عائلة واحدة مكونة من سبعة أشقاء فرضت سيطرتها على بلدة ترهونة الليبية لمدة 8 سنوات، أذاقت أهل البلدة كل ألوان الرعب والقتل والتدمير.
عائلة “الكاني” المكونة من الإخوة عبد الخالق، ومحمد، ومعمر، وعبد الرحيم، ومحسن، وعلي، وعبد العظيم وميليشياتهم متورطون في جرائم حرب وإبادة جماعية أثناء سيطرتهم على ترهونة، كشفت عنها تقارير حقوقية وإعلامية.
كما كشف تقرير مطول لهيئة الإذاعة البريطانية “بي بي سي” تفاصيل الرعب الذي بثته مليشيا الكاني في بلدة ترهونة التي سيطرت عليها بعد هزيمة رجال القذافي في عام 2012.
وسلط التقرير الضوء على تاريخ تلك العائلة، التي تمكنت من السيطرة على ترهونة وعلاقاتها المتشابكة مع حكومات طرابلس وآخرها حكومة الوفاق الوطني، وكيف انتقلت إلى صف اللواء المتقاعد خليفة حفتر، كما يسلط الضوء على الجرائم والفظائع التي ارتكبتها طيلة فترة سيطرتها على ترهونة.
الأشقاء السفاحون قتل منهم ثلاثة مؤخرا، وفر الباقون إلى شرق ليبيا مع قوات الانقلابي حفتر، وذلك بعد سيطرة قوات الوفاق الليبية على ترهونة وفشل مخطط السيطرة على طرابلس العاصمة من قبل قوات حفتر وعائلة الكاني الموالية له.
مقابر جماعية
ولعل ما أثار الصدمة مؤخرا، هو حجم المقابر الجماعية المكتشفة في ترهونة والتي توضح حجم المأساة التي عاشتها هذه البلدة تحت سيطرة الأشقاء السفاحين من عائلة الكاني وميليشياتهم.
إذ نجح العمال طوال الأشهر القليلة الماضية في إخراج ورفع 120 جثة، على الرغم من أنهم مازالوا لم يستكشفوا مساحات كبيرة من الأراضي.
بينما يقول كمال أبو بكر، رئيس هيئة البحث والتعرف على المفقودين بحكومة الوفاق الوطني، إن أكثر من 350 شخصا من ترهونة مسجلين كمفقودين، على الرغم من أن بعض السكان المحليين يقولون إن العدد الحقيقي يقترب من الألف.
وحتى الآن، تم التعرف على عدد قليل جدا من الجثث التي تم العثور عليها في المقابر الجماعية حيث أن أعمال مطابقة الحمض النووي في بدايتها.
لكن الدكتور أبو بكر يقول إن المقابر التي تم اكتشافها حتى الآن صادمة أكثر من أي مقابر أخرى تم العثور عليها في ليبيا منذ بداية الصراع في عام 2011.
وأضاف قائلا: “هذه هي المرة الأولى التي نعثر فيها على نساء أو أطفال في مقابر جماعية، كما وجدنا جثة مدفونة بأجهزة طبية وقناع أكسجين وأنابيب وريدية لرجل تم أخذه حيا من المستشفى ودفن، وهذه صدمة بالنسبة لنا كذلك”.
أسود ورعب
المقابر الجماعية جزء من جرائم وحشية عديدة ارتكبتها “الكاني” التي بسطت سيطرتها على ترهونة لعدة سنوات بإشاعة الرعب بين المواطنين وإخفاء وتعذيب كل من يعارضهم.
بينما فتحت المحكمة الجنائية الدولية تحقيقا في جرائم القتل في ترهونة، وتم وضع محمد الكاني على قائمة عقوبات الحكومة الأمريكية.
ويشير تقرير هيئة الإذاعة البريطانية إلى أنه من غير المرجح في ظل حماية الجنرال حفتر أن يواجه محمد الكاني هو وأخوته الباقون العدالة في أي وقت قريب.
بينما كشف دانيال هيلتون من موقع ميدل إيست آي، وهو أحد المراسلين الأجانب القلائل الذين زاروا ترهونة منذ هزيمة عائلة الكاني، عن أمور فظيعة أخرى.
ويقول هيلتون: “فوق الزنازين كانت هناك أكوام من الرماد الناجم عن الحرائق. كان يتم إشعال النيران فوق زنازين السجناء لتحويل الزنازين إلى أفران لتعذيب المعتقلين”.
وعثر دانيال هيلتون فوق أرضية سجن آخر على أحذية صغيرة ذات ألوان زاهية لأطفال يُعتقد الآن أنهم ماتوا أو فقدوا.
