يوما بعد الآخر، يستمر الغرق السعودي في مستنقع اليمن، فرغم مرور عام كامل على الاتفاق الذي رعته السعودية بين الحكومة اليمنية والمجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم إماراتياً، إلا أن تقدماً لم يذكر، ما يزيد من دوامة الصراع والاقتتال داخل البلاد، ليضاف ذلك إلي السجل المليء بالفشل لولي العهد السعودي محمد بن سلمان حسب ما يري مراقبون.
فشل جديد
ورغم أنه كان من المفترض ألا يمر اليوم الخامس من عام 2020 إلا وقد اكتمل تنفيذ “اتفاق الرياض” بجميع بنوده الموقع عليها، وفي مقدمتها تشكيل حكومة مناصفة بين شمال اليمن وجنوبه، وتعيين محافظين جدد للمدن الجنوبية، وإعادة تشكيل قوات الجيش والأمن، غير أن ذلك لم يتحقق.
وفي منتصف يناير الماضي، وُقّع اتفاق تفصيلي ضمن “اتفاق الرياض” يشمل مصفوفة الانسحابات المتبادلة، وعودة القوات إلى مواقع متفق عليها، وتبادل الأسرى، وتعيين محافظ ومدير أمن لمحافظة عدن، غير أنه لم يرَ النور أيضاً.
لم يتوقف الأمر عند ذلك، ففي 25 أبريل الماضي، أعلن المجلس الانتقالي حكماً ذاتياً من خلال فرض سيطرته على المحافظات الجنوبية، وسط صمت من السعودية راعية “اتفاق الرياض”.
وفي 19 يونيو 2020، بسطت قوات المجلس الانتقالي الجنوبي سيطرتها على محافظة أرخبيل سقطرى، رغم انتشار القوات السعودية في الجزيرة.
ونهاية يوليو 2020، أعلن التحالف العربي بقيادة السعودية آلية لتسريع تنفيذ اتفاق الرياض؛ تتضمن تخلي الانتقالي عن الإدارة الذاتية، وتشكيل حكومة كفاءات مناصفة بين الشمال والجنوب، وخروج القوات العسكرية من عدن، وفصل قوات الطرفين في (أبين).
وبناءً على آلية تسريع تنفيذ اتفاق الرياض كان يُفترض تشكيل الحكومة الجديدة، نهاية أغسطس الماضي، لكن الأمر يواجه عقبات كبيرة وسط تباين الرؤى بين الطرفين حتى اليوم، حيث تصر الحكومة على ضرورة تنفيذ المجلس الانتقالي للشق العسكري من اتفاق الرياض، ثم بدء ترتيبات تشكيل الحكومة الجديدة، بينما يتمسك المجلس بتشكيل الحكومة أولاً، ثم الشروع بترتيبات الملف الأمني والعسكري.
وحاولت السعودية من خلال اتفاق الرياض تأكيد نفوذها في اليمن، بيد أنها تواجه فشلاً جديداً يثبت واقع افتقارها إلى القدرة على متابعة الاتفاقات، فقد مر عام عليه ولم تستطع تنفيذه حتى الآن.
وتحاول الرياض إرضاء الانفصاليين عبر الخضوع لمطالبهم، وسبق أن اتهم سفيرها في اليمن محمد آل جابر، القوات الحكومية بخرق اتفاق الرياض والإعلان عن ساعة الصفر لاجتياح عدن، ودعاها للتوجّه إلى مأرب والجوف، في تبنٍّ ضمني للخطاب الذي ينادي به القادة الانفصاليون بانسحاب قوات الشرعية من محافظات الجنوب حتى يكون باستطاعتهم بسط السيطرة الكاملة عليها.
وعلاوة على ذلك باتت السعودية حالياً واحدة من بين العديد من القوى الإقليمية المتنافسة في اليمن، وهو ما يزيد من غضب اليمنيين تجاه الرياض، التي كانوا يأملون في مساعدتها لتخليصهم من الحوثيين، ليجدوا أنفسهم أمام انقلاب جديد في عدن، ومحاولات سعودية إماراتية للسيطرة على السواحل والجزر اليمنية.

تغول إماراتي
وعلي عكس ما نص عليه اتفاق الرياض، فقد شهد العام الماضي تغولاً كبيراً للقوات الإماراتية وخصوصاً في جزيرة سقطري الجنوبية، وسط اتهامات للسعودية بخيانة الحكومة اليمنية، وتسهيل السيطرة الإماراتية علي الجزيرة، حيث سيطر المجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم إماراتيا في 19 حزيران/ يونيو الماضي على محافظة سقطرى، بعد قتال ضد القوات الحكومية.
ومؤخراً، هاجم مسؤول حكومي يمني رفيع الإمارات، معتبرا إياها “دولة احتلال”، داعيا إلى “مقاومتها وإعلان الحرب عليها”.

يأتي ذلك وفق ما نشره مستشار وزير الإعلام مختار الرحبي، على حسابه في “تويتر”، قائلا إن “ما تقوم به الإمارات في جزيرة سقطرى من حجز مساحات شاسعة من الأراضي، والشروع في بناء قواعد عسكرية بالتعاون مع الكيان الصهيوني يجعلها دولة احتلال”.

