فاتورة باهظة يتحملها العراقيون بعد سنوات من الفساد المستشري الذي ضرب كل القطاعات وسبب عجزا ماليا وانهيارا في مؤسسات الدولة وسط إجراءات بطيئة لمواجهة الفساد ووعود بالتصدي تذهب أدراج الرياح.

 العراق

تشهد الدولة الغنية بالنفط عجزا مالياً لعام 2021 هو الأكبر منذ عام 2003، يقدر وفق قانون الموازنة بنحو 58 تريليون دينار عراقي ( 43.9 مليار دولار)، بما يعادل 38.6% من إجمالي الموازنة المقدرة بحوالي 150 تريليون دينار.

وتشير تقارير منظمة الشفافية الدولية إلى أن العراق كان خلال السنوات الأخيرة وباستمرار، واحداً من أكثر دول العالم فساداً.

هذا الفساد أثر على مختلف القطاعات في العراق وأدى إلى تباطؤ النمو الاقتصادي وتقليص المجالات التي توفر فرص العمل إذ قدر حجم الهدر منذ العام 2003 بنحو 300 مليار دولار، كما تقدر الأموال المنهوبة في العراق بنحو 450 مليار دولار، وفق عضو اللجنة المالية في البرلمان سابقا رحيم الدراجي.

كما قدرت لجنة النزاهة النيابية في البرلمان العراقي، مؤخرا، حجم الأموال المهربة خارج البلاد بنحو 240 مليار دولار أمريكي، وهو رقم يفوق حجم موازنة العراق المالية لمدة عامين، والبالغة 102 مليار دولار خلال العام الجاري 2021.

فساد متغلغل

هذه الأرقام المهولة من النهب والفساد دفعت المواطنين العراقيين خلال العامين الماضيين للخروج في احتجاجات تطالب بمكافحة الفساد سقط فيها مئات القتلى وآلاف الجرحى، ولكن ظل الوضع كما هو عليه.

فبحسب تصريحات صحفية للنائب السابق حامد المطلك يحظى الفاسدون بدعم من قبل جهات سياسية مؤثرة، مضيفا أن “الجميع يعلم أن الدولة العراقية بلا قانون تكون للحكومة قدرة على تطبيقه”.

وأضاف أن “هناك جهات متغلغلة في جسد الدولة تتحكم بكل شيء”، مؤكدا أن “الفساد لم يكن ليستشري بشكله الحالي لولا وجود دعم له من قبل قادة قوى سياسية، وأشخاص مؤثرين في مؤسسات الدولة”.

تزامن مع الفساد وعجز الموازنة جائحة كورونا وانهيار أسعار النفط عالميا، إذ هبطت أسعار النفط الخام خلال 2020، دون 20 دولارا للبرميل في بعض الشهور، قبل أن يصعد منذ النصف الثاني للعام الفائت فوق 40 دولارا.

ولكن بقي التساؤل عن الجهات التي تحمي الفاسدين بل وترفض الإفصاح عن أسمائهم وهو ما وصفه محتجون عراقيون بأنه إعلانات بلا إجراءات، واتهامات بلا متهمين.

من جهته قال سلام الشمري، عضو البرلمان، في تصريح صحفي إن هناك أكثر من جهة رسمية تعمل لمكافحة الفساد في العراق، إلا أن هذه الجهات لم تتمكن من الإعلان عن شخص واحد من سراق المال العام أمام الشعب لغاية الآن، على حد قوله.

وأضاف الشمري أنه “غالبا ما تتحدث الحكومات المتعاقبة عن مكافحة الفساد، وتشكل لجانا لذلك، لكن إلى الآن لم تتخذ أي منها خطوات نحو الأمام في ما يتعلق بمحاسبة الفاسدين وتقديمهم للقضاء واسترداد المال العام”.

من سرق العراق؟

وقال الشمري إن “الإصرار على عدم كشف أسماء الفاسدين يمكن أن يفهم على أكثر من جانب، فقد يتعلق بوجود شبكات للفساد، أو بسبب الخشية من الجهات التي تقف وراء السراق، وهذا مؤشر خطير جداً”. 

