سيؤدي إعلان السعودية التطبيع إلى تحول زلزالي في الجغرافيا السياسية في المنطقة

في الوقت الذي كانت فيه الإمارات والبحرين تستعدان لتوقيع اتفاق لتطبيع العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل الصيف المنقضي، كانت المملكة العربية السعودية – ذات الثقل الإقليمي – تحثهما بهدوء على ذلك، حتى لو لم تعلنها رسمياً.

لعدة أشهر قبل توقيع الصفقات في البيت الأبيض، كان ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، يسامهم بصورة كبيرة في وضع أساسات تلك الاتفاقات التي من شأنه أن تقلب السياسات الإقليمية تجاه خصم طويل الأمد.

تطبيع العلاقات مع إسرائيل لم يكن الهدف منه إرساء السلام في المنطقة كما هو مُعلن، بل المحرك الرئيسي لتلك الصفقة كانت المصالح التي ستجنيها دول الخليج من رواء ذلك: طائرات مقاتلة متطورة، امتيازات سياسية إضافية مع واشنطن، ترسيخ قواعد إدارة ترامب قبل الانتخابات، وهو الرئيس الذي يقدم دعماً غير محدود لقادة دول الخليج وبالأخص ولي العهد السعودي.

كان هناك أيضًا دافع آخر: إذا تعامل حلفاء المملكة العربية السعودية مع إسرائيل أولاً، فسوف يمنح ذلك المملكة سبباً لتحذو حذوهم وأن تتخذ مثل تلك الخطوة التي من شأنها أن تمثل تحولا زلزاليا في الجغرافيا السياسية للمنطقة، متجاوزا بسهولة الاتفاقات الإسرائيلية مع مصر في عام 1978 والأردن بعد 16 عاما من ذلك الاتفاق.

وفقاً لثلاثة مصادر مقربة من الديوان الملكي، فإنه على الرغم من التقارب السعودي الإسرائيلي المتصاعد هذه الآونة، فمن غير المرجح أن يتخذ بن سلمان هذه الخطوة بصورة رسمية ويعلن تطبيع العلاقات مع إسرائيل قبل الانتخابات الأمريكية ومعرفة من الفائز فيها.

بدلاً من ذلك، من المرجح أن تواصل المملكة دورها في حث الحلفاء الإقليميين على كسر القواعد القديمة والتقدم نحو التطبيع مع إسرائيل. السودان وسلطنة عمان هما المرشحان الأكيدان للتوصل إلى اتفاق قبل نهاية العام، أما الحرس القديم في المنطقة، الرياض والكويت، من المرجح أن يتمهلوا قبل اتخاذ هذه الخطوة، بحثاً عن فوائد أكثر.

كلا البلدين ]السعودية والكويت[ يخضعان للحكم الملكي منذ عقود، ويتربع على عرش المملكتين الآن ملوك وصلوا إلى الثمانينيات من العمر، وهم في حالة صحية يرثى لها، وكلاهما لا يزال متمسكاً بالمبادرة العربية القديمة حو السلام مع إسرائيل في مقابل إنهاء الاحتلال وإقامة دولة فلسطينية مستقلة، وهي المبادرة التي “مزقها” قادة المنطقة الأصغر سناً، مثل محمد بن سلمان.

تمسك العاهل السعودي الملك سلمان، في مخاطبته الجمعية العامة للأمم المتحدة يوم الأربعاء، بنص مبادرة السلام العربية التي رعتها السعودية عام 2002، والتي كان يُنظر إليها على أنها القاعدة الرئيسية التي تحرك العلاقات العربية الإسرائيلية حتى السنوات القليلة الماضية بعد ظهور القادة الجدد.

وقال الملك سلمان في خطابه إن المبادرة توفر الأساس المطلوب لحل شامل وعادل للصراع العربي الإسرائيلي يضمن للشعب الفلسطيني الشقيق حقوقه المشروعة، وفي مقدمتها إقامة دولتهم المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية.

أما وريث العرش السعودي، فهو ينظر إلى المنطقة من منظور مختلف عن أسلافه، ويرى أن التوسع الإيراني يمثل تهديدًا أكبر للاستقرار من الفشل الذي دام سبعة عقود في تحقيق اتفاق سلام بين إسرائيل والفلسطينيين.

