منذ أن قامت دولة الإمارات العربية المتحدة بتطبيع العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل في 13 أغسطس/آب الماضي، تصاعدت التوترات بين الإمارات العربية المتحدة وتركيا إلى مستويات غير مسبوقة، إذ هدد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان -فور إعلان التطبيع- بتعليق العلاقات الدبلوماسية مع الإمارات، وازدادت الأمور توتراً بعد اعتقال مسؤولي المخابرات التركية لجاسوس إماراتي في 16 أكتوبر/ تشرين الأول.

محاولات لتحصين “المحور العربي

على الرغم من استمرار الإمارات في تصعيد التوترات مع تركيا، إلا أن استدامة جهود أبو ظبي لتقويض تركيا ومحاربة مصالحها في الشرق الأوسط لا تزال مضطربة، حيث انهارت الركائز الأساسية لاستراتيجية الإمارات المناهضة لتركيا، والتي تمثلت في بناء تحالف واسع ضد تركيا في العالم العربي، ومحاربتها في ليبيا، خلال العام الماضي.

وبعد فوز جو بايدن بالانتخابات، قد تجد الأجندة الإماراتية المناهضة لتركيا أذنا مهتمة في واشنطن، ومع ذلك فإن الانتكاسات الأخيرة التي تعرضت لها أبو ظبي قد تجبرها على إعادة ضبط استراتيجيتها تجاه تركيا في الأشهر المقبلة.

استغلت الإمارات مبادئ القومية العربية ومحاربة الإرهاب لبناء تحالفات ضد تركيا، على سبيل المثال صرح وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية في ديسمبر/كانون الأول 2017 أن “العالم العربي لن تقوده تركيا” وحث الدول العربية على الالتفاف حول “المحور العربي” المتمثل في مصر والإمارات والسعودية، وهو ذاته المحور الذي فرض حصاراً على قطر، التي بدورها لجأت للتحالف مع تركيا لتعويض خسائرها الاقتصادية.

وفي يناير/كانون الثاني 2018 استخدمت الإمارات العربية المتحدة روايات التضامن العربي المماثلة لحشد شركائها ضد حملة غصن الزيتون التركية في عفرين في سوريا.

محاولات تركيا لحماية حدودها مع سوريا بالتصدي لوحشية نظام بشار الأسد لم يرق للإمارات، لهذا حاربت التدخل التركي هناك، واكتسبت دعماً واسعاً من بعض الدول العربية باعتبار أن “سوريا دولة شقيقة”، وقد تبنى الخطاب الإماراتي كلاً من السعودية والكويت رغم رفضهما تطبيع العلاقات مع الرئيس السوري بشار الأسد.

استراتيجية الإمارات المناهضة لتركيا على شفا الانهيار

مع الوقت، تفككت مساعي الإمارات للتوصل إلى إجماع عربي ضد التحركات التركية، بل تحول الموقف العراقي المناهض لتركيا والداعم لحزب العمال الكردستاني شيئاً فشيئاً، حتى أصبح رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي يتودد إلى تركيا في محاولة لكسبها كشريك إقليمي.

وفي ضربة أكبر لجدول الأعمال الإماراتي المناهض لتركيا، استخدم الملك سلمان بنبرة تصالحية مع أردوغان بعد مناقشتهما في 20 نوفمبر/تشرين الثاني، ويمكن تفسير هذا التحول، الذي حدث بعد أسابيع من مقاطعة المملكة العربية السعودية للسلع التركية بشكل غير رسمي، بجهود الرياض لإعادة صياغة سياستها الخارجية في ظل إدارة بايدن القادمة.

كما انهارت ثروات خليفة حفتر، الحليف الليبي للإمارات العربية المتحدة، في تطور تعتبر تركيا أبرز المستفيدين منه، إذ توالت الانتكاسات على الجيش الوطني الليبي ليجد حفتر نفسه وحيداً في موقف مضطرب، خاصة بعد التحول الذي طرأ على موقف حلفاء الإمارات في ليبيا -فرنسا وروسيا ومصر- الذين يتعاونون بانتظام الآن مع المسؤولين الموالين لتركيا في حكومة الوفاق الوطني، مثل وزير الداخلية الليبي فتحي باشاغا، للحفاظ على نفوذهم في ليبيا.

