يوما بعد الآخر، تتكشف خبايا وأبعاد اتفاقيات العار التطبيعية التي وقعتها كلاً من الإمارات والبحرين مؤخراً برعاية أمريكية ، فبعد أيام قليلة من توقيعها في واشنطن، لم تخف أمريكا رغبتها في إعادة القيادي المفصول من حركة “فتح” الفلسطينية ومستشار ولي عهد أبوظبي، محمد دحلان، إلى الواجهة السياسية الفلسطينية واستبداله برئيس السلطة الحالي محمود عباس.

ويعد دحلان من أبرز الوجوه المقربة من محمد بن زايد، ما دعا السلطة الفلسطينية لاعتباره المهندس الحقيقي الذي يقف خلف اتفاقيات التطبيع، وهو الأمر الذي ظهر في تأييد تياره في حركة “فتح” للاتفاق التطبيعي الذي لاقى إدانات فلسطينية وعربية واسعة.

رغبة أمريكية

وكان السفير الأمريكي لدي “إسرائيل”، ديفيد فريدمان، قال إن بلاده تدرس إمكانية إزاحة رئيس السلطة محمود عباس وتعيين دحلان، رئيساً للسلطة الفلسطينية بدلا منه.

وأوضح فريدمان في حوار نشرته صحيفة “يسرائيل هايوم”، أن الولايات المتحدة تفكر في وضع دحلان بدلاً من عباس، واستدرك بالقول: “لكن ليست لدينا رغبة في هندسة القيادة الفلسطينية”.

وأشارت الصحيفة إلى أن هناك تقديرات بأن الولايات المتحدة الأمريكية يمكن أن تدعم دحلان لإزاحة القيادة الفلسطينية الموجودة في رام الله، وهاجم فريدمان القيادة الفلسطينية مستخدماً التعبير التوراتي “يهودا والسامرة”، في إشارة إلى الضفة الغربية، قائلاً: “قيادة الشعب الفلسطيني لا تخدمه كما ينبغي”.

وبعد التداول السريع لتصريح فريدمان سارعت الصحيفة الإسرائيلية إلى تعديل ما نسبته للسفير الأمريكي، موضحة أن “واشنطن لا تفكر في تغيير عباس بدحلان”.

وكان مستشار الأمن القومي الأمريكي، روبرت أوبراين، قد دعا إلى إيجاد قيادة فلسطينية من “الجيل الجديد”، وقال في تصريح لبرنامج “ذا هاغ هويت راديو شو” الإذاعي الأمريكي، إن المشكلة تكمن في بعض القيادات القديمة المتحصنة بمنظمة التحرير الفلسطينية..

وسبق التصريح الأمريكي، ما كشفته صحيفة “يديعوت أحرونوت” الإسرائيلية، بوجود وجه آخر للاتفاق الإماراتي الإسرائيلي الأمريكي لم يُذكَر بعد إعلان التطبيع الكامل؛ وهو إيصال دحلان إلى كرسي الحكم.

الصحيفة أكدت أن الخطة الكبرى للرئيس الأمريكي دونالد ترامب، ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وولي عهد أبوظبي محمد بن زايد، وولي العهد السعودي محمد بن سلمان، ورئيس النظام المصري عبد الفتاح السيسي، هي إعداد “فخ” للرئيس الفلسطيني محمود عباس و خلفائه المحتملين، وهو ما يعني تقديم دحلان رئيساً للسلطة الفلسطينية.

وتعود رغبة هؤلاء في تصدير دحلان رئيساً، وفق الصحيفة الإسرائيلية، إلى أن المحيط الأقرب من ترامب قد مل عباس، إضافة إلى أن نتنياهو لا يصدقه في أي كلمة، مع معرفة بن زايد للمنطقة بشكل جيد، وأردفت الصحيفة الإسرائيلية: “هم سيسمحون لعباس وكبار السلطة بأن يتفجروا غضباً، وعندما يغادر سيتجندون لتنصيب الزعيم الجديد على الكرسي”.

 مخطط إماراتي

ولا يغيب الدور الإماراتي في دعم دحلان وإعادته للواجهة مرة أخري عن المشهد، حيث أكد رئيس المكتب الإعلامي في مفوضية التعبئة والتنظيم لحركة “فتح” الفلسطينية، منير الجاغوب، أن حركته لا تستبعد وجود دور لدولة الإمارات في المخطط الأمريكي لإزاحة الرئيس محمود عباس وتعيين السياسي المفصول من الحركة محمد دحلان رئيساً للسلطة الفلسطينية.

