على مدار تسع سنوات، كانت خيارات مراقبة ذكرى ثورة الخامس والعشرين من يناير، في ذلك اليوم من كل عام، تنحصر في الوقوف على حال من تبقى من الشباب الذي رافق رحلة الربيع العربي، وانتهى به الحال في السجون أو الملاجئ، مع ترقب سنوي لما قد تسفر عنه دعوات الحراك على الأرض من فعاليات.
لكن اليوم فقط يمكننا الحديث عن جيل جديد صعد منذ ثورة 25 يناير 2011، بعد مرور عقد كامل على اليوم الذي شهدت فيه مصر أعظم أيامها منذ حرب أكتوبر 1973، والذي تحررت فيهما مصر مرتين، مرة من الاحتلال الخارجي المتمثل في إسرائيل، ومرة من الاستبداد الداخلي المتمثل في نظام المخلوع حسني مبارك.
ذلك الجيل الصاعد من رحم الثورة، والذي يعيش الآن في مرحلة نكوصها وانكسارها أمام سلطة عسكرية غاشمة، انقلبت على رئيس منتخب ديموقراطيا للمرة الأولى في تاريخ بلد تتجاوز حضارته 7000 سنة، لم تعرف سوى مرة واحدة سمّى الناس فيها حاكمهم، هذا الحاكم الاستثنائي الفريد، مات في السجن.
يصعد ذلك الجيل وهو يرى مستقبله رهين نظام يدّعي أن كل ما تعانيه مصر اليوم هو عقاب إلهي على “جريمة” الثورة، بينما يرى بعينه كيف يدير الجنرال العسكري الديكتاتور مقاليد الأمور، ويأخذ البلاد إلى الهاوية بسرعة غير مسبوقة.. فكيف أثرت تلك المتغيرات في تشكيل الجيل الصاعد بعد ثورة يناير؟
غضب مكتوم
للمرة الأولى منذ 10 سنوات، تغيب دعوات الاحتجاج والنزول للشارع لإحياء ذكرى الثورة، وذاك بالتزامن مع تشديد الإجراءات الأمنية في العاصمة القاهرة وباقي المحافظات، وتفشي جائحة فيروس كورونا.
رئيس الوزراء مصفى مدبولي أصدر قرارا بإحالة بعض الجرائم من النيابة العامة إلى محاكم أمن الدولة طوارئ. وتضمنت هذه الجرائم، وفقا لما نشر بالجريدة الرسمية، التجمهر وتعطيل المواصلات والترويع والتخويف والمساس بالطمأنينة.
ويعمل بهذا القرار الحكومي اعتبارا من الساعة الواحدة من صباح أمس الأحد، أي عشية ذكرى ثورة 25 يناير، التي استبق عبد الفتاح السيسي ذكراها بزيارة يوم الجمعة الماضي كلية الشرطة والحديث مع الطلبة الجدد وذويهم، حيث تتوافق ذكرى الثورة مع عيد الشرطة المصرية.
استمرار الطوارئ
ودخل أمس الأحد أيضًا قرار مد حالة الطوارئ حيز التنفيذ، وكان مجلس النواب وافق قبل أيام على قرار تمديد حالة الطوارئ في جميع أنحاء البلاد لمدة 3 أشهر. وأوضح رئيس المجلس المستشار حنفي الجبالي أن القرار يدخل حيز التنفيذ ابتداء من الساعة الواحدة من صباح يوم الأحد 24 يناير 2021. ونص القرار في مادته الثانية على أن تتولى القوات المسلحة والشرطة اتخاذ ما يلزم لمواجهة الإرهاب وتمويله، وحماية الممتلكات العامة والخاصة وحفظ أرواح المواطنين.
تجربة محمد علي
يرى بعض النشطاء أن دعوات النزول هذا العام استنزفت قبل موعدها بعد شهور عندما دعا مقاول الجيش السابق والممثل المصري محمد علي المصريين للنزول والاحتجاج ضد النظام. وهي الدعوات التي زاد من زخمها تردي الوضع المعيشي، وتفشي فيروس كورونا، وقانون التصالح في مخالفات البناء وما تبعه من إزالة آلاف المنازل، مما أشعل غضب المصريين.
وشهدت البلاد وقتها استنفارا وانتشارا أمنيا كبيرا، ورغم ذلك خرجت احتجاجات مدفوعة بكل هذا الغضب في بعض القرى والمدن الصغيرة، خاصة في صعيد مصر، ولكنها ظلت محدودة وغير قادرة على التطور والتغيير.
وقبل أن تتسع مراكز الاحتجاجات كانت قوات الأمن قد ألقت القبض على مئات المحتجين، بينهم أطفال ونساء، وداهمت منازل آلاف المشاركين، وعملت قوات الأمن في الأيام التالية على اعتقال المزيد من المواطنين حتى بلغ عدد المعتقلين 4321 معتقلا، وفق المفوضية المصرية للحقوق والحريات في شهر أكتوبر الماضي.
