هجرة الأطباء

مأساة مستمرة وأوضاع تزداد سوءا وضحايا يتساقطون بلا أي حقوق، هذا هو حال أطباء مصر الذين يواجهون خطر الوباء وتعنت النظام مع أبسط مطالبهم وحقوقهم.

ولعل تعنت مع الأطباء هو ما دفع الآلاف منهم لهجرة البلاد خلال أشهر قليلة مع عزم آلاف آخرين ترك مستشفيات ونظام يحصد أرواحهم دون أن يطرف له جفن.

هجرة

النظام المصري والمجتمع استيقظوا على صدمة مع صدور دراسة حديثة تشير إلى أن أطباء مصر، أو “الجيش الأبيض” وفق ما أطلقه الإعلام المصري عليهم أثناء الموجة الأولى للجائحة، كانوا الشريحة الأكثر هجرة بمصر خلال 2020.

فقبل أيام قلائل أصدر المركز المصري للدراسات الاقتصادية، دراسة تضمنت تحليلا لأثر جائحة فيروس كورونا على قطاعات الاقتصاد المصري المختلفة، وكان من أبرز ما أظهرته وجود نقص كبير بالقطاع الطبي في مصر.

وأرجع المركز هذا النقص إلى هجرة الأطباء للخارج والتي تزايدت عقب الموجة الأولى لفيروس كورونا، وقدر عددهم بنحو 7 آلاف طبيب. 

فضلا عن وفاة نحو 276 طبيبا جراء الإصابة بالفيروس خلال الموجة الأولى، وهو ما ارتفع إلى 286، في أحدث إحصائية  لنقابة الأطباء المصرية.

أمين عام نقابة الأطباء في مصر، علق على هجرة 7 آلاف طبيب خلال جائحة كورونا، بأنها ترجع لعدم تحسن ظروف العمل في مصر.

حيث لا يزيد راتب الطبيب المصري عند بداية التعيين على 2500 جنيه (155 دولارا)، يرتفع عند الحصول على درجة الماجستير إلى 4 آلاف جنيه (250 دولارا)، بينما يحصل بعد الدكتوراه على نحو 5 آلاف جنيه مصري (315 دولارا).

ومع دخول وباء كورونا عامه الثاني وسط التحذيرات من خطر الموجة الثانية وانتشار سلالة جديدة من الفيروس، ظلت أوضاع الأطباء في مصر دون تحسن أو تغيير.

ضحايا بالمئات

اكتفى النظام المصري طوال الأشهر الماضية بتملق الأطباء وأطلق عليهم في الإعلام لقب جيش مصر الأبيض، وبينما يتساقط الضحايا من الأطباء والأطقم الطبية لم تحاول الحكومة تخفيف معاناتهم.

الأطباء المصرية": نحارب بدون سلاح.. ووفياتنا 19

عام كامل يواجه فيه الأطباء الوباء في مستشفيات متهالكة وأجهزة ومعدات وأدوية شحيحة، بل حتى وسائل الحماية من الكمامات والمطهرات لم توفرها الدولة لهم.

وفق بيان نقابة الأطباء وصل عدد الضحايا من الأطباء بسبب فيروس كورونا إلى 286 طبيبا في عام واحد، والعدد مرشح للارتفاع خصوصا أن وفيات الأطباء بالفيروس شبه يومية.

الأوضاع المأساوية التي اشتكى منها الأطباء تزامنت مع شكاوى قديمة من تواضع بدل العدوى الذي يحصلون عليه وقدره 19 جنيها فقط بالإضافة للمعاش الضئيل في حالة الوفاة أو انتهاء الخدمة.

ظن بعض الأطباء أن الفرصة أصبحت مواتية لهم للمطالبة ببعض حقوقهم في ظل الجائحة، ولكنهم فوجئوا عند اعتراضهم عبر مواقع التواصل الاجتماعي باعتقالهم حتى أن بعضهم ما زال في السجن حتى الآن.

الأطباء المطالبون بتحسين الأوضاع في ظل انتشار كورونا واجهوا تهما سياسية معروفة يلصقها النظام بأي معارض مثل بث الإشاعات وسوء استخدام مواقع التواصل الاجتماعي.

