التحولات التي تشهدها السعودية بعد تحكم ولي العهد محمد بن سلمان بمقاليد البلاد تماما، أثارت التعليقات بين ثناء ورفض، فيما غابت المناقشات العميقة حول ما يمكن أن تسفر عنه تلك التغيرات.
يخطئ من يظن أن السعودية بعيدة تماما عن خروج انتفاضات ضد نظام الحكم، وهى رؤية قاصرة يحكمها مسألة توافر الأموال في دول الخليج، وبالتالي لا مجال لهبات شعبية هناك.
ولكن تاريخ المملكة الحديث شهد عددا من التحركات ضد حكم آل سعود، بدوافع مختلفة ولكنها في النهاية تشير لوجود حالة غضب مكتوم وشعور بالظلم من سياسات النظام الحاكم بغض النظر عن اسم الملك.
السؤال الأبرز حاليا والذي لن تكون الإجابة عليه سهلة، هو هل تشهد السعودية انتفاضة شعبية أو ثورة على آل سعود؟.
تجارب سابقة
شهدت السعودية عددا من الانتفاضات التي لم تكن لها تأثيرات واسعة على النظام قياسا باستمرار أسرة آل سعود في الحكم حتى الآن.
في العام 1979، اقتحم عدد من المسلحين الحرم المكي وأغلقوا الأبواب خلال عهد الملك خالد بن عبد العزيز، كان لها صدى إقليمي ودولي واسع، خاصة أنها تعلقت بالحرم المكي.
قاد هذه الحركة جهيمان العتيبي لكي يعلن ظهور المهدي المنتظر وهو صهره محمد بن عبد الله، داعيا كل
جهيمان العتيبي
من كان في الحرم لمبايعته، ولكن خلف هذه الحركة المسلحة التي تم التصدي لها من أجهزة الأمن السعودية، عوامل أخرى تتعلق بالفساد والأوضاع في المملكة مثل انتشار أشرطة الغناء.
وهنا هذه الحركة كانت في إطار جماعة تسمى “الجماعة السلفية المحتسبة”، ولكن اتخذت شكلا مسلحا لإعلان رفض نظام حكم آل سعود.
أما في 1995، فكانت المملكة على موعد مع انتفاضة شعبية حقيقية بعيدا عن العمل الجماعي مثلما حدث مع الجهيني، أطلق عليها “انتفاضة بريدة”، وخرجت مظاهرات احتجاجية من قادة وأنصار رموز تيار الصحوة في مدينة بريدة عاصمة منطقة القصيم، اعتراضا على اعتقال الشيخ سلمان العودة والشيخ سفر الحوالي.
الشيخ سلمان العودة
سفر الحوالي
وتجمع المتظاهرون أمام مبنى إمارة القصيم قبل التوجه للاعتصام في مسجد حي الصفراء في بريدة، وانتهت الانتفاضة بحملة اعتقالات وإخماد جذوتها.
التجربة الثالثة في الانتفاضات كانت إبان ثورات العربي في 2011، وكان المكون الأساسي فيها هو الشيعة في المنطقة الشرقية وبعض أهالي المعتقلين في السجون السعودية.
وحاول الملك عبد الله احتواء الموقف لعدم تصاعد الاحتجاجات بشكل يؤدي لتغيير نظام الحكم والمطالبة بالإطاحة بالملك أسوة بما حدث في تونس ومصر وليبيا وسوريا، بإنشاء الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد وصندوق لإعانة العاطلين.
وهنا يظهر بشكل واضح أن السعودية لم تعرف الهدوء التام في مواجهة سياسات أسرة آل سعود، ولكن شهدت انتفاضات إما مسلحة أو سلمية، ولكن في أغلبها لم تكن لتغيير نظام الحكم بقدر ما كانت للضغط لتمرير إصلاحات والتخفيف من معاناة المواطنين وإحراز إصلاحات حقيقية.
تخوفات بن سلمان
مخطط الملك سلمان بن عبد العزيز لتصعيد نجله محمد لسدة الحكم، كان واضحا منذ وفاة الملك عبد الله، وتقلد هو الحكم بحكم أنه كان وليا للعهد، مع تصعيد محمد بن نايف وليا لولي العهد.
لم يمر وقت طويل إلا واعتذر مقرن بن عبد العزيز عن الاستمرار في منصب ولي العهد، ليصعد إليه محمد بن نايف، ويأتي سلمان بنجله وليا لولي العهد، قبل أن يصبح وليا للعهد بعد الإطاحة ببن نايف.
في ظل هذا التحول واستئثار محمد بن سلمان بالحكم بدا أنه يخشى من وجود أي شكل من أشكال المعارضة لشخصه خلال عملية إرساء حكمه الجديد، وسط أنباء عن تنازل الملك سلمان له عن الحكم في حياته.
وحاول ولي العهد استنساخ تجربة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في الحكم، من خلال قمع المعارضة بشتى الوسائل سواء كانت خطرا على نظامه بشكل أساسي أم لا.
حبيب العادلي
وهو ما كشفه حساب “مجتهد” الشهير على موقع “تويتر”، إذ قال إن بن سلمان استعان بوزير الداخلية المصري السابق حبيب العادلي في تأسيس منظومة أمنية تابعة له لقمع المعارضين.
ولكن الأكيد أن محمد بن سلمان كان يخشى من ردود أفعال على قرارات قد يتخذها لترسيخ دعائم حكمه ويترتيب عليها مقاومة أو اعتراضات داخلية، ولذلك اتخذ العديد من الإجراءات التي يعتبر بعضها دخيلا على المجتمع السعودي.
