ترجمة العدسة عن دراسة أجراها الباحث كورتني فرير
نشر مركز دراسات الخليج التابع لكلية الآداب والعلوم بجامعة قطر، دراسة أعدها الباحث “كورنتي فرير” حول مستقبل دول مجلس التعاون الخليجي بعد رحيل أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح، وتداعيات تولي أمير جديد الحكم على السياسات الخارجية للكويت، وبالتالي الخريطة الجيوسياسية للمنطقة العربية، وتحديداً دول الخليج العربي.
كان الشيخ صباح الأحمد من أبرز الرجال البارزين داخل دول مجلس التعاون الخليجي بل وفي جميع أنحاء الشرق الأوسط، وبحسب “فرير” كان الشيخ صُباح أحد القادة العرب القلائل الذي تسببت وفاته في حزن دولي عميق، سواء بين القادة العرب أو الغربيين، بل وحتى بين صفوف المعارضة المحلية.
في دراسته، سلط “فرير” الضوء على المخاوف المصاحبة لوفاة الأمير صُباح، إذ يرى أنه من غير المستبعد أن تغير السياسة الخارجية الكويتية مسارها، وتبتعد عن الدور “الحكيم” الذي منحه لها الشيخ صباح منذ توليه منصب وزير الخارجية من 1963-2003، وفيما بعد أميرًا للدولة بين عامي 2006 و2020، مشيراً إلى أن وفاة الشيخ صُباح دفعت الكثيرين إلى التساؤل عن مستقبل دول مجلس التعاون الخليجي التي تعاني من انقسامات حالية بالفعل.
لطالما لعبت الكويت دور الوسيط الحكيم، الشيخ صُباح نفسه كان له دور كبير في تأسيس مجلس دول التعاون الخليجي عام 1981 ووضع سياساته والعمل على دفع الحكومات المتعاقبة لتطبيها والتمسك بها.
بالإضافة إلى ذلك، فإن أول رئيس لمجلس التعاون الخليجي كان الدبلوماسي الكويتي، عبد الله بشارة، الذي كان يمثل التزام الكويت بالمجلس وسياساته وقيمه، خاصة وأنه عمل كمستشار للشيخ صُباح عندما كان رئيساً لمجلس الوزراء.
وجود الشيخ صُباح الأحمد على رأس السلطة ساهم بصورة رئيسية في الحفاظ على تماسك مجلس التعاون الخليجي رغم الانقسامات الداخلية التي تلت قيام نصف الدول الأعضاء (البحرين والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة) بحصار قطر، بل إنه قاد مساهمات الكويت في تيسير إبرام اتفاق مغلق بين قطر ودول الحصار لرأب الصدع عام 2014، لهذا يتساءل “فرير” حول مستقبل دور الوساطة الكويتية في الخليج بعد أن رحل الأمير صُباح.
السياسة الخارجية الكويتية المستقبلية
قال “فرير” في دراسته إن المخاوف المتعلقة بتغيير السياسة الخارجية للكويت بعد وفاة الأمير صُباح الأحمد تتشابه كثيراً مع المخاوف التي تلت وفاة السلطان قابوس، حيث دب القلق في نفوس الكثيرين من أن تؤدي وفاة السلطان قابوس إلى إنهاء السياسة الخارجية المحايدة لسلطنة عمان، لا سيما تجاه أزمة دول مجلس التعاون الخليجي.
فيما يتعلق بُعمان، أوضح “فرير” أن أجندة السلطان هيثم بن طارق ركزت بصفة رئيسية على القضايا الداخلية، أما السياسة الخارجية ظلت كما هي -حتى الآن على الأقل-.
أما بالنسبة للكويت، فعلى الرغم من أن وفاة الشيخ صُباح الأحمد تُعد ضربة كبيرة للخليج وخاصة سياسة “التعددية” التي كان رائدها، رأى “فرير” إن وفاته لن تكون مؤشراً على تغيير السياسة الخارجية الكويتية لعدة أسباب:
أولاً:
السياسة الخارجية الكويتية الحالية فعالة إقليمياً، ومفيدة محلياً، فقد حافظت الكويت بشكل مثير للإعجاب على علاقاتها مع عدد كبير من البلدان رغم وجود خلافات بين بعض تلك الدول، كما أصبح لدى الكويت العديد من الحلفاء، الذين قوت علاقتها بهم بتوسيع وجودها الدبلوماسي ورعاية العديد من الأنشطة الإنسانية التي بدأت الكويت في المشاركة بها عندما كان الشيخ صباح وزيراً للخارجية.
