“في اللحظة الذي توظفني فيها.. هذا يعني أنك في خطر كبير”.. هكذا قال المحامي الكندي ديفيد ليسبيرانس متحدثاً عن عملائه من كبار رجال الأعمال السعوديين الذين يلجؤون إليه بحثاً عن مخرج قانوني من التهم “الملفقة” التي تُكال إليهم من النظام.

لدى “ليسبيرانس” عشرات العملاء من الذين كانوا محتجزين في فندق ريتز كارلتون بعد الحملة الشرسة التي شنها محمد بن سلمان في نوفمبر/تشرين الثاني 2017 على كبار رجال الاقتصاد السعودي، وتم القبض فيها على 381 من رجال الأعمال وأفراد العائلة المالكة بحجة “مكافحة الفساد”.

بحسب ما ورد ضغطت السلطات السعودية على عدد ليس بالقليل من محتجزي فندق ريتز كارلتون، بطرق مختلفة بما فيها الاعتداء الجسدي، لتسليم أموالهم والأصول التي يملكوها للحكومة مقابل إطلاق سراحهم، وقد بلغت قيمة ممتلكاتهم الإجمالية أكثر من 106 مليار دولار.

في حواره مع “المونيتور” قال رايان بول- المحلل في مجموعة تقدير المخاطر “ستراتفور” الأمريكية- ” إن حملات مكافحة الفساد المزعومة التي يقودها الأنظمة الخليجية وعلى رأسها السعودية “تُستخدم الآن لمصادرة أصول من يعتبرهم غير موالين له”.

في هذا الصدد، يلجأ بعض المواطنين السعوديين المعرضين لمخاطر تتعلق بالقمع السياسي وتغيير النظام تأمين أنفسهم بالحصول على جنسية ثانية كمخرج استراتيجي، ومن الجدير بالإشارة إليه، الكثير من عملاء “ليسبيرانس” كانوا قد أمنوا نفسهم بالفعل في وقت سابق بالحصول على جنسية أخرى -وفقاً لنصيحته- في أوائل التسعينات تحسباً لمثل هذه التقلبات السياسية.

أشهر الوجهات التي يفضلها رجال الأعمال الذي يهربون من القمع السياسي في بلادهم هي قبرص وإيرلندا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة وكندا وجزر الكاريبي، والذين يمنحون جنسياتهم للكثير من هؤلاء “المستهدفين”، إلا أن الوكلاء المحليين الذين يساهمون في تسهيل إجراءات المواطنة الثانية يرفضون الكشف عن عدد مواطني الخليج الذين اشتروا الجنسية الثانية.

في وقت سابق من العام الجاري، كشفت بعض الوثائق السرية المسربة إلى قناة الجزيرة عن عدد المستفيدين برنامج الجنسية القبرصية عن طريق الاستثمار، حيث اشترى حوالي 2500 فرد من 74 دولة جواز سفر قبرصي بين عامي 2017 و2019.

على الرغم من أن المواطنين الروس والصينيين والأوكرانيين يمثلون -حتى الآن- الغالبية العظمى من الأسماء المدرجة في المستندات القبرصية، إلا أن الطلبات الواردة من مواطني المملكة العربية السعودية الفارين من النظام “زادت منذ صعود ولي العهد الأمير محمد بن سلمان إلى السلطة”، كما جاء في تحقيق الجزيرة.

وبحسب التحقيق، منحت قبرص جنسيتها عام 2019 لقريب مواطن سعودي محتجز في فندق ريتز كارلتون وأحد أفراد عائلة بن لادن – التي كانت ذات يوم واحدة من أكثر العائلات نفوذاً في المملكة، إلا أنها تضررت بصورة كبيرة خلال حملة بن سلمان، حيث تم اعتقال ثلاثة أشقاء من أفراء عائلة بن لادن واستولت الدولة فعليًا على استثمارات العائلة.

