“شخص واحد على الأقل يتعرض يوميا لجريمة الإخفاء القسري في مصر”.. هذا ما كشفته صحيفة “البايس” الإسبانية في تقرير لها عن حالات الإخفاء القسري اليومية، والتي أصبحت ممارسة ممنهجة من قبل نظام الجنرال الانقلابي عبدالفتاح السيسي، على مدى السنوات الأخيرة.

الصحيفة كشفت في تقرير نشرته بتاريخ 6 أكتوبر/تشرين أول 2020 أن ما أسمته بـ“الرقم المذهل” للأشخاص المفقودين في مصر، يعادل حوالي 10 أشخاص كل أسبوع، وعلى مدى خمس سنوات كاملة.

ومنذ 20 أيلول/سبتمبر 2020، شهدت هذه الممارسة تصعيدا كبيرا، وذلك بالتزامن مع انطلاق الاحتجاجات المناهضة لرئيس النظام في العديد من المحافظات، والتي طالبت السيسي بالرحيل عن السلطة، بسبب فشله في إدارة الدولة، وتدهور الأوضاع المعيشية.

وتمكنت المفوضية المصرية للحقوق والحريات، من رصد 215 حالة اختفاء قسري في مدن مختلفة من البلاد، خلال شهري أغسطس وسبتمبر الماضيين، ظهر منهم 63 حالة في أقسام الشرطة ومعسكرات الأمن المركزي والنيابات، بتهمة “التظاهر والانضمام لجماعة إرهابية”.

فيما تعرفت بعض العائلات على ذويهم عن طريق فيديوهات تابعة لوزارة الداخلية وبيانات رسمية تزعم اعتراف هؤلاء المختفين بارتكابهم “جرائم إرهابية”. وحتى الآن ما زالت 152 حالة قيد الاختفاء، حيث لم يتمكن ذويهم من معرفة مصيرهم.

شبح الإخفاء القسري

في 26 يونيو/حزيران 2020، أعلن مدير مركز الشهاب لحقوق الإنسان، خلف بيومي، أن مركزه أحصى “7782 شخصا تعرضوا للاختفاء القسري والتعذيب، منذ الانقلاب على الرئيس الشرعي محمد مرسي وحتى نهاية 2019”.

أما حملة “أوقفوا الاختفاء القسري في مصر” فقد أعلنت في 30 أغسطس/آب 2020، أنها وثقت تعرض نحو 2723 شخصا للاختفاء القسري لفترات متفاوتة داخل مقار الاحتجاز الرسمية وغير الرسمية، وذلك خلال السنوات الخمس الماضية.

ورصدت الحملة في تقرير أطلقته بعنوان “انتهاك مستمر وعدالة غائبة، تقرير عن ظاهرة الاختفاء القسري في مصر خلال خمس سنوات” أنماط ممارسة الظاهرة خلال هذه الفترة، حيث كشف التقرير أن الأجهزة الأمنية المصرية تمارس الإخفاء القسري بشكل منهجي وعلى نطاق واسع.

وأكدت الحملة أن أشكال الاختفاء القسري تعددت بدءا من تطور وطول مدد الاختفاء، وأماكن الاحتجاز وقت الاختفاء ومقار الاحتجاز غير الرسمية، بالإضافة إلى الاختفاء القسري للنساء والأطفال، والاختفاء من داخل مقار الاحتجاز الرسمية وعدم تنفيذ قرارات القضاء بإخلاء السبيل والإفراج.

ويتعرض معظم من المختفين قسريا إلى القتل نتيجة التعذيب أو بطلق ناري، فيما تزعم وزارة الداخلية أنهم قُتلوا في تبادل إطلاق النار مع قواتها، وتنشر صورا لهم وبجانبهم أسلحة، غير أن ذوي هؤلاء الضحايا كانوا قد أبلغوا عن اختفائهم قسريا قبل فترات من وفاتهم.

