قبل شهرين، صوت الوفد الفرنسي في البرلمان الأوروبي بأكمله -باستثناء عضواً واحداً- ضد فرض رقابة واسعة على صادرات الأسلحة بعد أن اقترح الأعضاء اجراء تعديل ضمن تقرير أكبر عن صادرات الأسلحة يهدف إلى فرض المبادئ التوجيهية على مستوى الاتحاد الأوروبي بشأن صناعة بمليارات اليورو تزود دولًا مثل المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة بالأسلحة.

تُعرف المبادئ أيضاً باسم الموقف المشترك للاتحاد الأوروبي، وهي قواعد ملزمة قانونًا للتأكد من عدم قتل الأبرياء بأسلحة أوروبية الصنع، ويتم تطبيق القواعد من قبل السلطات الوطنية في كل دولة عضو مع اختلاف درجة التطبيق.

وبحسب بعض التقارير الأوروبية ذات الصلة، فإن فرنسا تعد من أكثر الدول تساهلاً في تطبيق تلك المبادئ وفرض الرقابة على صادرات الأسلحة.

إن تصويت أعضاء البرلمان الأوروبي الليبراليين الفرنسيين، وكثير منهم من حزب الرئيس إيمانويل ماكرون، ضد فرض رقابة أوسع من الاتحاد الأوروبي على صادرات الأسلحة ليس مفاجئاً، ففرنسا باعت أسلحة بمليارات اليورو إلى المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، على الرغم من عدم توقف اتهام البلدين بارتكاب جرائم حرب في اليمن، حيث قُتل أكثر من 12000 مدني في هجمات مستهدفة منذ اندلاع الحرب في عام 2014.

كما أدى القتال في اليمن إلى نزوح ملايين الأشخاص، وتسبب في مجاعة قتلت -بحسب التقارير- حوالي 85000 طفل في غضون ثلاث سنوات.

الرفض الفرنسي لمشروع القرار يطرح أسئلة حول كيفية استمرار الحكومة الفرنسية في توريد الأسلحة وبيعها إلى المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، مع الالتزام في الوقت نفسه بالقانون الإنساني الدولي كما هو مطلوب من قبل الاتحاد الأوروبي.

وبحسب التقارير الصادرة عن الجهات المختصة من الاتحاد الأوروبي فإن الحكومة الفرنسية تدرك جيدًا المخاطر التي تشكلها أسلحتها على المدنيين – بينما لا تزال في الوقت نفسه تدرب من يقف وراء الزناد، وذلك بسبب ظهور أدلة جديدة حول تصدير أسلحة بتقنيات عالية إلى قوات تستخدمها في ارتكاب جرائم حرب.

تسليح على أعلى مستوى

تشير الأدلة إلى استخدام الإمارات لطائرة ميراج 2000-9 الفرنسية الصنع في ليبيا، ويشتبه في أن الطائرة المقاتلة دمرت مركزا لاحتجاز المهاجرين خارج طرابلس العام الماضي، مما أسفر عن مقتل العشرات.

كما أشارت التقارير إلى تصدير مدافع هاوتزر ذاتية الدفع قيصر الفرنسية الصنع، وهو نظام سلاح نيران غير مباشر بعيد المدى اشتراه السعوديون، يتم إنتاجه بواسطة شركة Nexter Systems الفرنسية لتصنيع الأسلحة المملوكة للحكومة، وقد كان هناك نحو 48 مدفعاً يتمركزون على الحدود مع اليمن من قبل الجيش السعودي في أواخر عام 2018.

وعلى الرغم من أن وثيقة داخلية مسربة من وكالة المخابرات العسكرية الفرنسية حذرت من المخاطر التي يتعرض لها المدنيون في اليمن من قبل القياصرة بالفعل في عام 2018، إلا أن الحكومة لم تتوقف عن تصدير الأسلحة لتلك القوات.

وبحسب الوثيقة المؤرخة 25 سبتمبر/أيلول 2018 فإن “بلغ عدد السكان الذين تأثروا بالقصف المدفعي 436370 شخصًا”

وتقول الوثيقة نفسها إن تلك المدافع لها دور رئيسي في تعزيز “القوات الموالية والقوات المسلحة السعودية في تقدمهم إلى الأراضي اليمنية”.

في العام التالي، سقطت قذائف مدفعية من قوات التحالف على سوق يمني بالقرب من الحدود السعودية، مما أسفر عن مقتل 89 مدنياً.

وفي سبتمبر / أيلول، حذر تقرير صادر عن مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة بشأن اليمن، من أن عمليات نقل الأسلحة هذه تساعد في إدامة الصراع.

