بعد يومين فقط من إعلان السلطة الفلسطينية، استئناف التنسيق “الأمني والمدني” مع إسرائيل، وعودة مسار العلاقة بين الطرفين كما كان، اجتمع مسؤولون فلسطينيون وإسرائيليون، الخميس الماضي، بمدينة رام الله في الضفة الغربية.

وترأس وزير الشؤون المدنية حسين الشيخ، الجانب الفلسطيني، فيما ترأس الجانب الإسرائيلي “كميل أبو ركن”، بحسب ما كشفت هيئة البث الاسرائيلية. 

وكانت السلطة الفلسطينية قد أعلنت قطع علاقتها مع إسرائيل، كنوع من الاحتجاج على “صفقة القرن” التي كشف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، النقاب عنها في يناير/ كانون الثاني. وأعطت إسرائيل الضوء الأخضر لضم أجزاء واسعة من الضفة الغربية المحتلة.

وتدهورت العلاقة بين السلطة وتل أبيب بشكل أكبر، بعد إعلان السلطة الفلسطينية في 19 أيار/ مايو أيضا رفضها تسلم أموال الضرائب التي تجبيها إسرائيل لصالح السلطة الفلسطينية، والتي تشكل نحو ثلثي موازنة السلطة.

وفي الوقت الذي اعتبرت السلطة عودة العلاقات والتنسيق مع الاحتلال بمثابة “انتصار كبير”، عبّر الشارع الفلسطيني عن غضبه الشديد من هذه الخطوة، فيما اعتبر الإعلام الإسرائيلي أن حركة فتح “تخدع نفسها وشعبها”.

تبرير مثير للسخرية

وبررت السلطة الفلسطينية عودة العلاقات مع إسرائيل كما كانت، بالزعم أن إسرائيل تعهدت بالالتزام بالاتفاقات معها. فيما قال رئيس الوزراء الفلسطيني محمد شتية أن “السلام مع الفلسطينيين هو ما سيريح تل أبيب بغض عن النظر عمن سيقوم بالتطبيع معها”.

ونشر وزير الشؤون المدنية الفلسطينية، حسين الشيخ، تغريدة عبر حسابه على “تويتر”، أكد فيها أن “عودة العلاقات جاءت بعد إعلان اسرائيل استعدادها الالتزام بالاتفاقيات الموقعة سابقاً بين الطرفين، وتلقي الرئيس الفلسطيني محمود عباس رسائل رسمية ومكتوبة تؤكد هذا الالتزام”.

واعتبر حسين الشيخ، خلال لقاء تلفزيوني، عودة التنسيق الأمني مع السلطات الإسرائيلية، ”انتصارا استثنائيا لصمود الشعب وعظمة رئيس الشعب محمود عباس”.

وسخرت صحيفة “هآرتس” العبرية من تصريحات وزير الشؤون المدنية الفلسطيني، مؤكدة أن سلطة محمود عباس وحركة فتح “تخدع نفسها وشعبها”

وأشارت الصحيفة إلى أن الفلسطينيين سارعوا للسخرية من حديث الشيخ، ومن هذا الانتصار”. وكتب مواطن فلسطيني ساخرا: “ربما أصبت بكورونا وأصبحت غير قادر على تذوق هذا الانتصار”.

وأوضحت “هآرتس” أن “استئناف التنسيق كان متوقعا تماما، فالمناكفات المتسلسلة مع إسرائيل وأجهزتها الأمنية والقمعية هي تكتيك آخر للبقاء أو للحفاظ على صورة قيادة وطنية ذات رؤية”.

ونوهت الصحيفة إلى أن “الأحاديث المتسلسلة عن انتخابات ومصالحة مع حماس تخلق خطابا مصطنعا ومضللا للتغيير والتجدد والتقدم والصمود، وهذا الخطاب يحاول طمس تجذر واقع الجيوب الفلسطينية المنفصلة الحالية، وغياب استراتيجية لها من أجل تغييرها”.

ورأت “هآرتس” أن “المشكلة حاليا ليست في استئناف التنسيق بين الطرفين، وإنما في الكذب الصارخ عن انتصار يحاول كبار قادة فتح بيعه للجمهور”، معتبرة أن “هذا الكذب هو استخفاف واستهزاء بالشعب الفلسطيني”.

