ولي العهد السعودي يرحب بالتطبيع مع إسرائيل، بعكس والده الذي لايزال يدعم مبادرة السلام العربية… مع الانتهاكات السعودية في حرب اليمن والتهديدات الداخلية لعرش بن سلمان، كيف سيتعامل الأمير كي يخطو خطوة التطبيع؟

يعزو النقاد العرب والغربيون تأخير إعلان السعودية تطبيع علاقتها مع إسرائيل حتى الآن إلى خلاف وجهات النظر تجاه الصراع العربي الإسرائيلي بين بن سلمان وبين والده الملك
في خطاب نادر هذا الأسبوع للملك السعودي، أكد سلمان بن عبد العزيز على التزامه بمبادرة السلام العربية، التي تشترط إعلان التطبيع مقابل إقامة دولة فلسطينية وانسحاب إسرائيل إلى حدود عام 1967، إلا أن التزام الوالد يصطدم الآن برؤية الأمير الصغير، الذي يريد إسراع عملية التطبيع كجزء من رؤيته الاستراتيجية وقبل كل شيء الاقتصادية.

يُعد الملك سلمان هو ثاني ملك سعودي يلقي كلمة أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة (حيث سبقه الملك سعود عام 1957)، وركز في خطابه على عدة قضايا، أولها الأزمة الدائمة مع إيران، التي حملها مسؤولية عدم الاستقرار الإقليمي واتهمها بـ “تجاهل استقرار الاقتصاد العالمي وتأمين إمدادات النفط للأسواق الدولية”.
كما أشاد بكون المملكة مسقط رأس الإسلام والوصي على الأماكن الإسلامية المقدسة، وتعهد بدعم عملية السلام الإسرائيلية الفلسطينية بصورة عامة، دون الإشارة إلى اتفاقيات السلام الإسرائيلية مع الإمارات والبحرين.

الخطاب أثار العديد من التساؤلات حول ما يحدث داخل القصر المملكي:
هل كان يحاول إثبات أنه لا يزال مسيطرًا على مملكته وأنه -مع كل تقديره لابنه- هو المتحكم في السياسة الخارجية؟
هل هذا نزاع بين الأجيال، مما يجعل مشروع الابن يتعارض مع مواقف الأب التقليدية؟
هل هو خلاف “أيدلوجي” منطقي حول الالتزام بالقومية العربية التي ترى أن القضية الأهم هي القضية الفلسطينية التي يجب أن تُحل كي يحل السلام؟ أم أنه مجرد تأخير تكتيكي في انتظار نتائج الانتخابات الأمريكية لتحديد من الذي يجب أن يحصل على “الهدية” السعودية ومن سيدفع أكثر مقابل ذلك؟

ما يزيد الأمور تعقيداً، أنه في الوقت الذي أكد فيه سلمان التزامه بمبادرة السلام العربية، قدمت المملكة العربية السعودية مظلة دعم لأحدث اتفاقيات السلام (بين إسرائيل والإمارات والبحرين)، حيث أشادت بالخطوة وفتحت مجالها الجوي أمام الرحلات الجوية من وإلى إسرائيل.
علاوة على ذلك، ألقى عبد الرحمن السديس، إمام الحرم المكي، خطبة لتشجيع السياسة الخارجية من خلال الحوار، حتى مع اليهود، مستشهداً بسياسة النبي محمد تجاه الجالية اليهودية في شبه الجزيرة العربية.
اعتبرت هذه الخطبة، التي أثارت عاصفة من الانتقادات على مواقع التواصل الاجتماعي، خطوة تهدف إلى تأهيل الرأي العام في السعودية والعالم الإسلامي لتحول تاريخي في علاقة المملكة بإسرائيل.

السؤال الذي يطرح نفسه: هل حدث كل هذا تحديا لرغبة سلمان؟

لا يمكن بسهولة تفسير ما يحدث على الساحة السعودية، إلا أن الواضح هو حاجة الرياض لتحسين علاقاتها مع واشنطن، سواء قبل أو كجزء من صفقة مع إسرائيل، بعد تدهور العلاقات بسبب انتهاكات المملكة في سجل حقوق الإنسان، وتحديداً في ملف حرب اليمن التي بدأت بعد تتويج سلمان في عام 2015.

في هذه الحرب، ارتكب الجيشان السعودي والإماراتي انتهاكات وحشية ضد المواطنين المدنيين في اليمن، واستخدموا الأسلحة الأمريكية ضدهم، ما نتج عنه مقتل أكثر من 125 ألف شخص بينهم 14 ألفا سقطوا خلال هجمات متعمدة على أهداف مدنية.