وعلى الرغم من أن هذه المعلومات لم تعد سرية، إلا أن الجديد هو نظرة من الداخل إلى الرابط غير المرئي بين صناعة الأسلحة الفرنسية وعملائها في المملكة العربية السعودية، خاصة وأن أدلة أخرى على استخدام مقاتلات ميراج فرنسية الصنع في ليبيا.

تدريب مستمر ودعم دائم

بالشراكة مع EUobserver ، يكشف الصحفيون في Lighthouse Reports جنبًا إلى جنب مع Arte و Mediapart كيف تواصل الشركات الفرنسية تدريب الجنود السعوديين عسكرياً دون الالتفات إلى تأثير ذلك على الحرب -المستعرة- في اليمن.

ومن بين المدربين مجموعة DCI Groupe المملوكة للدولة التي تمتلك أغلبية فرنسية، والتي تجري تدريبات على المدفعية لأعضاء من الحرس الوطني السعودي في مدرسة عسكرية في Draguignan ، وهي بلدة في جنوب فرنسا.

والحرس الوطني هو أحد الفروع الرئيسية الثلاثة للجيش السعودي، وتشمل واجباته حماية العائلة المالكة ومصالحها.

كما تشارك تاليس الفرنسية – وفرع الفرنسي من شركة RUAG ومقرها سويسرا في تدريب قوات الحرس الوطني، حيث تقدم المعدات اللازمة لتشغيل مدافع طراز “قيصر” التي يمكن أن تستهدف ما يقرب من نصف مليون شخص في اليمن.

كانت DCI Groupe تدرب الحرس الوطني في بلدة Draguignan منذ عام 2016 على الأقل، وفي أوائل عام 2018، انتشر فيديو عبر الإنترنت لجلسات حيث شوهد أعضاء من الحرس السعودي ينشرون مدافع هاوتزر ذاتية الدفع “القيصر”.

يُعتقد أن هذه الجلسات عُقدت في عام 2017، وتتضمن تشغيل منصات المدفعية باستخدام نظام التحكم والقيادة من صنع تاليس المعروف باسم ATLAS.

من جانبها، زودت RUAG جهاز محاكاة لمراقبة نيران المدفعية وقذائف الهاون.

مدافع “القيصر” وآثارها على المدنيين اليمنيين أثارت الغضب بين الجمهور الفرنسي، وفي العام الماضي، مُنعت سفينة شحن سعودية يشتبه في أنها تحمل أسلحة من الرسو في ميناء فرنسي بعد رد فعل شعبي عنيف.

وبحسب Disclose ، وهي وسيلة إعلامية، فإنه من المتوقع أن تقوم سفينة الشحن بتحميل ذخائر لمدافع هاوتزر قيصر، وكشفت أيضاً أن فرنسا على وشك تسليم السعوديين أكثر من 100 “القيصر” من الآن وحتى عام 2023.

الوفاء بالالتزامات الدولية

أشار محققو الأمم المتحدة إلى أن الطائرة ميراج 2000 المقاتلة المباعة من فرنسا إلى الإمارات العربية المتحدة هي الجاني المحتمل وراء مقتل ما لا يقل عن 53 شخصًا و 130 جريحًا في غارة جوية على مركز احتجاز تاجوراء خارج طرابلس في يوليو الماضي.

وأظهرت صور الأقمار الصناعية في العاشر من يونيو/حزيران هذا العام طائرة بميزات مماثلة متمركزة في قاعدة جمال عبد الناصر الجوية في طبرق شرق ليبيا، كما تم التقاط صور أخرى من داخل مصر في مايو/أيار وأغسطس/آب الماضي أظهرت بشكل أكثر وضوحاً أن الطائرة المستخدمة هي ميراج 2000 المباعة للإمارات، إذ أن طائرات ميراج 2000 التي تستخدمها الإمارات تم طلاء واجهتها باللون الرمادي الفاتح، بينما تم طلاء واجهة الطائرات التي تستخدمها مصر – وهي الدولة الأخرى الوحيدة في المنطقة التي تطير ميراج 2000- باللون الأسود.

يُذكر أن فرنسا باعت الطائرات الإماراتية في التسعينيات لكنها لا تزال تقدم الصيانة عبر داسو وتاليس، رغم استخدامها في ارتكاب جرائم الحرب المحتملة التي ارتكبتها الإمارات في ليبيا، حيث إن التدريب والصيانة من المجالات التي لا يغطيها الموقف الموحد للاتحاد الأوروبي، وهي ثغرة يقول أعضاء البرلمان الأوروبي إنه يجب سدها.

للاطلاع على النص الأصلي من المصدر اضغط هنا