حرب على جبهتين

هكذا وجد الأطباء أنفسهم في حرب على جبهتين، داخل المستشفيات وسط العدوى والمرضى بالآلاف وفيروس يحصد في زملائهم، وأمام نظام يلتف على مطالبهم ويسكت غضبهم بالمسكنات.

مصر.. دعوات لإطلاق سراح أطباء اعتقلوا بسبب آرائهم عن كورونا - الخليج الجديد

في منتصف مارس الماضي خاطبت النقابة العامة للأطباء الرئاسة والحكومة لرفع قيمة بدل العدوى الذي يحصل عليه الأطباء أسوة بالقضاة الذين يحصلون على 3 آلاف جنيه كبدل عدوى.

حيث أن الأطباء هم الأكثر عرضة للعدوى بسبب وجودهم الحتمي وسط المرضى لرعايتهم، موضحين أن ما يتقاضاه الأطباء لا يتناسب مع الأخطار الصحية التي يتعرضون لها بحكم مهنتهم.

وفي مايو الماضي، تلقى الأطباء وعدا من رئيس الحكومة باعتبار ضحايا فيروس كورونا من الأطباء شهداء، وهو ما لم يحدث إلى الآن.

وفي محاولة لاسترضاء الأطقم الطبية وافق عبد الفتاح السيسي على زيادة بدل المهن الطبية بنسبة 75% عما هو قائم، والذي يتراوح بين 400 و700 جنيه، وهو ما اعتبره الأطباء التفافا على مطالبهم.

بالتزامن مع ذلك استمر سقوط الضحايا من الأطباء وسط شكاوى من انعدام وسائل الوقاية والحماية مثل القفازات الطبية والمطهرات والكمامات الطبية وعدم أخذ مسحات للمصابين أو المخالطين.

وانتشرت مقاطع مصورة للأطباء والكوادر الطبية ينتقدون فيها تعامل وزارة الصحة مع أزمة كورنا وتجاهل النظام لمطالبهم.

الرد على الأطباء جاء مفاجئا إذ شنت الأجهزة الأمنية حملة اعتقالات طالت عددا من الأطباء، وهدد الأمن الوطني كل العاملين في المجال الصحي بالحبس والمساءلة في حال نظموا وقفات احتجاجية.

تبرع للأطباء

تستمر مأساة الأطباء وتعود للظهور مجددا هذه الأيام بعد اشتداد الموجة الثانية من الفيروس وظهور سلالات جديدة أسرع انتشارا.

الحكومة سارعت إلى منع الحصول على إجازات للأطقم الطبية وذلك لمواجهة العجز في أعداد الأطباء حيث تشهد المستشفيات عجزا في جميع التخصصات طوال السنوات الماضية.

وأمام مطالب الأطباء التي لا يلتفت النظام لها، لم تجد نقابة الأطباء حلا سوى فتح باب التبرعات للأطباء المنكوبين من المرضى والمتوفين الذين رفضت الحكومة زيادة معاشاتهم أو اعتبارهم من الشهداء.

النقابة أعلنت عن رقم حساب خاص لتلقي تبرعات دعم صندوق الرعاية الاجتماعية التابع للجنة الاجتماعية بالنقابة العامة للأطباء، وهو ما تبرأ منه البعض واعتبره عارا يلاحق الأطباء.

وتبقى جائحة كورونا كاشفة لمدى الانهيار الذي أصاب قطاعات عديدة في الدولة، وأهمها قطاعي الصحة والتعليم نتيجة ضعف المخصصات في موازنة الدولة وعجز الكوادر وانهيار البنية التحتية.

وتظل العقلية العسكرية التي تحكم البلاد بالحديد والنار تنظر نظرة دونية لأصحاب العلم وتحتقر مطالبهم، بينما تهدر المليارات على الكباري والقصور ومدن الأثرياء.

اقرأ أيضاً: من رهاب المثلية الجنسية إلى مؤتمر لحقوق الشواذ… إلى أين تتجه دبي؟