في الوقت الذي تحتفل فيه الإمارات بيوم الشهيد في 30 نوفمبر من كل عام، لا تزال تقف عاجزة مكتوفة الأيدي عن استرداد جزرها الاستراتيجية الثلاث، التي تحتلها إيران منذ عام 1971، حيث مكنت هذه السيطرة طهران من التحكم بحركة الملاحة التجارية في الخليج كونها تقع قرب مضيق هرمز أحد أهم الممرات المائية في العالم.

يوم الشهيد

وفي محاولة للتغطية على الإخفاق المتواصل في استرجاع الجزر المحتلة، تواصل أبوظبي الاحتفاء بما يسمى يوم الشهيد، من خلال الترويج لتضحيات ناتجة عن إقحام الإمارات لنفسها في معارك خارجية والتي لا يمكن وصفها بأنها معارك وطنية.

وفي عام 2015، وتزامناً مع إطلاق التحالف الذي أسسته السعودية لقتال الحوثيين المدعومين إيرانياً في اليمن، أعلن رئيس الإمارات الشيخ خليفة بن زايد، إحياء يوم الشهيد الإماراتي نهاية نوفمبر من كل عام، وجرى تحديد الثلاثين من نوفمبر لإحياء المناسبة الوطنية الإماراتية؛ لكونه اليوم الذي سقط فيه القتيل الوحيد في تاريخ البلاد داخل أرضها، وهو سالم سهيل خميس، الذي قُتل برصاص القوات الإيرانية التي احتلت جزيرة طنب الكبرى 1971.

وكان “خميس” يخدم في قوات الشرطة المدنية، وليس الجيش الإماراتي، عندما قُتل خلال سيطرة الإيرانيين على جزر الإمارات الثلاث؛ طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبو موسى.

ومنذ تأسيس الدولة في ديسمبر 1971، خاض الجيش الإماراتي معارك لم تكن أي منها بهدف تحرير الجزر الثلاث من القوات الإيرانية التي ما تزال تحتلها حتى اليوم، وإنما كانت ضمن الحملة الإماراتية للتدخل عسكرياً في دول الجوار العربي، خدمة لأنظمة عسكرية.

ويعد هذا اليوم عطلة رسمية للدوائر الحكومية والخاصة كافة في الإمارات، وتقيم الدولة فيه مراسم وفعاليات متنوعة يُذكر فيها “تضحية شهداء الإمارات”.

وبالعودة إلى التاريخ فإن غالبية من تحيي الإمارات ذكراهم، قد سقطوا في معارك اليمن، باستثناء ذاك الذي قتله الإيرانيون قبل نصف قرن، في حين سقط الباقون بليبيا أو غيرها من الدول التي تتدخل فيها الإمارات عسكرياً لفرض أجندتها.

ومنذ بدء العمليات في اليمن، قُتل عشرات الجنود الإماراتيين في معارك مع الحوثيين الذين سيطروا على العاصمة صنعاء وعدّة مدن أخرى عام 2014. وقد سقط العدد الأكبر، من هؤلاء خلال انفجار سبتمبر 2015.

وتقود الإمارات عملية واسعة لتأسيس مليشيات مناطقية في اليمن، وهو ما يراه كثيرون مقدمة لتفتيت البلد؛ حتى تسهل السيطرة على مقدراته، لا سيما موانئه التي لا تتوقف أبوظبي عن محاولات فرض نفوذها عليها.

جزر محتلة

ومنذ ما يقارب النصف قرن، تحتل إيران ثلاث جزر استراتيجية كانت تتبع للإمارات وهي جزر أبو موسى، وطنب الصغرى، وطنب الكبرى، حيث تقع جزيرة أبو موسى عند مدخل مضيق هرمز جنوب الخليج العربي، وتبعد 60 كليومتراً عن إمارة الشارقة، وتبلغ مساحتها 12.8 كيلومتراً مربعاً، وتتميز بموقعها الاستراتيجي وغناها بالمعادن، والذي دفع إيران للسيطرة عليها عام 1971، قبل أن تنال الإمارات استقلالها عن بريطانيا بيومين فقط.

وتتبع الجزيرة اليوم محافظة هرمزغان الإيرانية، ويشكل الإيرانيون نصف سكانها، والنصف الآخر من الإماراتيين العرب الذين يتبضعون بشكل أساسي من إمارة الشارقة.