دفعت الضغوط العامة والدولية سلف ترامب، باراك أوباما، إلى تجميد صفقة أسلحة مع الرياض عام 2016 كوسيلة للضغط على السعوديين لتغيير تكتيكاتهم في اليمن، وبعد عام واحد، عكس ترامب هذا القرار وفتح الباب على مصراعيه لمبيعات الأسلحة الأمريكية للسعوديين.

في عام 2018، عادت السعودية مرة أخرى إلى دائرة انتقادات الكونغرس بسبب مقتل الصحفي جمال خاشقجي في القنصلية السعودية في إسطنبول، ومنذ ذلك الحين، لم يزر محمد بن سلمان واشنطن، بعد أن قيل له إنه شخص غير مرغوب فيه من قبل الكونغرس وأنه لا يوجد شخص خارج البيت الأبيض من المحتمل أن يرغب في مقابلته.

الانتهاكات السعودية في اليمن عادت إلى الظهور على أجندة واشنطن بقوة بعد نشر تقرير حول -يحوي بعض الوثائق السرية- تورط الولايات المتحدة في الصراع كتبه المفتش العام لوزارة الخارجية، حيث كشف التقرير عن بشاعة جرائم الحرب التي ارتكبتها القوات السعودية والإماراتية والمرتزقين التابعين لها، لدرجة أن الولايات المتحدة تواجه خطر الملاحقة القضائية في المحكمة الجنائية الدولية.

وجه مسؤولو وزارة الخارجية تحذيرات مماثلة إلى ترامب ووزيري خارجيته، ريكس تيلرسون ومايك بومبيو، لكن ترامب أدلى برده المعتاد: السعودية -على حد قوله- “ليس لديها سوى النقود” التي تستخدمها لشراء الخدمات الأمريكية والحماية وغيرها من السلع.
أما عن مسألة قتل المدنيين في اليمن، قال ترامب إن السعوديين “لا يعرفون كيف يستخدمون” الأسلحة الأمريكية، لكن الكونغرس لم يقتنع بتبريراته وأصدر في أبريل/نيسان 2019 قراراً يدعو إلى وقف مبيعات الأسلحة للسعودية، لكن ترامب استخدم حق الفيتو على هذا القرار، مما سمح للسعودية بمواصلة انتهاكاتها في اليمن حتى يومنا هذا.

على عكس السعودية، فهمت الإمارات مخاطر مشاركتها في حرب اليمن وسحبت قواتها، متجاوزة حظر “مبيعات” مقاتلات F-35 الذي فرض عليها، وحاولت التغلب على العقبة الإسرائيلية في مسألة التسليح من خلال توقيع اتفاق السلام هذا الشهر.

أما محمد بن سلمان، لا يزال يغرق في الوحل اليمني الذي عقّد علاقته بالولايات المتحدة، بالإضافة إلى إخفاقاته في إدارة السياسة الخارجية للبلاد، مثل إجبار رئيس الوزراء اللبناني آنذاك سعد الحريري على الاستقالة، وفرض الحصار على قطر، وشن حرب نفطية فاشلة مع روسيا، تسببت في هبوط الأسعار والتخلي عن القضية الفلسطينية.

أخفق بن سلمان في إدارة المشاكل الداخلية أيضاً، فرؤيته 2030 متعثرة بعد أن واجهت خزينة الدولة مشاكل في تمويل المشاريع القائمة على جنون العظمة مثل “نيوم”، والتي من المفترض أن تُقام على ثلاث دول (السعودية ومصر والأردن)، أما فكرة تنويع مصادر الدخل في المملكة وتقليل اعتمادها على النفط، فما هو إلى حبر على ورق.

الأكثر بشاعة، أن بن سلمان -وفقاً للاستخبارات الأمريكية- قام بوضع والدته تحت الإقامة الجبرية وإبعادها عن والده بعد انتقادها سياساته الداخلية والخارجية، وهو ما يثبت أنه شخص غير سوي بالمرة، وينذر باحتمالية قيام محمد بن سلمان بانقلاب ضد والده إذا رأى أن هذه الخطوة ستخدم أجندته.

حتى الإنجازات التي يتفاخر بها كحربه على الفساد واحتجازه عشرات المليارديرات في فندق ريتز كارلتون، ما هي إلا نوع من أنواع الضغط على منافسيه السياسيين الذين يرفضون وجوده على رأس السلطة، وهم في تزايد مستمر، ولكي يتخلص منهم، عليه ارتكاب مزيد من الانتهاكات، أي تلطيخ سمعته خارجياً أكثر فأكثر.

للاطلاع على النص الأصلي من المصدر اضغط هنا