يوما بعد الآخر، تتصاعد حدة الاحتجاجات الرافضة للسيسي ونظامه، حيث لا يخلو يوم من خروج تظاهرات غاضبة في حي أو قرية أو مدينة علي امتداد القطر المصري، في الوقت الذي ما زال النظام يصم آذانه عن مطالب المحتجين، مستخدما القوة الباطشة عبر ذراعه الأمنية ممثلة  في وزارة الداخلية،  مما يوقع قتلى وجرحى في صفوف المتظاهرين السلميين.

ومع اقتراب يوم الجمعة، انطلقت دعوات للتظاهر في ميدان التحرير، للمطالبة برحيل السيسي، استكمالا للاحتجاجات منذ 20 أيلول/سبتمبر الماضي، التي دعت إليها قوى عدة وشخصيات معارضة أبرزها المقاول والفنان المصري محمد علي.

 

جمعة النصر

وفي تطور لافت، دعا محمد علي إلى التظاهر في ميدان التحرير الجمعة، تحت شعار “جمعة النصر”، تيمنا بنفس الاسم الذي أطلقه المصريون على الاحتفالات في ميدان التحرير عقب تنحي المخلوع حسني مبارك في 11 شباط/ فبراير 2011.

وتصاعد الحشد الإلكتروني والدعوات للتظاهر يوم غد الجمعة، للمطالبة برحيل عبدالفتاح السيسي ونظامه، حيث تفاعل النشطاء مع دعوات محمد علي،تحت وسم (#جمعة_الغضب_الثانية) تصدر مواقع التواصل الاجتماعي، خلال الساعات الأخيرة، وسط توقعات بتأجيج الاحتجاجات المتواصلة منذ 20 سبتمبر، واتساع رقعتها.

وكان رجل الأعمال المصري ومقاول الجيش السابق قد دعا أمس عبر قناته على “يوتيوب” إلى التظاهر يوم الجمعة المقبل في ميدان التحرير، مشيرا إلى أن السيسي يحاول طوال الوقت تصدير فكرة أن رحيله يعني انهيار مؤسسات الدولة.

 وأكد “علي” أن مصر دولة عظيمة ذات إمكانيات وموارد ضخمة لن تسقط برحيل السيسي، كما لم تسقط حينما سقط مبارك في 2011.

وبرر محمد علي دعوته للتظاهر في ميدان التحرير في قلب القاهرة بالأثر الضعيف الذي أحدثته المظاهرات المتوالية في القرى وأطراف القاهرة، مشيرا إلى أن ميدان التحرير هو رمز الثورة المصرية.

ودعا “علي” إلى التوافد على ميدان التحرير بشكل فردي، تجنبا لقوات الشرطة التي تمنع المتظاهرين من دخول الميدان.

وانتقد محمد علي ممارسات الشرطة في الصعيد مع الفقراء، وقذفها لبضاعة الباعة الجائلين في الأرض، وضربهم، بالإضافة إلى اعتقال المتظاهرين في عدة قرى ومدن.

وعدد النشطاء عدة أزمات تسبب فيها السيسي؛ بغرض تحفيز المواطنين للتظاهر والاحتشاد، منها: بيع أصول الدولة لدول أخرى، وآخرها تدشين مشروع لتربية الخيول في مصر، وهو ما انتقده النشطاء بشدة؛ لتجاهله التام لتدني مستوى التعليم والصحة في مصر.

وأكد النشطاء أن المتظاهرين خلال الأيام الماضية كسروا حاجز الخوف من القبضة الأمنية، وأنهم أصبحوا على استعداد لمواجهة الأمن، مشددين على أن المتظاهرين دائما ما يكون عددهم أكثر من أعداد أفراد الأمن، مستشهدين بالمثل القائل: “الكثرة تغلب الشجاعة”، مؤكدين أن النظام جبان أمام الإرادة والإصرار لدى المتظاهرين.

 

غضب في الأقصر

وخلال الساعات الماضية، سادت حالة من الغضب بين أهالي محافظة الأقصر وتحديدا قرية العوامية، حيث قتلت قوات الأمن الشاب عويس الراوي أثناء مداهمتها لمنزله فجر الأربعاء.

ووفق شهود عيان، فقد أطلقت قوات خاصة من الداخلية النار على الشاب عويس عبد الحميد على، بعدما اعترض علي إهانة الشرطة لوالده، خلال مداهمة منزلهم للبحث عن أحد أقاربه بدعوى مشاركته في المظاهرات المناهضة للسيسي الجمعة الماضية إلا أنها لم تجده.

وأعقب ذلك تدشين النشطاء وسم “#الشرطة_في_خدمة_الكلب”، الذي احتل المركز الأول في قائمة أعلى الوسوم تداولا في مصر،  كما تصدر وسما (#الداخلية_بلطجية) و(#كلنا_عويس_الراوي) قائمة التفاعل على تويتر في مصر.

