في هذه السلسلة من المقالات تقوم “العدسة” بتسليط الضوء على أبرز محطات حياة محمد بن سلمان التي تناولها كتاب “الدم والنفط” للكاتبين “برادلي هوب” و “جوستين شيك” والذي يسرد انتهاكات بن سلمان وجرائمه ضد الإنسانية، كما يتناول الجانب الشخصي من حياته وكيف ساهمت تنشئته كابن مدلل لوالده “المسن” في رسم شخصيته الحالية.
المحطة الثالثة: من أين لك هذا يا بن سلمان؟
بعد فترة وجيزة من توليه السلطة، استخدم بن سلمان سلاح “محاربة الفساد” للقضاء على منافسيه أو منتقدي سياساته، لم تكن دائماً مزاعمه حقيقية، لكنها فعل الكثير لتبدو كذلك، ليتمكن بصورة أو بأخرى من التخلص من أي عقبة قد تقف أمام طموحاته “الشخصية”.
على الرغم من هذا، تورط بن سلمان نفسه في ممارسات “فساد” بسبب سلوكياته “المثيرة للجدل” في التعامل مع أموال الدولة التي أنفقها ولا يزال ينفقها ببذخ منقطع النظير، أثار العديد من الانتقادات الدولية والمحلية، ولكن دون رقيب، فبينما ادعى بن سلمان أنه اتخذ إجراءات صارمة ضد الفساد سيئ السمعة للنخبة الحاكمة في بلاده، واستعاد المليارات من رجال الأعمال والمسؤولين الذين احتجزهم في فندق فخم بالرياض، يتساءل البعض كيف استطاعت ثروته أن تتحمل نفقاته التي ينفقها ببذخ “إن لم يكن حصل عليها من خلال الكسب غير المشروع”.
بعد تنصيب والده ملكاً للسعودية، سافر بن سلمان إلى جزر المالديف، مع حاشيته وأصدقائه للاحتفال معهم، وقام باستئجار جزيرة “فيلا” الصغيرة لمدة شهر مقابل 50 مليون دولار (38 مليون جنيه إسترليني)، مع اتخاذ كافة الاحتياطات اللازمة لضمان الخصوصية في رحلة صيف عام 2015. كان لدى بن سلمان كل الأسباب للتأكد من أن ما يحدث في فيلا سيبقى في فيلا وحدها.
مُنع موظفو الفندق البالغ عددهم 300 موظف من امتلاك هواتف محمولة، وفي المقابل، حصل كل منهم على مكافأة قدرها 5000 دولار (3800 جنيه إسترليني) – بالنسبة للكثيرين منهم، ما يقرب من نصف راتبهم السنوي.
البذخ الشديد الذي سيطر على بن سلمان في تلك الرحلة لم يكن مفاجئاً بالنسبة لمرافقيه، سواء سعوديين أو أجانب، فهذه سمة يُشتهر بها أفراد العائلة المالكة السعودية، الذين يجوبون العالم ويتجولون في أرقى مناطقه بسياراتهم “لامبورغيني” مع اقتناء أثمن المشتريات.
سافر بن سلمان مع بعض أفضل منسقي الأغاني ومغني الراب في العالم للترفيه عنهم كل ليلة في ديسكو الشاطئ – الذي كان به آلة الجليد الخاصة به حتى يتمكن الراقصون من الدوران في عاصفة ثلجية صناعية إذا رغبوا في ذلك – بالإضافة إلى تواجد مجموعة من النساء الجميلات.
قام بن سلمان بالعديد من التصرفات “الجنونية” وغير المسؤولة في تلك الرحلة، في أحد الأمسيات تسلق بحماس على خشبة المسرح أثناء عزف دي جي أفروجاك الهولندي، وأصر على تولي الموسيقى.
كانت الحفلات تستمر حتى الفجر ثم يذهب الرجال – جميعهم أصدقاء أو أقارب الأمير – للنوم في فيلاتهم ولا يستيقظون إلا في وقت متأخر من نهار اليوم التالي.
كان من المقرر أن تستمر تلك الأمسيات لمدة شهر، لكن ولسوء حظ الأمير ورفاقه، قاموا بإلغاء البرنامج وغادروا المكان حيث تسربت أخبار عنها بعد أسبوع من بدء الرحلة، خاصة وأن العديد من السعوديين غضبوا غضباً شديداً بعد سماع تلك الأخبار، ففي الوقت الذي تقاتل فيه قواتهم في اليمن بعد قرار “متسرع” اتخذه بن سلمان “عديم الخبرة” في الشؤون العسكرية، كان هو نفسه يستمتع بأوقاته في أغلى وأرقى الوجهات السياحية في العالم.
كتاب الدم والنفط أفرد أبواباً بأكملها لسرد رحلات بذخ بن سلمان وجشعه، وفقاً لما ذكره برادلي هوب وجوستين شيك، مؤلفا الكتاب، فإن المخطط الميكافيلي الذي يتبعه بن سلمان يجمع – ربما ليس مثل أي زعيم معاصر آخر – بين القسوة الماكرة والجشع المذهل والبذخ.
اللافت للنظر أنه في الوقت الذي سافر فيه بن سلمان للمالديف وأنفق الملايين للترويح عن نفسه وعن أصدقائه، كان يدعو إلى اتباع سياسة التقشف المالي في بلاده.