وتابع: “المحتل ليس له إلا المقاومة والحرب حتى خروج آخر جندي إماراتي محتل من أرض اليمن”.
وفي وقت سابق، قال الأرحبي، إن أرخبيل سقطرى أصبح خاضعا لسيادة إماراتية كاملة، واتهمها بالعمل على فصل المحافظة عن اليمن، وإنشاء قواعد عسكرية فيها.

واتهمها، بـ”السعي إلى التحكم الكامل في المجالين الجوي والبحري للأرخبيل، والاستيلاء على موارده الطبيعية، ونقل كثير من النباتات والمعادن والأحجار النادرة إلى أبوظبي”.

وجاء حديث الرحبي، عقب أنباء عن إرسال الإمارات خبراء إسرائيليين إلى جزيرة سقطرى الاستراتيجية جنوب شرق البلاد، حيث كشف موقع “إنتليجنس أونلاين” أن الإمارات وإسرائيل حريصتان على التواجد الدائم في سقطرى، وبدأتا بالفعل إجراءات لإقامة قواعد استخباراتية وعسكرية هناك، حيث ستكون القواعد في منطقتي “زافل شرقا” و”قطينان” غربي الجزيرة.
وقال الموقع نقلا عن مصادر مطلعة أنه “طُلب من “المجلس الانتقالي الجنوبي”، الذي سيطر على سقطرى في 20 يونيو الماضي، تسهيل الزيارات والأعمال التحضيرية للقواعد العسكرية.
وكشف أن الوفود الإماراتية والإسرائيلية “دخلت البلاد دون أي عمليات تفتيش على الحدود في الجزيرة على الرغم من أن قطاعا من المجلس الانتقالي الجنوبي كان معاديا بشكل علني لوصول الضباط الإسرائيليين”
تصاعد الانتهاكات
وبدلاً من أن يخفف الاتفاق من معاناة اليمنيين، تصاعدت الانتهاكات الجسيمة بحق المدنيين سواء من قبل المجلس الانتقالي التابع للإمارات أو القوات الحكومية التابعة للسعودية، حيث قالت منظمة العفو الدولية، في تقريرها، مؤخرا، إن الحرب في اليمن لا تظهر لها أي مؤشرات حقيقية على الانحسار مع دخوله عامها السادس، ولا يزال المدنيون من جميع أنحاء البلاد والأجيال يتحملون وطأة الأعمال القتالية العسكرية والممارسات غير القانونية للجماعات المسلحة الحكومية وغير الحكومية على حد سواء.
وتُرتكب انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، بما في ذلك ما قد يصل إلى جرائم حرب، في جميع أنحاء البلاد. وبنهاية 2019، تشير التقديرات – حسب المنظمة الدولية – إلى أن أكثر من 233 ألف يمني لقوا مصرعهم نتيجة القتال والأزمة الإنسانية.
واشتدت أزمة إنسانية من صنع الإنسان مع ما يقرب من 16 مليون شخص يستيقظون جوعى كل يوم
واتهمت منظمة حقوقية، الخميس، المجلس الانتقالي الجنوبي في اليمن، بارتكاب انتهاكات عديدة في أرخبيل سقطرى.
ومن بين الانتهاكات التي قالت إن “الانتقالي” ارتكبها في جنوب شرقي البلاد، اعتقالات تعسفية، وطرد لمعارضين من وظائفهم.

وقالت منظمة “سام للحقوق والحريات” (غير حكومية- مقرها جنيف)، في بيان، إن “مليشيا المجلس الانتقالي تنتهك حقوق الإنسان في سقطرى منذ سيطرتها على الجزيرة في 19 يونيو/ حزيران الماضي”.
وأضافت أن “مليشيا المجلس، المدعومة إماراتيا، اعتقلت تعسفيا، الثلاثاء، الدكتور أحمد سالم العامري، أستاذ الأدب بكلية التربية في سقطرى من مقر عمله، واحتجزت حريته خمس ساعات، بسبب نشر رأي عن أوضاع الجزيرة”.

واعتبرت أن هذا الإجراء يمثل تدهورا مقلقا وانتهاكا صريحا للقانون اليمني والقانون الدولي الإنساني.

كما أفادت المنظمة بأنها “رصدت طرد معارضين لمليشيا المجلس الانتقالي من وظائفهم، والقيام باعتقالات تعسفية طالت العديد من النشطاء والمعارضين، كان آخرها اعتقال مدير ميناء سقطرى، رياض سعيد سليمان، الأحد الماضي”.

وتابعت: “في 9 أيلول/ سبتمبر الماضي، اعتقلت الانتقالي كلا من أحمد حديد خميس، وسعد أحمد محمد القدومي، ورمزي جمعان محمد، على خلفية مشاركتهم في تظاهرة سلمية خرجت في مديرية قلنسية”.

وشددت المنظمة الحقوقية على أن “الانتقالي ترتكب هذه الانتهاكات في ظل وجود ودعم من القوات السعودية، التي يزيد عدد أفرادها على ألف جندي”.