ويوضح ناشطون ليبيون أن عائلة الكاني فرضت سيطرتها على ترهونة بإشاعة الرعب والقتل، وهو ما يبدو حتى الآن حيث يرفض الكثير من الأهالي الإفصاح عن الجرائم التي كانوا شهودا عليها.
وأوضح بعض الناشطين والحقوقيين في ليبيا أن الإخوة الكاني أسسوا دولتهم الصغيرة في ترهونة وحولها حتى أنهم سيطروا على الشرطة النظامية، وأداروا إمبراطورية تجارية، وفرضوا “الضرائب” على مصنع الأسمنت في المنطقة والشركات المحلية الأخرى.
وأضافوا أن العائلة وميليشياتهم قاموا ببناء مركز تجاري وإدارة بعض المشاريع المشروعة بما في ذلك محلات غسيل الملابس وأمنوا الحماية لتجار المخدرات وللمهاجرين الذين مروا عبر أراضيهم في طريقهم من الصحراء إلى ساحل البحر المتوسط مقابل المال.
واستولى الإخوة الكاني تدريجيا على المدينة وشكلوا بعض القوات العسكرية في البلدة، وأطلقوا ميليشياتهم الخاصة المكونة من عدة آلاف من المقاتلين، ومثل معظم الميليشيات في ليبيا حصلت ميليشياتهم على أموال من الدولة.
ويقول حمزة دلعاب، المحامي والناشط المدني، أن عائلة الكاني “اعتمدوا سياسة ترهيب الناس لا لسبب سوى لفرض الخوف، لقد قتلوا لهذا السبب وحده، فكل من وقف في وجههم في ترهونة كان مصيره القتل”.
وفي عام 2017، نظم الإخوة الكاني عرضا عسكريا تضمن أسلحة ثقيلة ورجال الشرطة بالزي الرسمي وبعض الأسود.
وكانت تلك الأسود ممتلكات شخصية للإخوة الكاني، ويُشاع أنهم كانوا يطعمونها لحم بعض ضحايا الأسرة.
إخفاء وتعذيب
بينما أوضح عدد من الأهالي أن المأساة تفوق الوصف، إذ أن الجثث التي عثر عليها في المقابر الجماعية بدا على بعضها آثار تعذيب واضحة وهي لمواطنين اختطفتهم ميليشيات الكاني من بيوتهم ومختفين من حينها.
من جهتها، قالت حنان صلاح، كبيرة الباحثين في الشؤون الليبية في هيومن رايتس ووتش والتي نشرت تقريرها الخاص عن ترهونة، إن “على السلطات اتخاذ إجراء إزاء الاكتشاف المروع للمقابر الجماعية من خلال اتخاذ الخطوات المناسبة لتحديد هوية الجثث وتقديم المسؤولين عن الانتهاكات إلى العدالة”.
وتقول ربيعة جاب الله، وهي ربة منزل من ترهونة، إنه بعد استيلاء المقاتلين الموالين للحكومة أخيرا على ترهونة في أوائل يونيو 2020 وفرار الإخوة الكاني الأربعة المتبقون ومليشياتهم مع قوات حفتر إلى شرق ليبيا كان لدينا الكثير من الأمل، في العثور على المفقودين.
وفي صباح اليوم التالي، هرعت هي والعديد من النساء اللائي اختُطف أزواجهن أو إخوتهن أو أبنائهن إلى معتقل عائلة الكاني سيئ السمعة بحثا عن المفقودين.
وقد وجدن في أحد السجون صفا من الزنازين بحجم 70 سم في 70 سم، بالكاد تكفي للجلوس، وكانت هناك ملابس ملقاة على الأرض. كان السجن فارغا.
وتقول ربيعة جاب الله: “لقد دمر ذلك أملنا تماما، كانت الجدران ملطخة بالدماء، لم أستطع التحمل، أصبت بانهيار كامل”.
في حين يرى عدد من أهالي البلدة المنكوبة أن المستقبل لا يبشر بالخير، حتى بعد فرار من تبقى من عائلة الكاني إلى شرق ليبيا.
إذ أكدوا أن الوضع على الأرض الآن هو انتقال السيطرة على ترهونة من يد ميليشيا إلى يد ميليشيا أخرى.
وهكذا تكشف مذابح عائلة واحدة في بلدة ليبية صغيرة جزءا من المأساة التي يعيشها الليبيون منذ الثورة التي أطاحت بالقذافي، في ظل صراع دولي على أرضهم ودعم إماراتي ومصري لميليشيات الانقلابي خليفة حفتر.
اضف تعليقا