في هذه السلسلة من المقالات تقوم “العدسة” بتسليط الضوء على أبرز محطات حياة محمد بن سلمان التي تناولها كتاب “الدم والنفط” للكاتبين “برادلي هوب” و “جوستين شيك” والذي يسرد انتهاكات بن سلمان وجرائمه ضد الإنسانية، كما يتناول الجانب الشخصي من حياته وكيف ساهمت تنشئته كابن مدلل لوالده “المسن” في رسم شخصيته الحالية.

المحطة الأولى: الدب الداشر

الدب الداشر، أبو رصاصة، أبو منشار، إسكندر… جميعها ألقاب حصل عليها محمد بن سلمان في مراحل عمرية مختلفة من حياته، وذلك لهيئته الخارجية، وسلوكه غير المتزن، وصفاته الشخصية التي لا تؤهله لتولي مناصب قيادية في البلاد كونه متهور، صاحب قرارات متسرعة، يتمسك برأيه دون تراجع حتى لو تبين له أنه في غير محله، بالإضافة إلى رغبته الدائمة في اثبات قوته وتعزيزها مهما كلف الأمر، حتى لو بانتهاك القانون أو على حساب أراوح البشر.

كان بن سلمان طفلاً مدللاً -بصورة سلبية-، لوالد يكبره بحوالي خمسون عاماً، ولعل هذا ما يفسر تساهل والده معه على عكس اخوته الأكبر سناً -غير الأشقاء- والذين تعامل معهم -سلمان- بحزم منقطع النظير، وركز على أن يكتسبوا خبرات مهنية وتعليمية في الداخل والخارج، ولم يتهاون مع أي منهم كما كان يفعل مع “محمد” حيث كان طفلاً لا يشغله سوى ألعاب الفيديو، ولا يأكل إلا الوجبات السريعة، ولا يهتم بتعليمه كثيراً.

ظهرت مكانته المتميزة عند والده في وقت مبكر، حيث يسرد الكتاب قصة له حين كان في الخامسة من عمره، وكان حاضراً مع والده في إحدى المجالس التي لم يحترم هيبتها، وبدأ في الركض ونزع “أغطية رأس الرجال – الغترة والعقال[. لم يثر الأمر سخط والده، بل على العكس، ضحك وطلب من الحراس حمله إلى مكان آخر، ليؤكد هذا الموقف أن محمد ليس ابناً عادياً للأمير العصبي.

اضطراب سلوك بن سلمان بدأ في سن صغيرة، وكذلك هوسه بالسيطرة واستغلال النفوذ، في إحدى أيام فترة مراهقته، قام “محمد” الصغير بالتوجه إلى سوبر ماركت محلي، مرتدياً زياً عسكرياً ويقوم بالتحكم في المتواجدين هناك، أرادت الشرطة احتجازه آنذاك، لكن الأمير الشاب أكد لهم أنهم لن يستطيعوا فعل ذلك.

مع مرور الأيام، تطور الأمر من مجرد زي عسكري “مزيف” يخدم استعراض مراهق، إلى تهديدات صريحة بالقتل أو أي نوع آخر من التنكيل، في حال عارض أحدهم رغباته، في إحدى القصص التي يتم سردها كثيراً، ولكن بروايات مختلفة، قام بن سلمان بإرسال أرسل رصاصة إلى مسؤول رفض منحه سند ملكية قطعة أرض طلبها ليكتسب لقب “أبو الرصاصة”، فضلاً عن لقب الدب الداشر، الذي أطلقه عليه أعدائه بسبب مزاجه المتقلب ولحيته “غير المهذبة”.