إجراءات دخيلة
وتدفع الإجراءات التي اتخذها محمد بن سلمان باعتباره المتحكم الفعلي في السعودية، باتجاه وجود حالة من الغضب الشعبي في المملكة، وربما تكون مقدمة لأي انتفاضة ضده.
أولا: حملة اعتقالات واسعة:
شن محمد بن سلمان حملة اعتقالات شديدة هى الأعنف في السعودية، إذ نالت عددا كبيرا من الدعاة والأكاديميين والنشطاء والقضاة وبعض الرموز القبلية، لأسباب مختلفة ولكن الهدف الأساسي هو قمع أي أصوات قد تسبب له أزمة في المستقبل.
ولا أحد يعرف مصير المعتقلين وإلى أين ذهبوا؟ وقالت مصادر مقربة من الدكتور سلمان العودة، إن أسرته ممنوعة من التواصل معه وأنها لا تزال تجهل أي شيء عنه أو عن مكان احتجازه بعد اعتقاله بتهمة الصمت عن قطر وعدم مشاركته في الحملة الإعلامية ضدها، خصوصا أنه لا أثر له ولبعض المعتقلين في السجون الرسمية وعلى رأسها سجن الحائر في الرياض.
كما أن السعودية اتخذت عدة قرارات حيال رفع الولاية عن المرأة، إذ تم السماح بقيادة المرأة للسيارة، والحصول على الخدمات دون اشتراط موافقة ولي الأمر، وإعادة بث الأغاني النسائية على التلفزيون الرسمي السعودي وكانت البداية ببث أغاني أم كلثوم، وهو ما وجد اعتراضات في الشارع السعودي بسبب الاتجاه إلى “العلمنة” بشكل سريع.
ثالثا: الإطاحة بمحمد بن نايف:
كما أن الإطاحة بمحمد بن نايف من منصب ولي العهد وتجريده من كل المناصب الأخرى التي كانت يتولاها وعلى رأسها وزارة الداخلية، كان لها أثر داخل المجتمع السعودي، خاصة وأن الرجل كان لديه علاقات قوية مع القبائل ورموز الدولة ومحل تقدير باعتباره الذي أنقذ المملكة من تنظيم القاعدة.
رابعا: جهاز أمني جديد:
واتجه محمد بن سلمان إلى إنشاء رئاسة أمن الدولة وتكون تابعة لمجلس الوزراء، وقال الأمر الملكي إن الجهاز الجديد أنشئ نظرا إلى أن الحاجة أصبحت ملحة في الوقت الراهن، لتعديل الهيكل التنظيمي لوزارة الداخلية السعودية، بما يكفل فصل قطاع الشؤون الأمنية المتعلق بأمن الدولة.
محفزات
كما أن هناك عدة محفزات يمكن أن تكون سببا في اندلاع انتفاضة في أي وقت وربما تكون عفوية خلال الفترة المقبلة، إذا ما استمرت إجراءات محمد بن سلمان والضغط بصورة أكبر على الشارع السعودي.
وربما تمثل محاولة السعودية تجميع صفوف المعارضة بالخارج في مبادرة “مواطنون بلا قيود” وعقد أول مؤتمر لها في أيرلندا خلال الأيام القليلة الماضية، نقطة تحول في إمكانية وجود روابط مع بعض الأشخاص في الداخل رفضا لسياسات القمع، مع الوضع في الاعتبار وجود أشخاص وكيانات قائمة بالفعل تتعرض لأوضاع حقوق الإنسان في الداخل.
لافتة لمؤتمر المعارضة السعودية بالخارج
وعلى الرغم من أن الاعتقالات التي قام بها محمد بن سلمان تنال شخصيات بارزة دون أفراد من الشعب، إلا أن هؤلاء الأشخاص لديهم تأثيرات كبيرة على قطاع لا يستهان به من المؤيدين والمحبين خاصة أن بهم عددا كبيرا من الدعاة واسعي التأثير، ولكن إذا ما تطورت حملة بن سلمان لتشمل جمعا من المواطنين فإن هذا يمثل تحفيزا كبيرا لاندلاع أي انتفاضة ضده.
الأوضاع الاقتصادية التي بدأت في التراجع بالمملكة خلال الأعوام القليلة الماضية، سيكون لها تأثير إذا لم يتم تداركها خاصة مع ارتفاع معدل البطالة إلى 12.7%، أغلبهم من الشباب.
وتقول الباحثة الأمريكية كارين إليوت هاوس، في دراسة لها، إن توقف الحكومة السعودية عن دفع الأموال للمواطنين، وتأمين وظائف لهم سيكون له تأثير كبير على الولاءات السياسية، واستمرار استقرار حكم آل سعود، خصوصا أن حملة الاعتقالات وإسكات الأصوات المعارضة التي شهدتها السعودية مؤخرا جاءت بسبب حالة التقشف.
وأخيرا فإن هناك تخوفات لدى مراقبين، أن يكون تلاعب محمد بن سلمان في الهوية السعودية والعمل على تغيير البنية الفقهية والفكرية التي تكونت منذ تأسيس المملكة بمحاولة عنيفة للتحول إلى “العلمنة” قد تسرع عدم الاستقرار في السعودية خلال الفترة المقبلة، في ظل رفض المجتمع المحافظ لهذه الخطوات بما يدفع إلى تزايد الغضب تجاه الحكم الحالي، وربما يؤثر باتباع خطوات أكثر عنفا.
ولا يمكن استبعاد إمكانية الرد العنيف من قبل بعض الرافضين لسياسات العلمنة، وأن تشهد المملكة موجة من العنف يقوم بها بعض المتدينين وأتباع بعض التنظيمات المسلحة، خاصة بعد الهجوم على قصر السلام في جدة.
اضف تعليقا