استعدادات استثنائية
وخلال الأيام القليلة الماضية، شنت قوات الأمن حملة لتوقيف المواطنين وتفتيش هواتفهم بشوارع القاهرة بشكل متزايد مع اقتراب الذكرى العاشرة لثورة 25 يناير، حسب ما وثقته منصة “نحن نسجل” الحقوقية.
لكن على غير العادة، غابت أيضا التقارير الحقوقية التي توثق المداهمات الأمنية وحملات الاعتقال في صفوف المواطنين والنشطاء، التي تنشط قبيل ذكرى الثورة في كل وقت من هذا العام. كما لم تغب أزمة كورونا والإجرءات الاحترزاية عن المشهد، حيث يتفشى الفيروس في جميع أنحاء البلاد، وسط ضعف الإمكانيات الصحية ونقص المستلزمات الطبية.
وقال تقرير لوكالة الأنباء الفرنسية، صدر قبل أيام، إن القسوة سلاح السيسي لمنع تكرار 25 يناير أخرى، مشيرا إلى أن الذكرى العاشرة لثورة يناير تحل في مصر وسط حالة من الانسداد السياسي، وتبخر للحريات والمكاسب التي حققتها. وأضافت الوكالة في تقرير لها بمناسبة ذكرى ثورة يناير، أن حكومة السيسي لا تدخر جهدا لتجنب تكرار مثل هذا السيناريو، وتقمع بقسوة كل أشكال المعارضة.
تظاهرة رقمية
وفي حدث نادر، لم تشهد منصات التواصل الاجتماعي دعوات بارزة للنزول والاحتجاج، سواء من قبل النشطاء أو الأحزاب السياسية، وحل مكانها استحضار ذكراها في تغريدات ومنشورات على صفحات من عاصروها وشاركوا فيها.
وانقسم رواد مواقع التواصل الاجتماعي بين مؤيدين لثورة 25 يناير والتغني بأهدافها وأحداثها باعتبارها أول ثورة شعبية في تاريخ البلاد الحديث، وبين معارضين لها، وذهب البعض منهم إلى أن يوم 25 يناير هو عيد الشرطة المصرية، وذهب البعض الآخر إلى أنها مؤامرة. كما استمر الاشتباك والتراشق بين أنصار السيسي وبين معارضيه، فضلا عن اشتباك داخلي بين أنصار ثورة يناير حول المسؤولية عما آلت إليه الثورة في ذكراها العاشرة.
جيل جديد
يقرأ الجيل الصاعد في منصات البحث أنه في الثامن عشر من يناير 2011 اجتمع أعضاء الجمعية الوطنية للتغيير -ومعظمهم كانوا سياسيين تقليديين من متوسطي وكبار السن- في مقر حزب الغد بوسط القاهرة لمناقشة ما إذا كان من الأفضل تنظيم مظاهرات يوم 24 يناير 2011؟ أم تغيير الخطة والاستجابة للدعوة المجهولة التي أُطلقت يوم 25 يناير 2011؟
وبينما كان هذا الجيل الذي شارك معظم أفراده في تظاهرات 18و19 يناير 1977، تنتهي مناقشاته لقرار المشاركة في الدعوة لتظاهرات 25 يناير، لأنها لاقت استجابة أكبر من دعوتهم، كان هناك جيل جديد في العشرينيات من أعمارهم لم يكن بحاجة لمقر ولا لاجتماعات مباشرة، بل كان قد خطط لكل شيء عن بُعد عبر الإنترنت.
بين جيلين
وبعد مرور عقد كامل على ثورة يناير، أمسى أفراد هذا الجيل الجديد الذين قادوا الثورة وهم في منتصف ونهاية العشرينيات من أعمارهم، في الثلاثينيات اليوم وعلى أعتاب الأربعينيات من أعمارهم، وهم ما بين مشرد في المنافي بالخارج، ومسجون بالداخل أو مؤثر للسلامة من الأذى.
لذا فهذا الجيل الجديد الذي بات قديما لم يعد يصلح لقيادة ثورة جديدة، برأي مراقبين يرون أن شرط قيام ثورة هو وجود جيل جديد يخرج متخففا من أثقال الثورة القديمة وعقدها وآلامها. واحتاج المصريون منذ احتجاجهم قبل الأخير عام 1977 المعروف بانتفاضة الخبز، إلى أكثر من 30 عاما قبل الثورة الجديدة في يناير 2011.
وفي التباين الشديد بين اختلاف الجيل القديم الحاكم والجيل الجديد الناقم، ستولد مفارقة ترجح كفة انتصار الأخير، ولا سيما أن الهزة التي أحدثتها ثورة يناير في أروقة النظام أكبر مما يمكن أن يتخيله أحد.
اضف تعليقا