بحسب وسائل إعلام إسرائيلية، التقى رئيس وزراء الدولة العبرية بولي العهد السعودي في المملكة العربية السعودية الأحد الماضي بحضور وزير الخارجية الأمريكي في لقاء يُعد علامة فارقة في عملية التقارب المتصاعدة بين الرياض وتل أبيب.
يوم الأحد، استقل بنيامين نتنياهو طائرة نفاثة مع مدير الموساد يوسي كوهين، وهو رائد تجسس عمل أيضاً وزيراً للخارجية، ليغامرا سوياً بالذهاب إلى حيث لا يفترض أن تطأ قدم الإسرائيليون.
غادرت الطائرة من تل أبيب، وحلقت فوق إيلات، ثم شرم الشيخ (مصر)، قبل أن تنعطف لتهبط في نيوم بالمملكة العربية السعودية، القريبة جداً من الدولة العبرية، ليستقبلهما ولي العهد السعودي محمد بن سلمان برفقة وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو، وبحسب المصادر، غادر نتنياهو بعد خمس ساعات إلى القدس.
اللقاء لم يكن معلناً، أُحيط بالسرية التامة -لغرض ما- إلا أن هذه السرية لم يكن لتستمر أكثر من ليلة واحدة، حيث كشف عن الرحلة أحد الصحفيين في صحيفة هآرتس الإسرائيلية، حيث كان أول من أبلغ عن هذه الرحلة المباشرة “الغريبة” بين إسرائيل والسعودية فجر الإثنين، وبعد ساعة من إعلانه، تحدثت إذاعة الجيش الشعبية ” غاليه تساهل”، عن ومضات لقاء هذا الثلاثي المناهض لإيران، لتنتشر تفاصيله بعد ذلك في الصحافة الإسرائيلية.
لم يؤكد أي من الطرفين السعودي والإسرائيلي حقيقة حدوث هذا الاجتماع، إلا أن الأكيد أن النشرة الإذاعية تخضع للرقابة العسكرية قبل السماح بإذاعتها، وفي حالة أنه لم يتم منعها، فهذا إعلان شبه “رسمي” من نتنياهو بحدوث الاجتماع.
وعلى الرغم من ذلك، تمسك السعوديون بنفيهم حدوث مثل هذا الاجتماع.
التواصل السعودي الإسرائيلي ليس وليد البارحة، فتاريخ هذه الاتصالات يعود إلى أوائل التسعينيات، لهذا فإن مثل هذا اللقاء لا يعد غريباً، الغريب أنه تسرب إلى العلن، حيث اتسمت العلاقات في الماضي بالسرية التامة، لتدلل هذه الدعاية البراقة حول قمة غامضة بين بن سلمان ونتنياهو، تحت رعاية إدارة ترامب، على بدء العلاقات الثنائية بين البلدين في أخذ منعطفاً جديداً.
الاجتماع بالطبع ولد تساؤلات عدة، حيث يتساءل المراقبون: هل هذا اجتماع هو تمهيد لتطبيع وشيك للعلاقات بين السعودية وإسرائيل، في أعقاب الإمارات والبحرين؟ هل دونالد ترامب يريد أن يؤكد أنه “تاجر سلام” وليس “تاجر سلاح”؟ أم أن للقاء دلالات أخرى سيتم الكشف عنها قريباً؟
لا يمكن إخفاء أن محمد بن سلمان لديه رغبة كبيرة في تطبيع العلاقات مع إسرائيل، وبحسب التصريحات الأمريكية والإسرائيلية الرسمية فإن له ]بن سلمان[ دوراً كبيراً في إتمام صفقات التطبيع التي أُبرمت مع الإمارات والبحرين والسودان، لكن لا تزال عقبة والده الملك سلمان تقف أمامه للمضي قدماً في إتمام الصفقة السعودية، فيداه مقيدتان بموقف الملك المتسمك ببنود مبادرة السلام العربية التي رعتها السعودية عام 2000: لا يوجد اعتراف قبل “اتفاق سلام شامل” بين الإسرائيليين والفلسطينيين.
من ناحية أخرى، لم يتردد الابن المفضل أبداً في التأكيد على تقبله للإسرائيليين وحبه لهم من خلال عدد من التصريحات “المحرمة” من وجهة نظر بلاده وشعبه، حيث أكد عام 2018 أن “للإسرائيليين الحق في العيش بسلام على أرضهم”، كما انتهج الإعلام السعودي في عهده سياسة مختلفة تماماً عن الماضي، حيث خصصت قناة العربية السعودية الشهر الماضي ثلاث حلقات لتوجيه اتهام خطير ضد القيادات الفلسطينية واعتبارها “جاحدة وفاشلة”، جاء على لسان مع الأمير بندر سفير المملكة العربية السعودية السابق في واشنطن.
بالإضافة إلى ذلك، سمح بن سلمان للطيران الإسرائيلي بالتحليق بحرية ضمن المجال الجوي السعودي.
السعوديون والإسرائيليون يصرحون دائماً أن التقارب في العلاقات هدفه الأساسي زرع السلام في المنطقة، إلا أن الحقيقة أن القضية الأكثر أهمية بالنسبة لبن سلمان ونتنياهو لا تتعلق بإتمام التطبيع، ولكن تكوين جبهة ضد طهران وإيقاف “خطة العمل الشاملة المشتركة” الخاصة بها والمتعلقة بالأسلحة النووية، والتي ألمح بايدن في أنه سيستأنفها من جديد بعد تسلمه مقاليد الأمور في البيت الأبيض.
جبهة معارضة بايدن
فوز بايدن في الانتخابات الأمريكية لم يكن بالأمر المرحب به من قبل الزعيمين “نتنياهو” و”بن سلمان”، فكلاهما تمتعا بقدر كبير من الامتيازات في عهد ترامب، من جهة تمتع نتنياهو برؤية أمريكا وهي تقوم بتفكيك القضية الفلسطينية وتمزيق خطة العمل الشاملة المشتركة، ومن جهة أخرى استفاد بن سلمان من حماية غاريد كوشنر -صهر ترامب ومستشاره- في أعقاب جريمة اغتيال خاشقجي.
قبل ساعات قليلة من سفره إلى نيوم، حث نتنياهو بايدن على “عدم العودة إلى اتفاق 2015 مع إيران”، في لهجة أشبه بالتحذير، تبلورت أكثر في اجتماع نيوم الذي يبدو أنه شهد “ميلاد” جبهة معارضة لبايدن.
بالنسبة للعديد من المحللين، سيكون من الأفضل للسعوديين تضمين اتفاقية تطبيع مع إسرائيل برئاسة الرئيس المنتخب كنوع من تهدئة الأوضاع مع “الديمقراطيين” الذين يتعهدون بمحاسبة الرياض على انتهاكات حقوق الإنسان في الداخل والخارج، وخاصة حرب اليمن.
أخيرًا، على الصعيد الإسرائيلي، هذا التقارب الدبلوماسي الجديد له ميزة أخرى لنتنياهو: فهو بمثابة نيران مضادة للإعلان، الذي صدر في اليوم السابق، عن تشكيل لجنة تحقيق تابعة لوزارة الدفاع، برئاسة منافسه بيني غانتس، فيما يسمى بقضية الغواصة التي تشكل فضيحة بالنسبة لنتنياهو، وقد تساعده عملية تطبيع جديدة مع السعودية من تحسين صورته “المشوهة” في الداخل الإسرائيلي.
اضف تعليقا