إذا كان ديكتاتور عربيا جمع المتناقضات من هنا وهناك، فسيكون للديكتاتور السوري بشار الأسد نصيب من اسمه، إذ إن استعراض قائمة الداعمين الدوليين له ستضم متناقضين بارزين، اختلفوا جميعا في مشاريعهم السياسية الخبيثة، واتفقوا جميعا في دعم أسوأ ما أنتجته الدكتاتوريات العربية.. وفي مقدمة هؤلاء الداعمين لأركان الدكتاتورية السورية، الإمارات.

 

وإذا كانت روسيا تدعم الأسد بالسلاح، وإيران بالمليشيات، فإن أبو ظبي اختارت أن تدعمه بالشيء الأبرز الذي تتقنه، سياسيا وواقعيا، الدعارة وتجارة البشر، وهو ما ظل حبيس التقارير والتحليلات لسنوات قبل أن تفضحه تحركات بعض الضحايا الآسيويات اللاتي كشفن عن تسريحهن عبر شبكات خاصة من أبو ظبي للخدمة في سوريا الأسد.

 

آخر فضائح الدعم الإماراتي للأسد، نشرتها صحيفة The Washington Post، والتي أكدت أن عشرات الأطفال والنساء من الفلبين، الذين وُظِّفوا للعمل بالإمارات وقعوا ضحايا للاتجار، بعدما أُجبِروا على العمل في الخدمة بسوريا، دون أن يسمح لهم بالاختيار أو تقرير المصير.

 

الصحيفة الأمريكية كشفت أنَّ نحو 35 امرأة لجأن إلى سفارة الفلبين في دمشق، بعد تعرضهن للاعتداء الجسدي والجنسي، أثناء العمل لدى العائلات السورية الثرية، وتنتظر النساء الآن العودة إلى الوطن، وهي عملية قد تستغرق سنوات.

 

تحدثت 17 امرأة وطفلة فلبينيين، وبعضهم لم يكن يتجاوز 12 عاماً، وقالوا إنهم حُرِموا من أجورهم مقابل العمل الذي أُجبِروا عليه. من بين هؤلاء فلورديليزا أريجولا، البالغة من العمر 32 عاماً، التي تمكث حالياً في سفارة الفلبين.

 

أريجولا ذكرت أنها نُقِلَت إلى سوريا في عام 2018، وكشفت عن سوء معاملة تعرضت لها، وقالت: “صفعني صاحب العمل وضغط على رأسي باتجاه الحائط، هربت لأنه لم يمنحني راتباً لمدة تسعة أشهر”، وأضافت أنها انتظرت حتى خلد الرجل إلى النوم، وتسلقت على الجدار وهربت، ولم يكن بحوزتها سوى بعض المال لاستقلال سيارة أجرة إلى السفارة.

 

كذلك صرّحت سيدات فلبينيات أخريات بأنهن وصلن إلى سوريا بعدما جلبتهن وكالات التوظيف إلى الإمارات، بتأشيرات سياحية لمدة 30 يوماً، وعند وصولهن إلى الإمارات قالت النساء إنهن احتُجِزن في أماكن معيشة ضيقة وقذرة.

 

أضافت سيدات فلبينيات أنهن أُخبِرن بإمكانية الذهاب إلى مناطق “خالية من الصراع” في سوريا؛ حيث سيعملن لدى العائلات الغنية في ظروف أفضل. وكشفن للصحيفة أنَّ الرفض غالباً ما أدى إلى تعرضهن للاعتداء الجسدي والتهديدات.

 

امرأة فلبينية أخرى اسمها جوزفين تاواجينغ، وتبلغ من العمر 33 عاماً، لا تزال عالقة في سوريا، وقالت إنها حُبِسَت في غرفة مظلمة بعد وصولها إلى دبي، وأخبرت أنها ستُنقَل إلى دمشق على الرغم من احتجاجاتها. استذكرت تاواجينغ المحنة التي تعرضت لها في 2019، وقالت: “صبوا غضبهم عليّ، وقالوا: إذا لم تذهبي فسنقتلك”.