توحش بن سلمان تضاعف عند تولي والده -سلمان- وزارة الدفاع، حيث عينه والده مستشاراً للجيش، فلم يتعامل محمد بالاحترام المطلوب مع كبار الضباط والمسؤولين في الجيش، كما بدأ في توبيخ ابن عمه الذي يكبره بنحو ثلاثين عاماً، وهو أمير يدعى خالد بن بندر الذي عمل جنرالًا لسنوات، وعليه رفض الأمير الكبير ]خالد بن بندر[ تلقي الأوامر من محمد،

كما قام أربعة من كبار الضباط العسكريين، جميعهم أمراء، أحدهم نجل الملك -آنذاك- عبد الله، بتقديم استقالتهم بسبب محمد، ما دفع الملك عبد الله باستدعائه إلى بيت عطلاته في طنجة، وتوكيل مهمة “ضبط سلوكه” إلى رئيس الديوان الملكي -آنذاك- خالد التويجري، وهو الأمر الذي جعل محمد يستشيط غضباً، فهو لا يعتبر التويجري إلا كخادم له ولعائلته. عاد محمد إلى الرياض وأخبر والده بالحادث، لتثور ثورة والده أيضاً، واتصل بالملك عبد الله وأخبره أن محمد يتصرف نيابة عنه، مهدداً بالاستقالة إن لم كان هذا الأمر “لا يعجب الملك”، تراجع عبد الله عن معاقبة محمد وعاد بن سلمان. إلى منصبه في الوزارة.

مع تولي “سلمان” العرش، زادت رغبة محمد في الحكم، وأصبحت طموحاته ذات أولوية كبرى، أكثر من أي شيء آخر، وسعى بكل أدواته لتعزيز قوته وإحكام قبضته على السلطة.

أصبح اللعب “على المكشوف”، وبدأ بن سلمان في تصفية حساباته القديمة، وأول من قام بالانتقام منه، كان خالد التويجري، الذي تم خلعه من منصبه، بعد تلقيه صفعة على الوجه من الملك الجديد حين أخفى عنهم خبر وفاته.

بهذه الصفعة أعلن الملك الجديد وابنه الصغير عن بداية عهد جديد لا مثيل له لأن المملكة كانت عبارة عن خليط من الإقطاعيات تداهم بعضها البعض من أجل الإبل والطعام والذهب، حيث كسر “الملك سلمان” كافة القواعد، وتحدى التقاليد، وقام بترقية ابنه “المدلل” في المناصب المختلفة.

في غضون ستة أيام من تولي سلمان العرش، تم تعيين محمد رئيساً لكياناً جديداً يسمى مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية، وهي واحدة من لجنتين ستشرفان على كل شيء تقريباً في البلاد، كما أصبح لديه تفويض مطلق لتغيير الخطط المالية والتنموية للبلاد، على الرغم من أنه أحاط نفسه بمجموعة من المستشارين “قليلي الخبرة”، ثم أصبح نائبا لولي العهد وقائدا للقوات المسلحة، وبحلول أبريل/نيسان من ذلك العام تولى إدارة شركة أرامكو السعودية.

تسببت هذه الخطوات في ارتعاش أبناء عمومتهم الذين رأوا المملكة العربية السعودية تدخل حقبة جديدة تتمحور حول سلمان والتي يمكن أن تستمر لعقود إذا كان محمد سيتبع خطى والده، وهو واقع “غير مرحب” به لدى هذا الكم الهائل من الأعداء في الداخل.

محمد بن سلمان بالنسبة لأبناء عمومته شاب صغير متهور، تتميز قراراته بالرعونة، وهو ما ظهر بصورة جلية بعد قراره بغزو اليمن ومحاربة الحوثيين، رغم خبرة المملكة “القليلة” في المجال العسكري، وهو القرار الذي تسبب في أكبر كارثة إنسانية في العالم، بالإضافة إلى حملاته القمعية ضد المعارضين والنشطاء في الداخل والخارج، والتنكيل بهم وبعائلاتهم، فضلاً عن القرارات “غير الحكيمة” فيما يتعلق بالاقتصاد، والتي أدخلت المملكة في أزمة مالية ضخمة لم تشهدها منذ عقود.

يتبع..

اقرأ أيضًا: النفط والدم .. كتاب جديد يكشف خطايا بن سلمان التي أنفق الملايين لإخفاء بعضها