للطلبات التي طال أمدها للإفراج عن الأميرة بسمة بنت سعود والأمير سلمان بن عبد العزيز.

قالت إيفا كايلي، عضوة البرلمان الأوروبي وعضو مجلس النواب الأوروبي، الذي يعمل على تنمية علاقات البرلمان مع دول شبه الجزيرة العربية: “إذا كانوا يعاملون أفراد العائلة المالكة على هذا النحو، بدون عدالة ولا قانون.. تخيلوا ما يحدث مع الآخرين”.

وأضافت كايلي “الأمور مضطربة في السعودية، مجرد قيام أي سعودي التحدث إلى مسؤولين دوليين كأعضاء البرلمان الأوروبي قد يؤدي إلى تهمة الخيانة أو يكون سببا للاعتقال في السعودية”.

من جانبه أكد نيل كويليام، زميل معهد تشاتام هاوس في المملكة المتحدة، أن “محمد بن سلمان لا يستطيع تحمل تكلفة هذا التصعيد” ضد نشطاء حقوق الإنسان، وأضاف “لطالما افترض الكثيرون حسن النية في تصرفات الأمير الشاب بسبب طموحاته الكبرى.. إلا أنها ذريعة نفدت الآن”.

وقال: “إذا توقفت الانتهاكات الحقوقية وتم إطلاق سراح السجناء، فستتلاشى الجرائم الماضية ومن المرجح أن ينتعش الاستثمار السياسي والمالي، لكن طالما استمر الوضع أو حتى تصاعد، فإن ضرائب هذه الجرائم سترتفع”.

المصالح الاقتصادية أهم من حقوق الإنسان!

من ناحية أخرى، يشير الخبراء إلى ارتفاع معدلات صادرات الأسلحة إلى المملكة العربية السعودية في العقد الماضي كعلامة على أن التعاون الدولي في مجال الأمن الإقليمي يتفوق على قضايا حقوق الإنسان التي يعتبرونها “حوادث فردية”.

أفاد مراقب الأسلحة الدولي SIPRI أن واردات الأسلحة السعودية – بشكل رئيسي من الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وفرنسا – ارتفعت إلى أكثر من 3.5 مليار دولار (2.9 مليار يورو) في عام 2019، مقارنة بمليار دولار في عام 2010. استأنفت المملكة المتحدة الصادرات إلى السعوديين في يوليو/تموز على الرغم من صدور عقوبات ضد 20 شخصًا سعودياً متهمًا بالتورط في مقتل خاشقجي.

على الرغم من ذلك قالت كريستينا كوش، زميلة في صندوق مارشال الألماني للولايات المتحدة: “ومع ذلك فإن إسكات المعارضين ما زال له ضريبة ستضاف إلى فاتورة النظام”.

للاطلاع على النص الأصلي من المصدر اضغط هنا

اقرأ أيضًا:  وول ستريت جورنال: ما لا تعرفونه عن رحلة صعود محمد بن سلمان