يبدي الأردن قلقه البالغ من تهديد “الوصاية الهاشمية” على المقدسات، التي يعتبرها الأردنيون “خطا أحمر”، حيث دأبت تل أبيب على استخدامها كورقة ضغط على عمّان في محاولة للَي ذراعها، وتليين موقفها المتصلب، من بعض السياسات والخطط الإسرائيلية، منها ضم أجزاء من الضفة الغربية.

وفي يونيو الماضي، كشفت صحيفة “إسرائيل اليوم” المقربة من رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، عن وجود محادثات سرية أجريت بين كل من إسرائيل والسعودية، لمنح الرياض موطئ قدم في إدارة دائرة الأوقاف بالمسجد الأقصى المبارك.

وقالت الصحيفة إن هذه المفاوضات جاءت في إطار تطبيق خطة السلام الأميركية،  المعروفة بـ”صفقة القرن”، مشيرة إلى أنه لم يتضح بعد إذا كانت هذه الاتصالات السعودية الإسرائيلية قد أثمرت عن شيء.

كما زعمت “إسرائيل اليوم”، أن التحرك السعودي تجاه القدس، جاء ردا على  الحراك التركي الذي بدأ يتصاعد خلال الفترة الماضية، حيث تنشط العديد من منظمات التركية في المدينة، والتي تعمل على إنشاء مؤسسات، وإنفاق ملايين الدولارات هناك.

وصرح دبلوماسي عربي للصحيفة: “إذا سمح الأردنيون للأتراك بالتوسع في الحرم الشريف فإنه دوره سيبقى محدودا على الورق، ولهذا هم بحاجة للمال والتأثير السعودي لوقف توسع أردوغان”، وأضاف أن “إسرائيل والولايات المتحدة لديها مصلحة بالدعم السعودي من أجل تمرير صفقة القرن” الأميركية، وضم أجزاء كبيرة من الضفة الغربية، ومنطقة غور الأردن، إلى السيادة الإسرائيلية”.

ابتزاز للأردن

يرى مراقبون أن التسريبات الإسرائيلية تهدف إلى ابتزاز العاهل الأردني، الملك عبد الله الثاني، شخصيا، باعتباره صاحب الوصاية الشرعية على المقدسات الإسلامية بالمدينة المقدسة المحتلة، وذلك ردا على رفضه المتكرر للأفكار الإسرائيلية المتعلقة بضم منطقة غور الأردن.

ففي 15 مايو/أيار الماضي، حذر الملك، من “صدام كبير” ومزيد من الفوضى والتطرف في المنطقة، إذا ما ضمّت إسرائيل أجزاءً من الضفة الغربية، وغور الأردن.

وردّا على سؤال طرحته مجلة “ديرشبيغل” الألمانية، عمّا إذا كانت عمّان ستعلق العمل بمعاهدة السلام مع إسرائيل، قال الملك عبدالله: “لا أريد أن أطلق التهديدات أو أن أهيئ جوا للخلاف والمشاحنات، ولكننا ندرس جميع الخيارات. ونحن نتفق مع بلدان كثيرة في أوروبا والمجتمع الدولي على أن قانون القوة لا يجب أن يطبق في الشرق الأوسط”.

وأكد الملك أن “حل الدولتين” هو السبيل الوحيد الذي سيمكن المضي فيه قدما. متسائلا: هل التوقيت مناسب فعلا لمناقشة ما إذا أردنا حل الدولة الواحدة أو حل الدولتين لفلسطين وإسرائيل، ونحن في خضم المعركة ضد جائحة كورونا؟ أم هل ينبغي علينا أن نناقش كيف بإمكاننا مكافحة هذا الوباء؟”

وتابع العاهل الأردني: “إن القادة الذين يدعون لحل الدولة الواحدة لا يعلمون تبعاته، ماذا سيحصل إذا انهارت السلطة الوطنية الفلسطينية؟ سنشهد مزيدا من الفوضى والتطرف في المنطقة. وإذا ما ضمّت إسرائيل بالفعل أجزاءً من الضفة الغربية في تموز، فإن ذلك سيؤدي إلى صِدام كبير مع المملكة الأردنية الهاشمية”.