في تقرير مشابه نشرته صحيفة الإندبندنت، نقل بعض الأثرياء السعوديين الأصول “خارج المنطقة” في الأيام التي أعقبت اعتقالات فندق ريتز كارلتون، وأشار “جيسون توفي” كبير الاقتصاديين في الأسواق الناشئة في كابيتال إيكونوميكس إلى حدوث “قفزة في قيام رجال الأعمال السعوديين بتحويل الودائع المصرفية إلى الخارج”.

من الجدير بالذكر دول مجلس التعاون الخليجي تحظر على مواطنيها الحصول على جنسية مزودجة، كما يقول بول، وتحاول تلك الأنظمة “البحث عن طرق للتأكد من عدم تحول الجنسية الثانية لوسيلة يستخدمها المعارضون كدروع لانتقاد السلطات بدون خوف”.

التغييرات التي شهدها الداخل السعودي دفعت الكثيرين للهروب خارج البلاد، ومع ذلك، لم يتركهم النظام وشأنهم، بل استمرت الملاحقة حتى في الخارج، وبحسب التقارير، قام عملاء سعوديون بخطف ثلاثة أمراء يعيشون في أوروبا بين عامي 2015 و 2017، وبعد عام قامت فرقة اغتيال بقتل وتقطيع الصحفي السعودي وكاتب العمود في واشنطن بوست جمال خاشقجي، الذي كان مقيمًا في الولايات المتحدة ولديه ثلاثة أطفال من مواطني الولايات المتحدة، ولعل هذه الأسباب هي ما دفعت مجموعة من المعارضين السعوديين -معظمهم مقيمين في الخارج- بالإعلان عن تشكيل حزب سياسي في سبتمبر/أيلول الجاري يدعو إلى التغيير السلمي ومحاربة ما وصفوه بـ “عنف الدولة وقمعها”.

على الرغم من ذلك، قال زياد كركجي، الشريك الإداري لشركة مقرها بيروت متخصصة في برامج الإقامة والجنسية، ” الحصول على جنسية ثانية لا يحمي دائماً”، مشيراً إلى الأمير الوليد بن طلال، من أكبر رجال الأعمال السعوديين ويحمل سفر لبنانيًا، حيث قال كركجي في تصريحه للمونيتور “مع كل قوّته واتصالاته، بقي في فندق ريتز كارلتون”.

وبعيداً عن الاعتبارات السياسية، قال رايان بول إن الحصول على جنسية ثانية هي “ممارسة قديمة” لرجال الأعمال والمستثمرين الخليجيين الذين يسافرون كثيرًا ويريدون توفير وقت إجراءات الحصول على تأشيرة السفر، وبحسب مؤشر Henley Passport ، وهو تصنيف قوي لجوازات السفر، فإن قوة الجواز القبرصي تساوي ضعف قوة الجواز السعودي.

ونظرا لصعوبة التحرك بين ما هو وطني ودولي، فإن البنوك العالمية والخاصة ومكاتب العائلات توصي في العادة الأثرياء الراغبين بالحصول على جواز ثان باستئجار خبراء.

كما ارتفعت طلبات الحصول على جوازات سفر ثانية من مواطني دول مجلس التعاون الخليجي منذ حوالي عقد، بعد ثورات الربيع العربي، حيث خافت العائلات الحاكمة في هذه الدول من تحول في مسار السلطة وتجميد أرصدتهم.

ومع التحول المتوقع في الاقتصاد العالمي من الطاقة الأحفورية ستواجه العائلات الحاكمة في دول الخليج تحديات اقتصادية واجتماعية غير مسبوقة للبحث عن نموذج بديل عن ذلك القائم على النفط. ويحذر الخبراء من التغير الذي قد يقود إلى حالة من عدم الاستقرار والإقبال بالتالي على الجنسية الثانية. ويقول المحامي الكندي ليسبرنس: “حسنا، كما يقول لينين: لا يبعد أي مجتمع عن الفوضى سوى مسافة ثلاث وجبات”، مشيراً إلى أن التغييرات في تونس بدأت ببائع فواكه.

للاطلاع على النص الأصلي من المصدر اضغط هنا