بعد شهرين من إعلان الإمارات العربية المتحدة عن تطبيع علاقتاها مع إسرائيل، بدأت وسائل الإعلام السعودية الخاضعة رسمياً لسلطة الدولة في تغيير نغمتها تجاه إسرائيل مرحبة بفكرة إقامة علاقات رسمية معها، لتقدم دليلاً على أن المملكة بصدد اتخاذ نفس الخطوة التي سبقتها إليها جارتيها، الإمارات والبحرين.

لم تصرح السعودية رسمياً بعد بأي خطط لتطبيع العلاقات مع إسرائيل، ولكن في الشهر الماضي، نشرت أكبر صحيفة يومية في المملكة، عرب نيوز، المقالة الافتتاحية لرئيس التحرير “فيصل عباس” أشاد خلالها بعلاقات الإمارات الجديدة مع إسرائيل، بل ووجه انتقادات لاذعة للقادة الفلسطينيين بسبب موقفهم الرافض لتطبيع الإمارات مع إسرائيل.

موقف الإعلام السعودي يأتي متزامناً مع تصريحات كبار رجال الدولة التي تشجع بصورة أو بأخرى على تطبيع العلاقات بصورة رسمية مع إسرائيل.
الأسبوع الماضي على سبيل المثال، قام الأمير بندر بن سلطان، السفير السعودي السابق في واشنطن وأحد كبار الشخصيات السياسية في المملكة، بمهاجمة القادة الفلسطينيين وانتقادهم بشدة في مقابلة بثت على قناة العربية -محطة تلفزيونية مملوكة للسعوديين- بسبب إدانتهم لاتفاقات التطبيع التي أبرمتها الإمارات والبحرين مع إسرائيل، بل وحملهم مسؤولية تأخير تحقيق السلام حتى الآن.

تصريحات بندر اللاذعة انتشرت على نطاق واسع في وسائل الإعلام السعودية، بل تم إنشاء موقع ويب “رأي بندر” لعرض هذا الموضوع فقط، والدفاع عن آرائه ووجهة نظره ومحاولة إقناع الجمهور بها.

على النقيض من ذلك، لم تنشر وسائل الإعلام السعودية مقابلة أجراها الأمير تركي الفيصل – رئيس المخابرات السعودية لمدة عقدين من الزمن وأحد أعمدة العائلة الملكية السعودية – مع صحيفة إماراتية كان فيها أكثر انتقادًا لإسرائيل.

قالت إلهام فخرو، المحللة الخليجية البارزة في مجموعة الأزمات الدولية، إن وسائل الإعلام السعودية يعكس لهجة وسياسة الدولة من التطبيع مع إسرائيل في أعقاب الاتفاق الإماراتي، مضيفة وقال h2ن الأغلبية الساحقة من وسائل الإعلام احتفالية بالاتفاق.

في الآونة الأخيرة، ركزت المملكة العربية السعودية جهودها على الاستفادة من تأثير “القوى الناعمة”، في إيصال رسائلها ونشر أجندتها، على سبيل المثال، اشترى مستثمر سعودي حصة في صحيفة الاندبندنت البريطانية، كما قامت عرب نيوز بإضافة إصدارات جديدة بلغات أجنبية مختلفة.
جميع تلك الصحف، وبدرجات متفاوتة، يشيدون بمواقف النظام الحاكم، وخاصة فيما يتعلق بالتطبيع.

على سبيل المثال، نشرت صحيفة عرب نيوز مقال رأي في أغسطس/آب بقلم رونالد لودر، رئيس المؤتمر اليهودي العالمي، أشاد خلاله بصفقة التطبيع بين الإمارات وإسرائيل، ووصفها بأنها “بداية سلام على مستوى المنطقة”.
في الشهر التالي، في رأس السنة اليهودية الجديدة، غيرت عرب نيوز صورتها على تويتر إلى رسالة تهنئة باللغة العبرية، في خطوة أكدت “فخرو” أنها الأولى من نوعها، ولم تحدث من قبل، بل لم يكن لأحد أن يتخيل أن يحدث هذا في يوم من الأيام.

نهج المملكة العربية السعودية تجاه إسرائيل تغير بصورة كلية بعد صعود ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، الذي اعترف علناً بحق الإسرائيليين في العيش في “أرضهم” مع الفلسطينيين، على عكس والده الملك سلمان، الذي عُرف بموقفه الداعم للقضية الفلسطينية والمؤيد لحق الفلسطينيين في إقامة دولة مستقلة.

النغمة الجديدة المرحبة بالتطبيع لم تقف عند حدود وسائل الإعلام وحسب، بل تجاوزتها لأبعد من ذلك. على سبيل المثال، قام إمام الحرم المكي بإلقاء خطبة مطولة عن العلاقات الودية للنبي محمد مع اليهود، وهو ما علقت عليه إلهام فخرو قائلة: “هناك سياسة منسقة من الدولة السعودية لتغيير المفاهيم المحلية لكل من اليهودية ودولة إسرائيل، ربما لتمهيد الطريق لاتفاق مستقبلي”.

من جانبهم، أكد العاملون في وسائل الإعلام السعودية إنهم لم يتلقوا توجيهات صريحة من الإدارة لتغيير لهجتهم لكنهم يعلمون أنه من المتوقع أن يصوروا اتجاه التطبيع بشكل إيجابي.

قال شخص يعمل لدى إحدى أكبر المؤسسات الإعلامية في المملكة العربية السعودية وتحدث شريطة عدم الكشف عن هويته خوفاً من عواقب الأمر: “نحن لا نتظاهر حتى بأننا غير متحيزين”، مضيفاً “إن أي فكرة خبرية تنتقد عملية التطبيع يجب استبعادها … كما أنه لا يسمح لنا بقول أي شيء سلبي بشأن صفقات التطبيع الإماراتية الإسرائيلية”.

للاطلاع على النص الأصلي من المصدر اضغط هنا