هل يمكن أن يتلقى جنديًا عربيًا، أمرًا عسكريا، من قائد إسرائيلي؟ تبدو هذه الفرضية غير قابلة للتطبيق إلا في فيلم خيال هابط.. أو هكذا كانت تبدو قبل القرار المفاجئ الذي اختتم به الرئيس الأمريكي دونالد ترامب آخر أيامه في البيت الأبيض، والذي خطا فيه الرئيس اليميني المؤيد لإسرائيل، خطوة أكثر جنونًا في ملف التطبيع بين الدول العربية والكيان، بإعلانه توسيع منطقة عمليات القيادة العسكرية الأميركية الوسطى لتشمل إسرائيل.

القرار الذي يعني مباشرة مشاركة القوات الإسرائيلية في تدريبات وعمليات عسكرية جنبًا إلى جنب مع نحو 20 دولة عربية وعلى أراض عربية، مرّ دون صخب إعلامي في المنافذ العربية، رغم استحواذه على مساحة الصدارة في عدد من المنصات الأمريكية والإسرائيلية التي احتفت بالقرار.

أبعد من التطبيع

وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) أكدت، في بيان أصدرته ليلة أمس الجمعة 15 يناير الجاري، أن الولايات المتحدة أجرت تغييرا على خطة القيادة العسكرية الموحدة، ونقلت إسرائيل من منطقة عمليات القيادة العسكرية الأميركية في أوروبا إلى القيادة الوسطى التي تشمل دولا عربية.

وأضاف البنتاغون أن خفض التوتر بين إسرائيل وجيرانها بعد توقيع اتفاقيات “أبراهام” أتاح فرصة مهمة للولايات المتحدة لجمع الشركاء الأساسيين ضد التهديدات المشتركة في المنطقة، معتبرا أن ضم إسرائيل إلى القيادة الوسطى سيتيح فرصا إضافية للتعاون مع شركاء واشنطن في القيادة، مع الحفاظ على التعاون القوى بين إسرائيل وحلفاء الولايات المتحدة الأوروبيين.

وقالت الوزارة الأمريكية إنها تراجع خطة القيادة الموحدة كل عامين، وتعيد تقييم الحدود والعلاقات المرتبطة بالبيئة التشغيلية، وتجري التغييرات بهدف خفض المخاطر، وحماية مصالح الولايات المتحدة وشركائها.

حلفاء مشتركون

قرار ترامب استخدم مصطلح “حلفاء مشتركون” في وصف مبررات القرار، وأكد أنه وفق الهيكلية الجديدة، فإن القيادة العسكرية الأميركية للشرق الأوسط ستتعاون مع إسرائيل والدول العربية معا.

مسؤولون أميركيون قالوا إن ترامب قرر في اللحظات الأخيرة إعادة تنظيم هيكل القيادة العسكرية الوسطى؛ استجابة لجماعات موالية لإسرائيل كانت تطالب بذلك منذ وقت طويل للدفع نحو تعاون إسرائيلي عربي ضد إيران.

احتفاء إسرائيلي

وفي الوقت الذي تجاهلت فيه منافذ الإعلام العربية هذا القرار، جاء الاستقبال مغايرا في المنافذ الأمريكية والإسرائيلية التي احتفت بالقرار، وأبرزته، وفي مقدمتها صحيفة “وول ستريت جورنال” (Wall Street Journal) التي كانت أول من نقل عن مسؤولين أميركيين أن الرئيس الأميركي أمر بتوسيع القيادة العسكرية الأميركية الوسطى في الشرق الأوسط؛ لتشمل إسرائيل.

وقالت الصحيفة إن الغرض من هذه الخطوة، التي تأتي قبل أيام من انتهاء ولاية ترامب، تعزيز التعاون بين إسرائيل ودول عربية ضد إيران، مؤكدة أن القرار يعني أن القيادة العسكرية الوسطى ستشرف على سياسة الجيش الأميركي في كل من إسرائيل والدول العربية.

هل ترضى إسرائيل؟

المثير للسخرية أن الصحف الأمريكية الدولية استقبلت القرار بالبحث في إمكانية قبول إسرائيل بهذا التحول، حيث قال مارتن إنديك، السفير الأميركي السابق لدى إسرائيل، وهو الآن عضو بمجلس العلاقات الخارجية الإسرائيلية، أن بعض الإسرائيليين رأوا في السابق بعض الفوائد في العمل مع القيادة الأوروبية لأنها ربطتهم بمقر يؤدي دوراً مركزياً في حلف شمال الأطلسي، “لكن مع بروز إيران كمصدر قلق متزايد لإسرائيل ودول الخليج، أصبح العمل مع القيادة المركزية أكثر منطقية بالنسبة لإسرائيل”.

لكن ضابط عسكري أميركي متقاعد نقل لصحيفة “وول ستريت جورنال” أن ترمب، عبر اتخاذه القرار خلال أيامه الأخيرة في منصبه، ترك الأمر لخلفه جو بايدن لتنفيذه بالكامل والتعامل مع العواقب بعد استلام مهامه رسمياً في 20 يناير. 

وبالرغم من أن تلك الخطوة تعد هي الأحدث في سلسلة تحركات الإدارة الحالية لتشكيل أجندة الأمن القومي التي سيرثها الرئيس المنتخب جو بايدن، فإن مفاوض السلام الأميركي السابق دينيس روس قال: “لا أعتقد أن إدارة بايدن ستكون لديها مشكلة في ذلك، وأعتقد أن الإسرائيليين سيرحبون به باعتباره انعكاساً للواقع الجديد في المنطقة”.

إعادة تعريف العدو

تظهر تبعات هذا القرار بشكل واضح في جوانب متعددة، لكن أخطرها على الإطلاق ما يتعلق بتشكيل جديد للهوية العسكرية العربية، وإعادة تعريف العدو الذي استقر لسنوات طويلة في خاطر الجندي العربي باعتباره متجسدا في أسوأ أشكاله في إسرائيل.

وبحسب هذا القرار، لن يكون من المستغرب الآن أن تضم غرفة عمليات عسكرية واحدة قيادتين عربية وإسرائيلية معا يستعرضان “في شفافية” كافة التفاصيل الدقيقة حول القوة العسكرية لدى كل منهما، وهو أمر يمكن تصور قيام القيادة العربية بالالتزام به، بينما لا يخفى على أحد كيف ستتعامل إسرائيل مع أسرارها العسكرية.

أما على صعيد العمليات العسكرية الميدانية، فالأمر تجاوز هذه المرة مشاركة قوات إسرائيلية بالجوار مع أخرى عربية، على أراض مشتركة، بل بات من المتصور الآن أن يتولى قادة إسرائيليون الإشراف على عمليات تأهيل لجنود عرب على أراض عربية، بل وتسمح التعديلات بأن يصدر الأمر للجنود العرب من القيادة التي قد تكون إسرائيلية في حالات الطوارئ.. ليظل السؤال الأكثر إلحاحا: على مَن ستطلق القوات الإسرائيلية-العربية النيران؟