بعد حفلة المالديف، اشترى بن سلمان يختاً فخماً بطول 439 قدمًا يسمى Serene والذي كان مؤسس شركة “ميكروسوفت” بيل جيتس قد استأجره مسبقًا مقابل 5 ملايين دولار (3.8 مليون جنيه إسترليني) أسبوعياً.
اليخت الفخم كان يضم خدمات عالية المستوى، غرفة اجتماعات وغرفة عرض تحت الماء، جاكوزي عملاق ومنصتي هليكوبتر.
استغرق الأمر من بن سلمان نصف يوم -مدة تفقده اليخت- قبل أن يقرر أنه يجب أن يحصل عليها – لدرجة أنه دفع لمالكها- قطب الفودكا الروسي- 429 مليون يورو (383 مليون جنيه إسترليني)، أي ضعف سعرها الأصلي.
لم يكتف بن سلمان بالخدمات الموجودة على اليخت- الذي يستخدمه لاستضافة زعماء العالم بالإضافة إلى أصدقائه الأقل شهرة- بل قام بتركيب أحدث معدات الوسائط المتعددة التي تسمح له -بلمسة زر- أن يحوله من مكان للقمة السياسية إلى قصر للاحتفالات.
اليخت يضم “حظيرة” طائرات هليكوبتر سابقة على متنها تضم ملهى ليليًا مع أعمدة للراقصين، وبحسب المؤلفين: “لا يُسمح لطاقم السفينة بالذهاب إلى هناك تحت أي ظرف”.
بطبيعة الحال، كان محمد بن سلمان بحاجة إلى قاعدة أرضية مثيرة للإعجاب بنفس قدر “سيرين”، وفي العام نفسه، اشترى قصراً فرنسياً ]شاتو لويس الرابع عشر[ لا يقل فخامة مقابل أكثر من 300 مليون دولار (230 مليون جنيه إسترليني)، وحصل بذلك على لقب “أغلى منزل في العالم” وفقاً لمجلة فوربس.
يضم القصر -الذي يعود تاريخه إلى القرن التاسع عشر- نافورة من ورق الذهب وتماثيل وخندقاً رخامياً لا نهاية لهما في حديقة بمساحة 57 فدانًا ذات مناظر طبيعية، كما يحتوي على خندق مائي يتميز بغرفة تحت الماء بها أسماك كوي وسمك الحفش التي تسبح فوقها، في حين يمكن التحكم في النوافير – جنبًا إلى جنب مع أضواء القصر ونظام الصوت وتكييف الهواء – عن بُعد باستخدام جهاز “آيفون”.
اشترى بن سلمان أيضًا عقارًا مساحته 620 فدانًا يعرف باسم Le Rouvray على بعد ساعة بالسيارة من باريس، وتقدم لاحقاً بطلب للحصول على إذن لبناء مجمع للصيد في المنطقة.
الجدير بالذكر، أن بن سلمان حاول إخفاء علاقته بتلك العقارات الفرنسية عن طريق استخدام سلسلة من الشركات الوهمية التي أنابت عنه في إبرام تلك الصفقات.
وبعد أن صدم زملائه السعوديين بإعلانه، في عام 2016، بيع جزء من أرامكو، شركة النفط الحكومية في البلاد والدعامات الأساسية لثروتها، استثمر عدة ملايين في عمليات شراء “شخصية”.
في عام 2017، تبين أن الأمير أضاف دمية أخرى باهظة الثمن إلى مجموعته، حيث اشترى لوحة بقيمة 450 مليون دولار (340 مليون جنيه إسترليني) للفنان ليوناردو دافنشي، وقد حققت تلك اللوحة أعلى سعر لأي عمل فني يباع في مزاد.
عام 2017 كان علامة فارقة أخرى في حياة بن سلمان “المالية”، فهو الذي أشرف على مراسم الاستقبال الضخمة التي استقبل بها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في أول زيارة خارجية له، وهي المراسم التي كلفت السعودية المليارات، بصورة لم تحدث من قبل، وبعدها تم الإعلان عن سلسلة من الصفقات التجارية الضخمة، كانت السعودية هي الطرف “المنفق” فيها، فضلاً عن صفقات السلاح، حيث وعد بن سلمان باستيراد أسلحة من الولايات المتحدة بقيمة 110 مليارات دولار (83 مليون جنيه إسترليني).
إضافة إلى ما سبق، أعلن بن سلمان عن العديد من المشاريع ضمن رؤيته “2030”، وبالأخص، مشروعه المفضل، مدينة الأحلام الضخمة “نيوم”، والتي يبلغ تكلفتها حوالي 500 مليار دولار (388 مليار جنيه إسترليني)، وهو مبلغ ضخم، يرى الكثيرون أن هناك مجالات إنفاق أخرى محلية الشعب أولى بها، لا سيما في ظل الظروف الاقتصادية الحالية.
من المؤكد أن الكشف عن إنفاقه الخاص الفاحش قد أضر بصورته التي كان يسعى لتلميعها، حيث حاول أن يظهر نفسه أنه مختلف بصورة جوهرية عن الأمراء الخليجيين الأخرين، وأنه مصلح اجتماعي لا يفكر إلى في التصدي للفساد مع تطوير المجتمع وتنويع الاقتصاد السعودي، في نهاية المطاف لا يمكن القول إلا إن بن سلمان شخصاً مبذراً بدرجة امتياز.
اضف تعليقا