الأسد: تركيا متواطئة مع المجموعات الإرهابية في سرقة وبيع النفط السوري - بوابة الشروق - نسخة الموبايل

نعيش في سجن

كذلك ذكرت أربع نساء فلبينيات إحدى وكالات السمسرة في دمشق، التي تدير أسواق الاتجار بالبشر باسم “نبلاء الشام”، والتي قال محاميها رمضان محمد، في تصريح للصحيفة الأمريكية عبر تطبيق واتساب إن “روايات هؤلاء النساء غير صحيحة تماماً”. 

 

محمد أضاف أن “النساء موافقات على القدوم للعمل في سوريا، وهذا [مؤكد] في مقاطع فيديو مسجلة بأصواتهن وصورهن من المكتب المُرسِل قبل سفرهن، فيما نؤدي نحن دورنا بتأمين الكفلاء والمنازل والأشخاص الذين يعاملونهن معاملة جيدة وإنسانية للغاية”. لكن النساء يروين قصة مختلفة تماماً؛ إذ يقلن إنه بمجرد بيعهن لوكلاء استمر العنف أو تصاعدت حدته في الغالب. 

 

ووصفت بعض النساء الفلبينيات استمرار تعرضهن لسوء المعاملة بعد الوصول إلى سفارة بلدهن في دمشق، وقلن إنهن عُوقِبن على ارتكاب مخالفات، ومُنِعن عن بعض وجبات الطعام، ووُضعِن في مهاجع باردة ومزدحمة توصد ليلاً، وأضفن أنَّ الموظفين في السفارة صادروا هواتفهن. وذكرت امرأة تبلغ من العمر 48 عاماً، احتمت بالسفارة، أنه “لمدة خمسة أشهر تقريباً لم نتمكن من الاتصال بأسرنا لأنَّ السفير صادر هواتفنا، الوضع يشبه السجن”.

 

فضائح أخرى

دعم أبو ظبي للأسد لم يتوقف عند الإتجار بالبشر، بل تجاوزه إلى ما نشره موقع “أوريان 21” الفرنسي من معلومات عن الدعم الذي تقدمه أبو ظبي للنظام السوري، مؤكدا أن التقارب بين الجانبين يتجاوز مجرد تطبيع للعلاقات الدبلوماسية، حيث قال التقرير إن المعلومات التي استمدها من تحقيق أجرته لجنة “العدالة والحرية للجميع” الفرنسية غير الحكومية تكشف عن وجود مساعدات لإعادة الإعمار وشراكات عسكرية وأمنية.

 

ووفق التقرير قامت الإمارات، فور إعادة فتح سفارتها في دمشق أواخر 2018، بتقديم مساعدات طبية وغذائية للمستشفيات في المناطق التي يسيطر عليها النظام السوري. وكذلك تولت الإمارات تمويل عملية إعادة بناء مبان عامة ومحطات للطاقة وشبكات مياه في العاصمة السورية.

 

وتؤكد المصادر التي استند إليها التقرير أن الإمارات تقدم الدعم العسكري لنظام بشار الأسد. وتقول إن ثمانية ضباط إماراتيين سافروا لتقديم المشورة لقيادة قوات النظام السوري، وإن خمسة طيارين سوريين التحقوا -في تاريخ لم تحدده المصادر- بكلية خليفة بن زايد الجوية في مدينة العين غرب أبو ظبي من أجل تحسين مهاراتهم.

 

وكشف التقرير أيضا أن أبو ظبي توفر تدريبات تقنية وعلمية لمسؤولين رفيعين في المخابرات العسكرية السورية. وتستغرق التدريبات بين شهرين و12 شهرا بحسب محتواها، وتشرف عليها مؤسسات مختلفة منتشرة في أنحاء الإمارات. وهكذا تم تدريب 31 ضابط صف وثمانية من مهندسي الحاسوب المدنيين على نظم المعلومات والاتصالات والأمن الرقمي.

 

ووفقا للتقرير، يشرف على المتدربين أربعة ضباط من المخابرات السورية، من بينهم العقيد ذو الفقار وسوف، وهو مسؤول التدريبات داخل المخابرات العسكرية، بالإضافة إلى المقدم جهاد بركات صهر ابن عم الأسد.