وتفسر منظمات حقوقية ظاهرة الاختفاء القسري للناشطين والمعارضين بسعي الأجهزة الأمنية لإجبارهم على الإدلاء بمعلومات معينة، أو انتزاع اعترافات تتعلق بقضية ما، فيما قد تُستخدم كوسيلة ضغط على ذويهم المطلوبين لتسليم أنفسهم.

وتُعرف جريمة الاختفاء القسري -حسب تعريف القانون الدولي لحقوق الإنسان- بأنها “اختطاف شخص ما، أو سجنه سرا، على يد دولة أو منظمة سياسية أو طرف ثالث لديه تفويض أو دعم أو إقرار من دولة أو منظمة سياسية، مع رفض الجهة المختطفة الاعتراف بمصير الشخص ومكان وجوده، وذلك بغرض وضع الضحية خارج حماية القانون”.

ووفقا لنظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، المُعتمد فى 17 يوليو 1998، فإن جريمة الاختفاء القسري ترقى إلى الجرائم ضد الإنسانية.

من جهتها، عرّفت المحكمة الجنائية الدولية، الاختفاء القسري بأنه: “إلقاء القبض على أي شخص/أشخاص، أو احتجازه، أو اختطافه من قبل دولة أو منظمة سياسية، أو بإذن أو دعم منها لهذا الفعل أو بسكوتها عليه، ثم رفضها الإقرار بحرمان هؤلاء الأشخاص من حريتهم أو إعطاء معلومات عن مصيرهم أو عن أماكن وجودهم بهدف حرمانهم من حماية القانون لفترة زمنية طويلة”.

تصاعد خطير

وبحسب محمد لطفي، مدير المفوضية المصرية للحقوق والحريات فإنه في زمن الرئيس الأسبق المخلوع حسني مبارك كانت هناك حالات اختفاء قسري، ولكن بنسبة أقل بكثير من الآن (في عهد السيسي)، ففي معظم الأوقات، يتلقى أهالي المعتقلين تأكيدا رسميا بمكان وجود المعتقل ومكان احتجازه، بينما الآن يتمثل الرد الافتراضي للسلطات في إنكار معرفة مكان وجوده.

وأكد لطفي أن النظام المصري الحالي بقيادة عبدالفتاح السيسي يصر على نفي ارتكابه عمليات إخفاء وفي بعض الأحيان يزعم أن المختفين “إرهابيون” فروا من البلاد، غير أن هؤلاء المعتقلين أنفسهم يظهرون في وقت لاحق بالسجون أو أمام النيابة العامة.

وأوضح محمد لطفي: “إذا كان مسؤولو وزارة الداخلية يعرفون مكان المحتجز على عكس عائلته، فهذا يعني أنه لم يختف لأنهم يعرفون مكانه، وهذا بالضبط ما يعنيه الاختفاء القسري”.

بدورها، اعتبرت ياسمين عمر، الخبيرة القانونية في معهد التحرير لسياسة الشرق الأوسط، ومقره واشنطن، أن السلطات القضائية، وخاصة النيابة العامة، “متواطئة” في هذه الجرائم، لأنها لا تحقق وترفض أيضا أخذ شهادة الشخص المختفي حول التعذيب الذي تعرض له لمجرد عدم وجود آثار ظاهرة على جسده.

ولفتت ياسمين إلى أن “الاختفاء القسري يقضي في النهاية على وجود الشخص ويعقد وضعه القانوني”.

وتقول منظمة هيومن رايتس ووتش الحقوقية، إن عائلات الأشخاص المختفين قسريا تعاني من اضطرابات نفسية بطيئة؛ لعدم معرفة ما إذا كان ابنهم أو ابنتهم أو أمهم أو أباهم لا يزالون على قيد الحياة، أو معرفة مكان احتجازه أو كيف يتم معاملته. 

وأوضحت رايتس ووتش أن البحث عن الحقيقة يؤدي أحيانا إلى تعريض الأسرة بأكملها لخطر كبير. وفي كثير من الأحيان، يعيش ذوو المختفين في ألم الانتظار من جراء عدم معرفة ما إذا كان أحباؤهم سيعودون إليهم يوما ما.