وفي عام 1992، نصبت إيران في الجزيرة صواريخ مضادة للسفن، وأقامت فيها قاعدة للحرس الثوري الإيراني، كما أقامت قاعدة بحرية فيها.

وفي عام 1999، بنت إيران مطاراً في الجزيرة يربطها بمدينة بندر عباس الإيرانية، إلى جانب افتتاح بلدية جزيرة أبو موسى فيها، وفي عام 2012، أقامت إيران محافظة جديدة وسمتها “خليج فارس”، وجعلت من جزيرة أبو موسى مركزاً لها.

أما جزيرة طنب الكبرى فهي تتبع لذات المحافظة الإيرانية، وتبلغ مساحتها ما يقرب من 9 كيلومترات مربعة، وتقع شرقي الخليج العربي قرب مضيق هرمز، وتبعد نحو 30 كيلومتراً عن إمارة رأس الخيمة، ويبلغ عدد سكانها قرابة 700 نسمة.

وكانت الجزيرة تتبع لإمارة رأس الخيمة قبل تأسيس دولة الإمارات، إلا أنها خضعت أيضاً للسيطرة الإيرانية قبل أيام من حصول الاستقلال الإماراتي عن بريطانيا.

وتعد الجزيرة غنية بالثروة السمكية، وتمتاز بسطحها المنبسط، وفي عام 1930 سعت الحكومة الإيرانية لشراء جزيرتي “طنب الكبرى والصغرى” من حاكم رأس الخيمة، الشيخ سلطان القاسمي، إلا أنه رفض ذلك مطلقاً.

ولا يختلف الحال كثيراً فيما يخص جزيرة طنب الصغرى والتي تبعد نحو 12.8 كيلومتراً عن جزيرة طنب الكبرى غرباً، مساحتها 2 كيلومتر مربع فقط، وتتميز هذه الجزيرة بتربتها الرملية والصخرية، ولا تتوفر فيها المياه الصالحة للشرب، حيث كانت تتبع سيادة إمارة رأس الخيمة، ويلجأ لها الصيادون عند اشتداد الرياح وعلو الأمواج.

استفزاز إيراني 

وفي الوقت الذي تواصل فيه الإمارات تدخلاتها غير مشروعة في البلدان العربية المختلفة، لا تكاد تحرك ساكناً أمام الاحتلال الإيراني لجزرها، حيث تقوم طهران كل فترة بحركات استفزازية جديدة في هذه الجزر؛ مثل زيارة عسكرية رفيعة، أو التطرق لها ضمن خطط معينة، أو إعادة تنظيمها ضمن محافظات أخرى.

وفي 29 أبريل 2020، كشفت إيران عن خطط لتوطين سكان الجزر الثلاث تنفيذاً لأمر سابق صادر عن المرشد علي خامنئي، كاشفة في الوقت نفسه عن بناء مطارات وكواسر الأمواج في تلك الجزر.

وفي هذا الإطار قال قائد القوة البحرية في الحرس الثوري الإيراني، الأدميرال علي رضا تنكسيري، في تصريح نقلته وكالة أنباء “فارس” الإيرانية، في يوليو 2020: إن “الجزر الإيرانية في الخليج الفارسي (العربي) استراتيجية جداً”، على حد زعمه.

وأعلن “تنكسيري” اعتزام السلطات الإيرانية إيجاد بنية تحتية في هذه الجزر لتأهيلها من أجل توطين السكان فيها، تنفيذاً لأوامر القائد العام للقوات المسلحة (خامنئي)، ولفت إلى أنه “حينما يقول الرجل الأول في الدولة إنه يجب توطين السكان في هذه الجزر فذلك يعني أننا نسعى من أجل أمن المنطقة”.

وأشار المسؤول الإيراني إلى بناء مطارات وكواسر أمواج في الجزر الإماراتية المحتلة من قبل القوة البحرية للحرس الثوري، مؤكداً في الوقت عينه: “لقد أنشأنا مطاراً دولياً في جزيرة طنب الكبرى، ومطاراً آخر في طنب الصغرى”.

وتهدد الحكومة الإيرانية عبر الجزر من وقت لآخر بإغلاق مضيق هرمز أمام حركة الملاحة العالمية؛ كرد على العقوبات الأمريكية المفروضة عليها، إلا أن ذلك لم يحصل حتى الآن.

ويؤدي إغلاق المضيق إلى منع تصدير كميات هائلة من النفط الخام للعالم، والتسبُّب بأزمة في معروض النفط، ومن ثم ارتفاع أسعاره.