ولم تكتف الشرطة بقتلها للشاب عويس الراوي، حيث أطلقت قنابل الغاز المسيل للدموع والخرطوش لتفريق جنازة الشاب بعد هتافات المشيعين المناهضة للداخلية والمطالبة بالقصاص لمقتله برصاص الداخلية.

وشهدت مدينة الأقصر في جنوب مصر، اشتباكات عنيفة ليلة الخميس، بين قوات الأمن ومتظاهرين غاضبين، حيث خرجت احتجاجات كبيرة في قرية العوامية، وسط غضب واسع مع الأهالي، في حين توافدت أعداد كبيرة من القوات العسكرية لمواجهتهم، وطالب المحتجون برحيل عبد الفتاح السيسي عن السلطة، وهتفوا يوميا: “ارحل يا سيسي”.

من جهتها قالت مؤسسة “نشطاء لحقوق الإنسان” إنها تابعت بـ “غضب واستياء شديد تداعيات مقتل الشرطة المصرية في قرية العوامية بمحافظة الأقصر قتل المواطن عويس الراوي خلال مداهمات جرت فجر الأربعاء، وذلك عندما أبدى اعتراضه على اعتقال الشرطة لأخيه”.

ونقلت المؤسسة عن شهود العيان قولهم إن “المواطن عويس الراوي اعترض على قيام ضابط الشرطة بالاعتداء بالضرب على والده أمامه وبصورة مهينة، وقام بالدفاع عن والده ضد هذا الاعتداء، ما أثار حفيظة ضابط الشرطة الذي قام بإخراج سلاحه الميري ليفرغ أربعة رصاصات في رأس المواطن”.

وأكدت المؤسسة الحقوقية أن “مناخ القمع والاستبداد، وقتل المواطنين، وانتشار التعذيب والاختفاء القسري، وإعطاء الضوء الأخضر للأجهزة الأمنية، وعلى رأسها جهاز الشرطة، في الاعتداء والتنكيل وقتل المواطنين سوف يدفع بالأمور إلى حافة الهاوية السحيقة، والتي ستأخذ معها كل الدولة المصرية إلى فضاءات كارثية لا عودة فيها”.

تضامن حقوقي 

وفي سياق متصل، رصدت “المؤسسة العربية لدعم المجتمع المدني وحقوق الإنسان”، 164 احتجاجا في مصر خلال الأيام الماضية، مشيرة إلى أن “محافظات الصعيد كانت في المقدمة بنسبة 80% من الاحتجاجات يليها محافظات القاهرة الكبرى ثم الوجه البحري”.

جاء ذلك في التقرير الأول للمؤسسة العربية، عن حجم المظاهرات الاحتجاجية الجديدة، والمواقع الجغرافية التي حدثت فيها، ويغطي التقرير الفترة الزمنية من 20 أيلول/ سبتمبر إلى 27 أيلول/ سبتمبر 2020.

وقالت المؤسسة العربية: “أثارت دعوة المقاول والفنان محمد علي للمواطنين المصريين إلى التظاهر ضد نظام السيسي في مصر تداعيات كثيرة لا تزال مستمرة حتى الآن، وتأتي هذه الدعوى في ذكرى مرور عام على دعوة سابقة في أيلول/ سبتمبر 2019 التي تعاملت معها قوات الأمن بعنف وقبضت على نحو 4 آلاف مواطن ومواطنة لا يزال نحو 1000 منهم محتجزا حتى اليوم”.

وأشارت إلى أن “دعوة محمد علي أدت إلى حدوث عدد من الفعاليات الاحتجاجية في عشرات القرى بمحافظة الجيزة، ومحافظات الصعيد، وبعض محافظات الوجه البحري، فضلا عن محافظتي القاهرة والإسكندرية بشكل أقل”.

وأكدت المؤسسة العربية على “ضرورة احترام الحق في التظاهر السلمي، وضرورة وقف كافة الإجراءات الأمنية التي تحاصر عددا من القرى، خاصة قرى محافظة جنوب الجيزة مثل البليدة، وكفر قنديل، وغيرهما”.

ورأت المؤسسة العربية أن “هناك عددا من الأسباب التي تصنع – ولا تزال – تربة خصبة للاحتجاج في مصر، وأهمها غياب المشاركة في صنع القرار، واستمرار تأميم الأحزاب والنقابات والمجتمع المدني، وانسداد الأفق السياسي عبر الانتخابات البرلمانية، من خلال تأميم المجالس النيابية (مجلس الشيوخ والنواب) بإجراء الانتخابات بالقائمة المطلقة وهيمنة أجهزة الدولة على اختيار الأسماء المكونة للقوائم الانتخابية لصالح حزب بعينه، واستمرار حبس الآلاف من سجناء الرأي”.