تظهر انعكاسات حصار دول (السعودية والإمارات والبحرين) لقطر وقطع العلاقات معها منذ يونيو الماضي، جلية على مجلس التعاون الخليجي، بالشكل الذي يضر بمصالح الدول الأعضاء والسبب الذي تواجد لأجله المجلس بما يهدد بتفسخ المجلس.

وجاءت قرارات دول الحصار الخليجية الثلاثة متناقضة مع ما جاء في النظام الأساسي لمجلس التعاون والذي نص في الديباجة على “إدراكا منها لما يربط بينها من علاقات خاصة وسمات مشتركة وأنظمة متشابهة أساسها العقيدة الإسلامية، وإيمانا بالمصير المشترك ووحدة الهدف التي تجمع بين شعوبها، ورغبة في تحقيق التنسيق والتكامل”.

وباتت القمة الخليجية المقبلة والمقرر عقدها في الكويت خلال شهر ديسمبر المقبل في مهب الريح، من دون معرفة: هل سيتم تأجيلها لأجل غير مسمى نظرا للخلافات بين الدول الأعضاء أم ستحل الأزمة قبلها؟.

قمة الكويت

الكويت التي تستضيف القمة الخليجية المقبلة، أبدت الاستعداد الكامل للاستضافة والتجهيز للقمة على أمل انعقادها في الوقت المقرر لها، ولكن من دون مؤشرات حقيقية حتى الآن على إتمامها.

وسيكون المؤشر الرئيسي حيال انعقاد القمة من عدمها هو الاجتماع الوزاري التحضيري لها، والذي يسبق انعقاد قمة رؤساء الدول الأعضاء الستة.

وفي حين لا يفصلنا عن القمة الخليجية سوى شهرين أو أقل، تنامت أحاديث عن صعوبة انعقاد القمة في ظل الخلافات الشديدة والتلاسن بين دول الحصار والمسؤولين في قطر، رغم إبداء الأخيرة استعداداها للحوار وإجراء اتصال هاتفي من أمير قطر تميم بن حمد آل ثاني بولي العهد السعودي محمد بن سلمان، للاتفاق على الحوار.

ولكن تراجع بن سلمان عن مسألة الحوار متحججاً بأمور تتعلق بتناول الإعلام القطري مسألة الاتصال الهاتفي.

نائب وزير الخارجية الكويتي، خالد الجار الله، قال إن بلاده مستعدة لاحتضان القمة الخليجية، مؤكدا أن الوساطة الكويتية في الأزمة الخليجية مستمرة.

وأضاف أنه ليست هناك اتصالات مع رؤساء دول مجلس التعاون بشأن انعقاد القمة، ولكن من الطبيعي البقاء على أهبة الاستعداد لها.

وينذر استمرار الأزمة القائمة بين دول مجلس التعاون الأربعة ببتأجيل القمة الخليجية إلى أجل غير مسمى، انتظارا لتنقية الأجواء بين الأطراف.

ويبقى انعقاد القمة في موعدها مرتبطا بقدرة الكويت باعتبارها طرفا وسيطا على تصفية تلك الأجواء خلال فترة أقل من شهرين.

مساعي الحل

الكويت أخذت على عاتقها منذ بداية الأزمة بين قطر ودول الحصار، محاولة تقريب وجهات النظر والوساطة لحل الأزمة في أسرع وقت ممكن، ولكن من دون نتائج ملموسة على أرض الواقع.

ولكن الكويت مضطرة لمواصلة هذه المحاولات لإنهاء الخلافات منعا لتفسخ مجلس التعاون الخليجي فعليا دون أن يأخذ الشكل الرسمي.

ونقلت صحيفة “الرأي” الكويتية عن مصدر دبلوماسي رفيع المستوى قوله إن الكويت ستبدأ خلال أيام إيفاد مبعوثين إلى دول مجلس التعاون، لتسليم رسائل إلى القادة الخليجيين تتعلق بانعقاد القمة الخليجية المقررة في ديسمبر المقبل.

هذه الخطوة من شأنها استطلاع رأي دول الحصار حول موقفها من حضور القمة الخليجية، والذي يحتمل أن يكون إما بالرفض الصريح للحضور في ظل وجود قطر، أو عدم الرد بشكل قطعي بانتظار ما تسفر عنه جهود الكويت في هذا الصدد.

وفي كل الأحوال فإن جهود الكويت مستمرة في حل الأزمة الخليجية، بيد أن تعنت دول الحصار يهدد بعدم وجود بوادر الحل قريبا بالشكل الذي يمهد لانعقاد القمة.

وتصر دول الحصار على تلبية قطر لقائمة المطالبة الـ13 التي تسلمتها الكويت لإرسالها لقطر، وجاء رد الدوحة بالرفض باعتبارها مطالب تتعلق بالسيادة.

