واشنطن

واشنطن

عوامل عدة تتراكم الآن على السعودية قد تدفعها لإنهاء أزمة الخليج التي قادتها مع الإمارات قبل أكثر من ثلاث سنوات. من جهة، يسعى دونالد ترامب بكل أدواته الآن لإقناع السعودية بالمصالحة، ومن جهة أخرى تعهد بايدن بزيادة الضغط على المملكة لتغيير سياساتها الخارجية، ومع زيادة الأزمات الداخلية، هل ستكون هذه الأسباب كافية لفك حصار قطر؟

في 29 نوفمبر/تشرين الثاني المنصرم، أعلن غاريد كوشنر، كبير مستشاري الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وصهره، عن رحلة إلى المملكة العربية السعودية وقطر، في محاولة أخيرة لإنهاء أزمة مجلس التعاون الخليجي خلال الأسابيع القليلة الباقية من رئاسة ترامب.

الأزمة الخليجية بدأت في 5 يونيو/حزيران 2017 حين فرضت المملكة العربية السعودية -مع الإمارات العربية المتحدة ومصر والبحرين- حصارًا اقتصادياً وجوياً على قطر، إلى جانب قطع العلاقات الدبلوماسية معها، ووضعوا قائمة تحتوي على 13 مطلباً كشرط لفك الحصار وإعادة العلاقات، وكان ضمن هذه الشروط إغلاق قناة الجزيرة وقطع العلاقات مع إيران، وهي المطالب التي رفضتها قطر معتبرة إياها تدخلاً في الشؤون الداخلية للبلاد، لتستمر الأزمة في التصاعد منذ ذلك الحين.

في البداية، أيد ترامب فكرة الحصار، ودعم قادة دول الحصار بإقامة علاقات قوية معهم، وتوفير الحصانة لهم ضد الانتهاكات والجرائم التي يرتكبونها، حيث وطد علاقاته بولي العهد السعودي محمد بن سلمان، وولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد، وضمن لهم عدم التعرض للمساءلة القانونية.

ومع اقتراب رحيل ترامب عن البيت الأبيض، اختلفت مواقفه تجاه الحصار، سعياً منه لتحقيق العديد من “الانتصارات” في السياسة الخارجية في الشرق الأوسط، لذلك كان حل أزمة الخليج “التي تحددها المصالح الإسرائيلية” أحد تلك الانتصارات، بعد ما يسمى بـ “صفقة القرن” بين إسرائيل وفلسطين في يناير/كانون الثاني 2020، إلى جانب التوسط في اتفاقيات التطبيع بين إسرائيل والإمارات والبحرين في سبتمبر/أيلول الماضي.

وعلى الرغم من ذلك، يؤكد الخبراء والمحللون أن إدارة ترامب تعاملت مع أزمة الخليج بطريقة خاطئة ساهمت في تغذية الصراع الداخلي بصورة كبيرة، حيث ركزت على توحيد دول مجلس التعاون الخليجي مع إسرائيل لتشكيل جبهة موحدة ضد إيران، بدلاً من معالجة الانقسامات العميقة التي تسببت في اندلاع الأزمة.

من ناحية أخرى، قد تلجأ السعودية إلى المصالحة مع قطر لشراء ود الإدارة الأمريكية الجديدة. حتى الآن لم يعرب بايدن عن رغبته الواضحة في إنهاء الحصار المفروض على قطر، إلا أن ضغطه على محمد بن سلمان سيجبر ولي العهد على تغيير سياسة الرياض الخارجية في أماكن أخرى في المنطقة، وبطبيعة الحال فإن تخفيف الحصار نتيجة غير مباشرة لذلك.

طوال حملته الرئاسية، انتقد بايدن محمد بن سلمان، ووعد بـ “إعادة تقييم” علاقات واشنطن مع المملكة العربية السعودية، كما تعهد بفتح قضية مقتل الصحفي السعودي في واشنطن بوست جمال خاشقجي في سبتمبر/أيلول 2018، ومحاسبة المسؤولين عن تلك الجريمة، وعن الجرائم المرتكبة في الحرب التي تقودها السعودية في اليمن والتي دعمتها الولايات المتحدة.

وفي إشارة إلى تقبل محمد بن سلمان الواضح تجاه فكرة المصالحة مع قطر إرضاء لبايدن، قال علي الشهابي، المحلل السعودي المقرب من الديوان الملكي، “هذه هدية لبايدن”، حسبما ذكرت صحيفة فاينانشيال تايمز.

وأضاف الشهابي أن محمد بن سلمان “يشعر بأنه في مرمى النيران” بعد فوز بايدن، ويريد إعادة بناء العلاقات مع قطر “كإشارة على استعداده لاتخاذ خطوات” لتغيير السياسة الخارجية على أمل ألا تطاله عقوبات بايدن.

على الجانب القطري، أفادت دوحة نيوز أن انفراجة وشيكة على وشك الحدوث بعد أن “ورود بعض التقارير التي تفيد بأن الرياض قد تفتح حدودها البرية مع قطر، وكذلك المجال الجوي”.

فيما يتعلق بدول الحصار الأخرى، فإن أبو ظبي تشعر بأنها أقل عرضة لخطر إدارة بايدن من الرياض والقاهرة، وبالتالي فهي أقل استعدادًا لإعادة العلاقات مع الدوحة، ومع ذلك، فإن محمد بن زايد لم يعد يملك الحرية الكاملة التي كان يملكها في عهد ترامب لاتخاذ خطوات عدائية ضد قطر، لذلك من المرجح أن تخفف الإمارات من حدة الحصار، لكنها لن تتخذ خطوات لإنهائه.

على الرغم من الخطوات المتخذة نحو المصالحة وإنهاء الأزمة الخليجية، لا تزال التوترات الجيوسياسية بين دول الحصار وبين قطر قائمة، حيث اتهمت مصر قطر بتقويض محادثات السلام الليبية الحالية، بعد اتفاق تم في 13 نوفمبر/تشرين الثاني بين الدوحة وحكومة الوفاق الوطني المعترف بها دوليًا في طرابلس، حيث وافقت قطر على تقديم الدعم والتدريب للقوات العسكرية لحكومة الوفاق الوطني.

علاوة على ذلك، لم تظهر الإمارات العربية المتحدة أي مؤشر على تقليص سياساتها في ليبيا والجهود المبذولة لتقويض حكومة الوفاق الوطني من خلال تمويل الجنرال السابق حفتر.

وبينما قدمت قطر الدعم لبعض حكومات ما بعد الثورة في أعقاب حركات الربيع العربي عام 2011، أثار استقلال سياسة الدوحة الخارجية غضب الرياض وأبو ظبي، كما تناقض توجهها مع جهودهم المضادة للثورات والحركات الديموقراطية الهادفة لسحق ثورات الربيع العربي.

وفقاً للمعطيات السابقة، يتضح أنه من السابق لأوانه الإشارة إلى أن أزمة الخليج ستنتهي، إلا أن رحيل ترامب سيساهم بصورة كبيرة في إضعاف هؤلاء القادة الذين ازداد قمعهم واستبدادهم تحت رعايته، وسيوقف على الأقل الانقسامات الإقليمية التي غذت الانقسامات خلال الفترة الماضية.

للاطلاع على النص الأصلي من المصدر اضغط هنا