رغبة إسرائيلية

خلال لقاء مع صحيفة “إيلاف” السعودية، في 9 يناير/كانون ثاني 2018، شدد زعيم المعارضة الإسرائيلية “إسحاق هيرتسوغ” على ضرورة أن يكون للسعودية دور في الأماكن المقدسة بالقدس؛ لكونها الدولة التي تضم أقدس أماكن الإسلام، ولها تجربة في إدارة الأماكن المقدسة في مكة والمدينة”.

فيما كشفت دراسة صادرة عن مركز “بيغن السادات للدراسات الاستراتيجية” الإسرائيلي، في يوليو/تموز 2018، إن سعي السعودية لانتزاع الإشراف على المقدسات بالقدس يهدف إلى دفع الخطة الأميركية لتسوية الصراع الفلسطيني الإسرائيلي.

وأوضحت الدراسة أن الرياض، وحليفتها أبوظبي، قامتا بـ”بتعظيم حالة عدم الاستقرار في الأردن”، حيث تعتقد قيادة البلدين أنه كلما زادت حالة عدم الاستقرار في البلاد انخفض مستوى ممانعة الحكم في عمان لـ”صفقة القرن”.

كما شددت الدراسة على أن المملكة السعودية ترى في الإشراف على الأماكن المقدسة مظهرا من مظاهر “الدبلوماسية الدينية”، التي يمكن أن تعزز حضورها الإقليمي والدولي.

ولم يُخفِ مقربون من الحكومة السعودية، رغبة بلادهم في استبدال “الوصاية الهاشمية” على المقدسات الإسلامية في القدس، بوصاية سعودية.

ففي مداخلة على قناة “i24NEWS Arabic” العبرية، في 24 يوليو/تموز 2019، اتهم الكاتب السعودي، عبدالحميد الغبين، الأردن، بالفشل الذريع إدارة هذه المقدسات، وطالب بنزع “الوصاية الهاشمية” عنها، ونقل إدارتها للسعودية.

نفوذ تركي

ورغم نفي مسؤولين أردنيين في عام 2018 وجود أي مخاوف من منافسة الأتراك لهم في رعاية المسجد الأقصى وأوقاف القدس، إلا أن صحيفة “إسرائيل اليوم” تحدثت عن نشاط تركي متزايد في القدس الشرقية، لمنع تهويدها.

وتقول الصحيفة إن ذراع أنقرة في القدس هي وكالة التعاون والتنسيق التركية (TIKA)، التي تمولها الحكومة التركية، وتهدف إلى الحفاظ على التراث العثماني في المدينة القديمة، والتي ظلت تحت حكم الدولة العثمانية حتى عام 1917.

وبحسب الصحيفة العبرية فقد مولت وكالة (TIKA) مشاريع بقيمة 12 مليون دولار سنويا لمنع تهويد القدس، عبر دعم المدارس وتقديم المعونات والحفاظ على المنازل القديمة، فضلا عن منح تصاريح عمل لمعلمين أتراك يقومون بتعليم اللغة التركية للمقدسيين.

من جهته، نفى السفير التركي في عمّان، إسماعيل أراماز، ما أوردته تسريبات الإعلام الإسرائيلي، مؤكدا أنها مجرد “إشاعة تهدف إلى تشتيت الأنظار عن استعدادات إسرائيل لضم الضفة الغربية والأغوار، وهو ما يتعارض مع القانون الدولي”.

وجدد السفير التركي دعم بلاده وبقوة لدور الأردن في حماية الأماكن المقدسة. لافتا إلى أن أنقرة تعتقد بأن “الأردن يقوم بتحمل مسؤوليته على أفضل وجه”.

بدوره، حذر رئيس المكتب السياسي لحركة “حماس”، إسماعيل هنية، تل أبيب من محاولة فرض ما أسماه “مخططاتها الخبيثة” تجاه الفلسطينيين والمسجد الأقصى، في ظل انتشار فيروس كورونا.

وقال هنية، خلال بيان له: “نحذر الاحتلال الصهيوني من محاولة فرض مخططاته الخبيثة مستغلا تداعيات فيروس كورونا لتمريرها”. وأكد هنية أن “هذه المخططات لن تمر، ولن تُفرض على شعبنا وفي أرضنا ومقدساتنا”.

كما طالب هنية، العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني، وقادة وزعماء الدول العربية والإسلامية كافة، بتحمل المسؤولية الدينية والتاريخية تجاه ما يجري في المسجد الأقصى، والتحرك في مختلف الاتجاهات لوقف المخططات الصهيونية ومنعها.