لم تتوقف مساع بن ولي العهد السعودي -محمد بن سلمان- لإعادة تأهيل صورته كمحدث مشجع للاستثمار الأجنبي في بلاده لتحسين سمعته التي لحقت بها أضرار كارثية نتيجة لعملية قتل خاشقجي الذي اعترفت بها الدولة في نهاية المطاف.
في سبيل ذلك حاول إغراء الشركات الأجنبية العالمية بالانتقال للرياض مقابل عدد من الامتيازات الخاصة بما فيها إعفاء ضريبي لمدة 50 عاماً، ومع ذلك لم تنجح حملته لجذب المستثمرين – كشركتي Google و Siemens- الذين فضلوا الحفاظ على مراكزهم الإقليمية في الإمارات العربية المتحدة.
تُعد الحملة، التي تحمل اسم Program HQ، جزءً من رؤية 2030 لمحمد بن سلمان، التي تهدف إلى فطم البلاد عن عائدات النفط، وهي الرؤية التي تتضمن أيضاً بناء مدينة ضخمة -نيوم- بقيمة 500 مليار دولار في محاولة لمنافسة دبي كمركز سياحي عالمي، وعلى الرغم من الفشل في جذب مستثمرين لمشروع نيوم، إلا أن بعض الشركات الكبرى تعمل على زيادة تواجدها في المملكة العربية السعودية من خلال فتح مكاتب لها هنا، كما حدث مع غوغل كلاود بعد شراكتها مع أرامكو للنفط.
تم تكليف المسؤولين السعوديين المؤثرين بالمهمة الصعبة المتمثلة في تلبية رغبات محمد بن سلمان من خلال جذب الشركات من المدن الإماراتية، التي لا زالت تختلف اجتماعياً وثقافياً عن المدن السعودية، حيث لا تزال السعودية شديدة المحافظة مقارنة بالإمارات التي لا يحظر فيها الكحول، ويسمح للنساء بارتداء ملابس غربية.
كان رد بن سلمان على هذه القيود الاجتماعية والثقافية هو بدء العمل في بناء مدينة نيوم، والتي ستكون على بعد 1000 ميل من الرياض على طول ساحل البحر الأحمر، وسيسمح بالملذات الغربية المحظورة هناك، كما سيكون للمدينة قانوني مختلف عن القوانين المعمول بها داخل السعودية، ولكنها ستكون تحت إشراف بن سلمان.
في حواره مع موقع “دايلي بيست”، قال جاستن شيك، أحد مؤلفي كتاب “الدم والنفط”، السيرة الذاتية الأكثر مبيعًا لمحمد بن سلمان، إن التحدي الأكبر الذي ولي العهد السعودي يتمثل في إعادة تشكيل الاقتصاد السعودي عن طريق دفع الشركات الأجنبية إلى الاستثمار في المملكة، وهي سياسة تواجه عراقيل عدة بسبب انتهاكات حقوق الإنسان في البلاد خاصة بعد مقتل جمال خاشقجي، وحتى قبل خاشقجي، كانت الطريقة التي أراد بها رجال الأعمال الأجانب التعامل معه مختلفة عن الطريقة التي كان يريد التعامل معها، لقد أرادوا منه فقط أن يمنحهم المال.
وأضاف “شيك” أن قضية خاشقجي جعلت جذب الشركات الكبرى للبلاد “الصعب أكثر مما كان متوقعًا”، حتى شركة أوبر، التي يمتلك السعوديون فيها حصة 5.3 في المائة، أدانت الدولة وقيادتها في مقتل خاشقجي في عام 2018.
تداعيات مقتل خاشقجي على البلاد لم تتوقف حتى الآن خاصة بعد المحاكمة الهزلية التي واجهها المتهمون بقتل خاشقجي، والتي لم تحمل بن سلمان أي مسؤولية عن الحادث على الرغم من أن وكالة المخابرات المركزية الأمريكية وتحقيقات الأمم المتحدة خلصتا إلى أنه متورط في الجريمة، كما لم تفصح السعودية عما حدث لبقايا خاشقجي بعد أن قُطعت جثته بمنشار عظم في القنصلية السعودية في إسطنبول.