وقللت الصحيفة من تأثير عودة التنسيق على ممارسات سلطات الاحتلال الإسرائيلي، مؤكدة أن “أعمال الهدم والمصادرة في غور الأردن تحولت إلى حدث يومي، واستهدفت منع الفلسطينيين من مواصلة العيش فيها، والسماح بتوسيع المستوطنات عليها”.

 

استهداف المقاومين

بدورها، قالت صحيفة “يديعوت أحرونوت” العبرية، إنه وبعد الإعلان عن استئناف التنسيق الأمني، سيدخل وزير الدفاع الإسرائيلي “بيني غانتس” وكبار المسؤولين الأمنيين، إضافة إلى قادة المخابرات، في مناقشة تنفيذ الخطوة. مشيرة إلى أن المؤسسة العسكرية الإسرائيلية لا تستبعد وجود احتمال عقد اجتماع بين غانتس ومسؤولين فلسطينيين.

وفيما لفتت الصحيفة إلى أن الخطوة الفلسطينية فاجأت مسؤولي الأمن الإسرائيليين، أكدت أن كبار مسؤولي السلطة الفلسطينية يرغبون بالاستفادة من الزخم الذي أعقب انتخاب جو بايدن رئيسا للولايات المتحدة.

وصدرت تلميحات في الأسابيع الأخيرة من رام الله مفادها بأنه إذا فاز الديمقراطيون بالانتخابات الأمريكية، فإن السلطة الفلسطينية ستعيد علاقاتها مع إسرائيل لما كانت عليه في الماضي، وتصاعد الحديث عن هذه الخطوة بعد انتصار جو بايدن.

وتوقعت “يديعوت أحرونوت” أن تعاود قوات الأمن الفلسطينية اعتقال نشطاء حماس في الضفة الغربية مرة أخرى، وهو ما يهدد بتقليل احتمال تكثيف المصالحة الداخلية بين فتح وحماس التي انطلقت في الأسابيع الأخيرة.

 

نسف المصالحة

وقوبل قرار عودة التنسيق مع سلطات الاحتلال، باستنكار فصائل فلسطينية بشدة، والتي اعتبرتها دليلا على عدم جدية السلطة الفلسطينية في “المصالحة”.

وقال القيادي بحركة “حماس”، أحمد يوسف، إن “خبر عودة العلاقات الفلسطينية مع الاحتلال الإسرائيلي كان له وقع الصاعقة على جميع الفلسطينيين”.

وأشار إلى أنه: ”في اللحظة التي تستمر فيها الحوارات في القاهرة من أجل البحث عن مخرج لتحقيق المصالحة وإنهاء الانقسام، يأتي الحديث عن عودة التنسيق الأمني بين السلطة الفلسطينية والاحتلال”.

واعتبر القيادي بحماس أن هذه الخطوة “جاءت بدون أي أسباب مشروعة أو حاجة ضرورية أو رغبة من الشارع الفلسطيني، حيث كان التنسيق الأمني مرفوضا دائما”.

وأضاف أحمد يوسف: ”من الواضح أن هذا التنسيق الأمني لم يتوقف في أية مرحلة من المراحل، والإعلان جاء في توقيت بائس وغير متوقع، ظنا أنه سيمهد الطريق لعودة العلاقات مع أمريكا خاصة في ظل إدارة بايدن الجديدة”.

وفي تعليقها على قرار السلطة، أكدت حركة الجهاد الإسلامي، أنه “تراجع سياسي خطير، وخروج عن مقررات الإجماع الوطني، وانقلاب على مخرجات اجتماع الأمناء العامين للفصائل”.

وتداول مغردون فلسطينيون على مواقع التواصل الاجتماعي تعليقا ناريا للمذيعة الفلسطينية، أسيل سليمان، على قرار السلطة بعودة التنسيق الأمني مع الاحتلال الإسرائيلي. وقالت أسيل عبر إذاعة محلية: “جعل الله هذا المساء جحيما على من باع وخان ونسق، ثم أعلن ذلك نصرا”، في إشارة إلى اعتبار قيادات في السلطة الفلسطينية عودة العلاقات مع الاحتلال “انتصارا”.

وتساءلت المذيعة: “لم تجف دماء الشهيد الأسير كمال أبو وعر بعد، كيف تهادن مع من قتله؟”. كما وصفت قبول السلطة بـ”تعهد إسرائيل بالالتزام بالاتفاقيات” بأنه “سذاجة”.