وأضاف أن “جميع الحكومات المتعاقبة لم تقم بمحاسبة أي فاسد على الملأ، إذن من الذي سرق العراق؟”.

ومنذ شهرين قال رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي، إن المتورطين في قضايا الفساد عليهم إعادة ما أخذوه ولن تكون هناك أي مشاكل، دون أن يتحدث عن أسماء المتورطين في تلك الملفات. 

 وتشير أصابع الاتهام إلى فترة حكومة نوري المالكي الأولى والثانية بين 2006 و2014 والتي شهدت تغولا كبيرًا في عمليات إهدار المال العام ومستويات قياسية من المشاريع الوهمية وعمليات غسل الأموال. 

ولعل ما يكشف جانبا من حجم تغول الفساد في كل القطاعات وخصوصا في الكهرباء والصحة، أن قائمة المتهمين بالفساد في ملف الكهرباء ضمت 333 شخصا أحيلوا للمحكمة غيابيا من بينهم 20 شخصا بدرجة وزير و27 شخصا بدرجة مدير عام.

وسبق أن كشف النائب في البرلمان جواد الموسوي في شهر أغسطس 2019، عن وثائق تتحدث عن شبهات فساد في وزارة الصحة وفي العقود التي تشرف عليها شركة كيماديا المعنية باستيراد الأدوية إلى العراق.

كما كشفت موازنة العام 2014 أنه تم إنفاق 190 مليار دولار على ستة آلاف مشروع غير مكتمل أو متوقف أو وهمي في الوقت الذي تشير فيه الإحصائيات الرسمية إلى أن نسبة الفقر في العراق ارتفعت إلى 31% وهناك فقر مشهود في المناطق الجنوبية من البلد.

نماذج من الفساد

رئيس هيئة النزاهة السابق، موسى فرج، وصف الفساد في العراق بأنه لا ينحصر في اختلاس أموال الدولة وحسب وإنما في تبديدها بطريقة متعمدة من خلال صرفها على كل ما هو فاشل ومغشوش وفاسد.

وأوضح أن الفساد في العراق يؤدي في كثير من الأحيان إلى موت أعداد كبيرة من السكان، لأنه تشعب في جوانب تتصل بظروف حياة السكان اليومية.

ففي عام 2007 استورد العراق نحو 6000 جهاز كشف عن المتفجرات، كانت قيمة الصفقة 200 مليون دولار، وبعد سنوات نشر الإعلام الأمريكي تقريرا ذكر فيه أن هذه الأجهزة مزورة ولا تكشف عن المتفجرات. 

وفي عام 2010 منعت بريطانيا تصدير تلك الأجهزة وألقت القبض على مدير الشركة المصنعة لتلك الأجهزة.

وفي 2015، أعلن عضو لجنة النزاهة في مجلس النواب العراقي، أردلان نوري، أن خضير الخزاعي الذي كان وزير التربية سنة 2008 في حكومة نوري المالكي، أسند مشروع إنشاء 200 مدرسة حديدية إلى شركة إيرانية بكلفة 280 ملیار دینار. 

وأوضح نوري أن الشركة حصلت على المبلغ على شكل سلف تبلغ الواحدة منها 50 ملیار دینار لكن المشروع لم ينفذ.

وقدرت حكومة رئيس الوزراء المستقيل، عادل عبد المهدي، حجم الفساد في تسعة آلاف مشروع حكومي، بعضها وهمي بنحو ثلاثمائة مليار دولار أمريكي. 

بينما يشكك عراقيون في قدرة حكومة الكاظمي على مواجهة هذا الكم الهائل من الفساد المتراكم أو استطاعتهم استرداد الأموال المنهوبة التي أفقرت الشعب ودمرت اقتصاد ومؤسسات الدولة.

 

اقرأ أيضاً: كيف تقتل الثورة؟ … صحيفة إسرائيلية تنتقد انقلاب السيسي على إرادة الشعب