بالإضافة إلى ذلك، تم إنتاج فيلم وثائقي بعنوان “المنشق”، حاز على جائزة أوسكار، وهو الفيلم الذي تمكن مخرجه – برايان فوغل، من الوصول إلى الغرفة التي قُتل فيها خاشقجي، وذكر أن جثته نُقلت على الأرجح إلى منزل القنصل السعودي وحُرقت في فرن التندوري.
وبحسب الخبراء فإن هذا الفيلم سيصعب من مهمة المملكة في محاولاتها لتبييض سجلها الدموي فيما يتعلق بانتهاكات حقوق الإنسان.
وسلط “شيك” في حواره الضوء على عوامل أخرى لا تقل أهمية عن انتهاكات حقوق الإنسان، هي التي تدفع المستثمرين عن العزوف، مشيراً أن قلة عدد السكان في المملكة أحد أبرز تلك العوامل لتجاهل العديد من الشركات الغربية دعوات الاستثمار المغرية من محمد بن سلمان.
وأوضح “شيك” أنه “من خلال فهم هذا المصير الديموغرافي، يحاول محمد بن سلمان الآن بشكل عاجل جذب المقرات الدولية لسد الفجوة ومساعدة اقتصاد المملكة على أن يصبح طبيعيًا قائمًا على الضرائب بدلاً من أن يتم تمويله من خلال الثروة النفطية المتضائلة باستمرار”.
إن النجاح في تحقيق مثل هذا التحول الاقتصادي للمملكة أصبح الآن مهمة شخصية لمحمد بن سلمان، يراهن عليها بسمعته، لذلك فهو يبذل كل ما في وسعه ليطمئن إدارات شؤون الموظفين في الشركات الأجنبية بأن نيوم هي بيئة العمل والمعيشة المثالية لهم، خاصة -على حد قوله- أنها ستتضمن على قمر اصطناعي ضخم، وشواطئ متوهجة في الظلام، وسيارات أجرة بدون سائق، لكن وبحسب الواقع الحالي فإن نيوم لا زال مشروع سعودي يعاني من ذات الاضطرابات التي تعاني منها المشاريع الأخرى، فضلاً عن كونه غارقاً في عدد كبير من الانتهاكات التي صاحبت إنشائه، كتهجير قبيلة الحويطات وقتل أفرادها واختطافهم، وكذلك مزاعم الفساد المالي والإداري التي تلاحق المسؤولين فيه.
قال أحد المغتربين المقيمين في السعودية لصحيفة الدايلي بيست، إن مدينة نيوم بالنسبة للكثيرين ما هي إلا “كارثة لا يمكن تخفيف آثارها.. تبدو وكأنها مدينة رسمها طفل صغير، لكن لا يجرؤ أحد على الاعتراف بذلك.. سيلقي بك محمد بن سلمان في السجن إن اختلفت معه”.
وتعليقاً على ذلك قال “شيك”: “مثل هذه الانتقادات تدفع بن سلمان لمضاعفة جهوده لتحقيق النجاح… بالنسبة له، فإن شرعيته كملك مستقبلي للبلاد مرتبطة بنجاح رؤية 2030… عندما ينتقد الناس أشياء مثل نيوم، فإن هذا يدفعه للعناد بصورة أكبر لتحقيق هذا المشروع” بنفس العقلية.
من ناحية أخرى، أكد عدد من الخبراء والمحللين والمسؤولين التنفيذيين إن السعودية تنتظر مؤتمر المستثمرين السنوي لصندوق الاستثمار العام والمقرر أن يبدأ في 27 يناير/كانون الثاني “لاستخدامه للترويج للاتفاقيات مع الشركات التي وافقت مؤقتًا على الانتقال من دبي إلى الرياض”.
في المقابل، قال مصدر له صلات وثيقة بالعديد من كبار السعوديين الذين سجنهم محمد بن سلمان أو يقبعون حاليًا تحت الإقامة، مع إشارته لعدد من المعتقلين النشطاء الآخرين كلجين الهذلول التي حكم عليها بالسجن خمس سنوات إنه “ليس من المعقول أن تتحالف الشركات الأمريكية الكبرى مع نظام كهذا… قد يحصلون على بعض الامتيازات، لكن في بيئة كالسعودية تظل التحديات قائمة”.
للاطلاع على النص الأصلي من المصدر اضغط هنا
اضف تعليقا