وقال الجاغوب في تصريحات صحفية: “يجب على الإمارات أن تتوقف عن العبث بالقضية الفلسطينية بعد تطبيعها مع دولة الاحتلال الإسرائيلية برعاية أمريكية”، موضحا أن “السلطة الفلسطينية منذ تأسيسها لها نظام انتخابي رئاسي، ويوجد أسس للترشح، لذا فلا يوجد أي وصاية للولايات المتحدة على الشعب الفلسطيني أو قيادته”.

وشدد الجاغوب على أن “الدولة الفلسطينية ليست جزءاً من النظام الأمريكي، لذا لا يحق له التحدث باسم الشعب الفلسطيني أو أن يطالب بتغيير قيادته”، مشيرا إلى أن “الإدارة الأمريكية لم تتوقف عن مهاجمة الموقف الفلسطيني الواضح، والفصائل الوطنية منذ 3 أعوام”.

من جهته علق القيادي المفصول من حركة فتح الفلسطينية “محمد دحلان”،  على تصريحات السفير الأمريكي، حول سعي واشنطن لتنصيبه بدلاً من الرئيس الفلسطيني “محمود عباس”، قائلا إن “من لا ينتخبه شعبه لا يستطيع القيادة”.

وقال “دحلان” على صفحته بـ”فيسبوك”: “من لا ينتخبه شعبه لن يستطيع القيادة وتحقيق الاستقلال الوطني”، وتابع: “أنا محمد دحلان كلي إيمان بأن فلسطين بحاجة ماسة إلى تجديد شرعية القيادات والمؤسسات الفلسطينية كافة وذلك لن يتحقق إلا عبر انتخابات وطنية شاملة وشفافة ولم يولد بعد من يستطيع فرض إرادته علينا”.

وأضاف: “إذا كان ما نسب للسفير الأمريكي لدى دولة الاحتلال صحيحا، فذلك لا يزيد عن كونه تكتيكا مخادعا هدفه إرهاب البعض وزعزعة الجبهة الداخلية، وأتمنى من الجميع ألا نقع في شرك مثل هذه التكتيكات المهندسة بدقة”.

وأكمل: “ولنعمل معا لاستعادة وحدتنا الوطنية والاتفاق على ثوابتنا الوطنية ووسائل تحقيقها، فلا شيء يستحق الصراع حوله داخليا، وكل القدرات والطاقات ينبغي أن تكرس وجوبا لتحرير وطننا وشعبنا العظيم”.

إدانة فلسطينية

وفي سياق متصل، أعلنت السلطة الفلسطينية رفضها لتصريح السفير الأمريكي “ديفيد فريدمان”، وحمل المتحدث الرسمي باسم الرئاسة الفلسطينية، “نبيل أبو ردينة”، الولايات المتحدة المسؤولية عن انتهاج “سياسة التهديد والضغوط  المستمرة ومحاولات الابتزاز” بحق الرئيس الفلسطيني “محمود عباس”، مؤكدا أن هذه السياسات “سيكون مصيرها الفشل”.

واتهم “أبو ردينة” السفير الأمريكي “فريدمان” بالضغط على القيادة الفلسطينية من خلال “التهديد والوعيد وسياسة الابتزاز الرخيصة”، مشيرا إلى أن “الشعب الفلسطيني هو وحده من يقرر قيادته”.

وتابع: “الحملات المشبوهة والمؤامرات الهادفة لتصفية قضيتنا الوطنية، وفي مقدمتها قضية القدس ومقدساتها، والهجمة على رموز شعبنا الفلسطيني لا قيمة لها، وإن شعبنا الفلسطيني هو الذي سيرسم خارطته، ويختار قيادته التي تحافظ على حقوقه الوطنية وثوابته التي لن نحيد عنها”.

ولفت المتحدث إلى أن “السلام لن يكون بأي ثمن”، مجددا رفض السلطة الفلسطينية التام التطبيع مع الاحتلال وخطط تل أبيب لضم أجزاء من الأراضي الفلسطينية المحتلة.

من جانبها، أدانت حركة “حماس”، تصريحات لمسؤول أمريكي، حول سعي واشنطن لتنصيب “محمد دحلان” القيادي المفصول من حركة فتح، بدلاً من الرئيس الفلسطيني “محمود عباس”.

وقال المتحدث باسم الحركة “سامي أبوزهري”، عبر حسابه بموقع “تويتر”، إن “تصريحات السفير الأمريكي فريدمان حول الرغبة بتعيين محمد دحلان رئيساً للسلطة تمثل تدخلاً مرفوضاً بالشأن الداخلي”.

وأضاف: “لن يكون هناك أي رئيس فلسطيني إلا من خلال الإرادة الفلسطينية”.