وبدت الكويت في الآونة الأخيرة متفائلة بانفراجة وليس حلا كاملا للأزمة قبل القمة الخليجية، من دون تقديم توضيح حول سر هذا التفاؤل، والذي جاء على لسان  سفير الكويت لدى مملكة البحرين عزام الصباح، الذي أكد أن القمة الخليجية في الكويت ستفتح صفحة مضيئة في مسيرة التعاون الخليجي، وأنها ستشهد نهاية مفرحة للاختلافات الخليجية.

وأكد عزام أن حكمة قادة مجلس التعاون وحرصهم على تعزيز اللحمة الخليجية لمواجهة التحديات الاستراتيجية المتصاعدة في المنطقة ستعزز أجواء التفاؤل، وأن الأيام المقبلة ستشهد تحركات دبلوماسية في هذا الإطار.

 

سيناريو 2014

مبعث الكويت للتفاؤل يظهر من خلال إمكانية تكرار سيناريو 2014، إذ تم حل الأزمة بين السعودية وقطر قبل انعقاد القمة الخليجة في الدوحة.

وكانت القمة الخليجية مهددة حينها أيضا بسبب خلافات بين البلدين، إذ استقبل الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود أمير قطر في الرياض وتم توقيع اتفاق الرياض وإنهاء الخلافات الخليجية.

وبالفعل تم التجهيز للقمة الخليجية بعد طي صفحة الخلافات قبل نحو شهر من موعد الانعقاد في الدوحة، خاصة أن القمة كان مقرر أن تكون في قطر.

ويبقى السؤال هل يمكن ألا تحضر قطر القمة الخليجية المقبلة؟ الأقرب أن الدوحة لن تقدم على هذه الخطوة باعتبار أنها هي التي تتعرض لضغوط وحصار من الدول الثلاثة الخليجية.

فرصة دول الحصار

وربما تسعى الكويت من خلال القمة الخليجية إلى إقناع دول الحصار بالحضور إلى القمة بشكل طبيعي مع إمكانية ترتيب لقاءات على هامشها بين أطراف الأزمة لحل الخلافات على طاولة المفاوضات، وربما يدعم هذا التوجه ترحيب سعودي بهذه الخطوة وهو ما ظهر في الاتصال الهاتفي مع أمير قطر.

يهدد هذا الاحتمال أن الإمارات ومصر يضغطان على السعودية لعدم اتخاذ هذه الخطوة واستمرار الضغط على الدوحة خلال الفترة المقبلة، لتنفيذ كامل المطالب.

ولكن مع طول أمد الأزمة واستمرار الحصار وتعامل الدوحة معه بشكل واقعي وتدبير أمورها الداخلية، بدا أن هذه الضغوط لن تفيد أكثر مما تضر، باتجاه قطر إلى تركيا وإيران، وهو أحد الانعكاسات السلبية للأزمة.

ولن تجد دول الحصار فرصة أفضل من القمة الخليجية، خاصة أنها مناسبة تتعلق بالدول الخليجية، وبالتالي ليس هناك غضاضة في الحضور.

لكن إن تعنتت دول الحصار في الحل من أجل مزيد من الضغط على الدوحة، ورفضت حضور القمة الخليجية، فذلك يعزز من فرضية “تفسخ” المجلس، في وقت تشهد فيه المنطقة تحولات كبيرة، وتحديدا بشأن التمدد الإيراني بالمنطقة.

 

دور غائب

ولكن بدا أن دور مجلس التعاون الخليجي غائب تماما في أزمة دول الحصار، خاصة مع إمكانية اللجوء لحل الخلافات الداخلية في إطار المجلس من خلال هيئة تسوية المنازعات والتي تنظر في أي خلاف حول النظام الأساسي للمجلس.

وينص النظام الأساسي في مادته العاشرة على اختصاصات الهيئة: “إذا نشأ خلاف حول تفسير أو تطبيق النظام الأساسي ولم تتم تسويته في إطار المجلس الوزاري أو المجلس الأعلى، فللمجلس الأعلى إحالته إلى هيئة تسوية المنازعات”.

وتتهم دول الحصار قطر بمخالفة النظام الأساسي للمجلس من خلال الإضرار بالدول الثلاثة والتدخل في الشؤون الداخلية، وبالتالي كان على “السعودية والإمارات والبحرين” اللجوء إلى هيئة التسوية، وبالطبع هذا لن يكون مؤثرا خاصة أن الإجراءات التي تم اتخاذها لن تأتي في سياق المجلس، وبالتالي كان هناك تفضيل لعدم الدخول إلى هذه المساحة.