إن القدرة على “التحدث” مع الجميع تجعل الكويت لاعبًا إقليميًا رئيسياً، وهو مصدر فخر وطني لن يرغب أحد في التخلي عنه.
بالإضافة إلى ذلك، فإن القيادة الكويتية لا تتصرف بتهور مثل بعض الدول الأخرى، كالمملكة العربية السعودية التي تدفع ثمن تهور ورعونة قرارات محمد بن سلمان، الذي قال عنها “فرير” أنها ورطت السعودية في سياسة خارجية غير متزنة.
الأكثر من ذلك، أن الكويت اكتسبت سمعة طيبة في مجال الوساطة الإقليمية، ما جعلها مكاناً محايداً يحظى بتفضيل المنظمات الدولية مثل الناتو والاتحاد الأوروبي بأن ترسل بعثاتها الدبلوماسية هناك. علاوة على ذلك، فإن موقف الكويت الحاسم ضد التطبيع مع إسرائيل، يحظى أيضًا بشعبية إقليمية، حيث يُنظر إليه على أنه التزاماً بالتضامن العربي مع القضية الفلسطينية.
ثانياً:
البرلمان الكويتي له دور كبير في التأثير على السياسة الخارجية، مما يعني أن الرأي العام فيما يتعلق بقضايا السياسة الخارجية مهم في الكويت، بخلاف دول الخليج الأخرى.
على سبيل المثال، عندما كان الشيخ ناصر محمد رئيساَ للوزراء، قدم ثلاثة نواب من التيار الإسلامي طلباً لاستجوابه إثر موافقته على دخول رجل دين شيعي إلى البلاد، مما أثار الشكوك في أن رئيس الوزراء متحالفاً بطريقة ما مع إيران.
ومؤخراً، أصدرت مجموعة من 37 نائبا بيانا أكدوا فيه “دعمهم الثابت للشعب الفلسطيني وللقضية الفلسطينية”، كما دعوا الحكومة إلى الصمود في وجه التطبيع مع إسرائيل.
وأكد “فرير” أن السماح بالحريات السياسية المحلية من خلال البرلمان قد فتح بالفعل الباب أمام الاهتمامات الأيديولوجية لتصبح جزءًا من اعتبارات السياسة الخارجية، وبهذه الطريقة، تختلف الكويت تمامًا عن جيرانها.
ثالثاً:
نجحت الكويت في الاستقلال عن جيرانها في اتباع سياسة خارجية محايدة ومعتدلة، لقد تم بناء هذه السياسة على مدى عقود، وسيكون من شبه المستحيل، ناهيك عن عدم الحكمة من الناحية الاستراتيجية، تفكيكها.
إن تغيير اتجاه السياسة الخارجية للكويت سيكون صعباً، كونها تعتمد على المؤسسات وعلى الرأي العام، لذلك، كما يرى “فرير”، فإن تغيير الحاكم لن يغير بصورة كبيرة على مسار الدولة الخارجي، على عكس الدول المجاورة التي تغيرت فيها اتجاهات السياسة الخارجية بسرعة بعد وصول الأجيال الجديدة إلى رأس السلطة.
التأثير على دول مجلس التعاون الخليجي
برحيل الشيخ صُباح الأحمد، فقد مجلس التعاون الخليجي، كمؤسسة، أحد أقوى داعميه، ومع ذلك، من المرجح أن تستمر الكويت بقيادة الشيخ نواف بالحفاظ على التوازن ولعب دور الوسيط الذي تميزت به في عهد الشيخ صُباح الأحمد.
ومع دخول أزمة مجلس التعاون الخليجي عامها الرابع، أصبحت المؤسسة بلا شك أضعف، واليوم ليس من الواضح ما هي الاستراتيجيات الجديدة للوساطة التي قد تنجح، لا سيما بعد سنوات من قلة التواصل بين الأطراف المتنازعة.
نتيجة لذلك، لا يعتقد “فرير” أن القيادة الكويتية الجديدة سيكون لها تأثير كبير على أزمة دول مجلس التعاون الخليجي، للأسباب التي تمت مناقشتها أعلاه.
الأهم من ذلك، وبحسب ما أشار “فرير”، فإن الكويت وقطر لا تزالا حليفتين، حيث وصل أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني إلى الكويت لحضور جنازة الشيخ صُباح، لذلك، وبحسب “فرير” من غير المرجح أن ينهار هذا التحالف مع التغيير في القيادة الكويتية، بل قد يحفز هذا التحالف بذل مزيد جهوداً إضافية للتوسط لإنهاء الخلاف.
للاطلاع على الدراسة من المصدر الأصلي اضغط هنا
اضف تعليقا