وفقًا لمصدرين مقربين من بن سلمان، فقد تأثرت وجهات نظره بشكل كبير بصهر ترامب، غاريد كوشنر، منذ التقيا عام 2017، وبالطبع لا يخفى على أحد أن كوشنر هو الراعي الرئيسي لاتفاقيات التطبيع في المنطقة.

قال مصدر سعودي: “كان كوشنر يتعامل مع الآخرين بالطريقة التي يتعامل بها والد زوجته ]ترامب[… كي تحصل على حماية ودعم لابد من ثمن، وإذا دعمت قضية أو شخص ما فستحصل على دعمهم في المقابل.. لقد كانت لغة يفهمها محمد بن سلمان جيداً، ولم يضيع الكثير من الوقت في تطبيقها على المواقف السعودية الجديدة بشأن فلسطين ولبنان، خاصة وأن كلاهما أصبح في نظره عبئًا لا ينتهي”.

في وقت لاحق من ذلك العام، استدعى بن سلمان الرئيس الفلسطيني محمود عباس إلى الرياض وأعطاه نسخة من “عما ستبدو عليه فلسطين الجديدة”، والتي وافقت عليها السعودية.

لم يتحدث عباس علنًا عن الاجتماع، كما لم يعد إلى السعودية منذ ذلك الحين، لكن المسؤولين الفلسطينيين، الذين أصروا على عدم الكشف عن هويتهم، مثل أي شخص آخر اتصلت به صحيفة الغارديان للحديث حول هذا الموضوع، قالوا إن الخطة التي تم طرحها على الزعيم الفلسطيني كانت تشبه إلى حد كبير مخطط اتفاق سلام غاريد كوشنر أو ما يُطلق عليه “صفقة القرن”، التي تم تقديمها في وقت سابق من العام الجاري دون اعتراض قوي من الدول العربية.

وقال المسؤول: “أخبره ولي العهد أن فلسطين يمكن أن تكون غزة وجزءًا من سيناء، مع جسر بري إلى ما تبقى من الضفة الغربية”، وأضاف المسؤؤل “هذا يعني أن الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، كان متورطا في هذا المخطط بشكل واضح… فلا يمكن للوريث السعودي التخلي عن جزء من مصر دون موافقته”.

ظلت العلاقة بين كوشنر وبن سلمان قوية طوال السنوات الثلاث المضطربة التي قضاها كحاكم فعلي للمملكة، مع كافة الانتهاكات التي ارتكبتها بما فيها وصمة العار التي تلاحق النظام: جريمة قتل جمال خاشقجي على يد مساعدين وحراس محمد بن سلمان، والتي تقول التقارير أن بن سلمان شخصياً متورط في هذه الجريمة، وعلى الرغم من ذلك، استمر دعم البيت الأبيض لابن سلمان دون إصدار إدانة صريحة ضده فيما يتعلق بهذه الجريمة.

اللافت للنظر الآن أن بن سلمان أصبح يتبنى السياسة الأمريكية المتمثلة في تبادل المصالح، إدارة ترامب على سبيل المثال تسعى لتأمين مصير إسرائيل وتقليص تقدم إيران.

لا يزال الرابط بين كوشنر ومحمد بن سلمان قويًا لدرجة أن الأخير دعا إلى قيام لبنان بترسيم حدوده البحرية مع إسرائيل – وهي نقطة حوار أمريكية مركزية، تهدف جزئيًا إلى تأمين الحقوق اللبنانية في حقل غاز مشترك تحت البحر، ولكن أيضًا إلى تحييد حزب الله الذي يحافظ على معقل في جنوب لبنان.

مع اقتراب حكومة ترامب من 3 نوفمبر/تشرين الثاني، فإنها تكثف سياستها المتمثلة في “الضغط الأقصى” على إيران، التي لديها وكلاء نافذين في عدد من دول المنطقة، من بينهم لبنان التي يُنظر إليها على أنه ساحة رئيسية لمحاولة إضعاف النفوذ الإيراني.

للاطلاع على النص الأصلي من المصدر اضغط هنا