من ناحية أخرى، يجب عدم التغافل عن أن انتقاد أنور قرقاش المائل لأحادية حفتر في يونيو/حزيران يشير إلى أن الإمارات محبطة من زعيم الجيش الوطني الليبي، فإن تأطير أبو ظبي للصراع الليبي باعتباره حربًا بالوكالة مع تركيا يحد من قدرتها على التكيف مع موازين القوى المتغيرة على الأرض.

تشير الأسس المنهارة على ما يبدو لاستراتيجية الإمارات المناهضة لتركيا إلى أن أبو ظبي بحاجة إلى إعادة التفكير في نهجها للتعامل مع تركيا، التي بدورها تحاول حماية مصالحها وحدودها في ظل الصراعات الإقليمية المتصاعدة.

في حال قامت الإمارات بإعادة تقييم استراتيجيتها تجاه تركيا، فإن هذا أنها ستسلك أحد المسارين لتحديد سياساتها الخارجية الجديدة:

المسار الأول هو تخفيف تكتيكي للتوترات بين البلدين، والذي يتم تحقيقه من خلال الحوار المتزايد وتقليل مصادر التوتر. يعكس هذا النهج جهود الإمارات لتقليل التوترات مع إيران من مايو/أيار 2019 إلى أغسطس/آب 2020 ولكن من غير المرجح أن تنجح.

على عكس إيران، التي رأت أن المشاركة مع الإمارات وسيلة لإبعاد الولايات المتحدة عن الحرب وتقويض الهيمنة السعودية داخل دول مجلس التعاون الخليجي، فإن تركيا لديها القليل من الحوافز للانخراط مع الإمارات؛ نظرًا لأن وسائل الإعلام التركية الحكومية تتهم الإمارات بشكل روتيني بمحاولة زعزعة استقرار تركيا من خلال التجسس أو التواطؤ مع فرنسا، لهذا فإن التقارب مع أبو ظبي لن يحظى بشعبية كبيرة.

المسار الثاني الأكثر منطقية هو إعادة تقويم استراتيجية الإمارات المناهضة لتركيا؛ نظرًا لأن عقوبات قانون قيصر تمنع الإمارات من الاستثمار في إعادة إعمار سوريا من جهة، ومن جهة أخرى تواجه حملة الإمارات في ليبيا عوائد متضائلة، لهذا لم يعد بإمكان أبو ظبي تنفيذ سياسة احتواء موسعة ضد تركيا في الشرق الأوسط.

بسبب هذه القيود، يمكن للإمارات تخصيص المزيد من الموارد لاحتواء تركيا في شرق البحر المتوسط ​​وأفريقيا جنوب الصحراء، كما يمكن للإمارات أن توسع استخدامها للقوة الناعمة والدبلوماسية لاحتواء النفوذ التركي.

ومن الجدير بالذكر، فإن إمدادات الإمارات المكثفة من مجموعات الاختبار والملابس الواقية والإمدادات الغذائية في جميع أنحاء الشرق الأوسط وأفريقيا خلال جائحة COVID-19 تنافست بالفعل مع مبادرات تركيا المماثلة.

مع دخول أزمة العلاقات الإماراتية التركية عامها الرابع، فإن استراتيجية أبو ظبي لاحتواء النفوذ التركي في الشرق الأوسط على شفا الانهيار، وبما أن المسؤولين الإماراتيين يواصلون تصوير إيران وتركيا كخصمين مشتركين في الشرق الأوسط، فهم غير مستعدين لتقديم تنازلات لأنقرة أو إعادة التعامل معها، لكنها قد تلجأ لتغيير استراتيجيتها في التعامل مع النفوذ التركي ولكن بطرق أكثر نعومة وبعيدة عن القوة والمواجهات المباشرة.

للاطلاع على النص الأصلي من المصدر اضغط هنا