لا شك أن إدارة بايدن تسعى إلى إيجاد مسار أفضل في العلاقات الأمريكية السعودية، لكن السعي الأمريكي وحده غير كافياً، خاصة مع وجود العديد من العقبات السعودية التي تحول دون إنجاح محاولات بايدن وإدارته.

إحدى تلك العقبات وبكل وضوح تتمثل في استمرار اعتقال نجلي سعد الجبري داخل السعودية، والذين كان محمد بن سلمان -ولي العهد- قد أمر بالقبض عليهما للضغط على والدهما للعودة إلى المملكة من كندا، حيث يعيش في المنفى فراراً من بطش الأمير الشاب.

 

اُعتقل عمر وسارة نجلي الجبري في مارس/آذار الماضي، ومنذ ذلك الحين وأخبارهم منقطعة عن العائلة رغم كافة المحاولات للإفراج عنهما، ليصبح الشابان رهائن في أيدي النظام، كما صرح شقيقهما الأكبر خالد -طبيب قلب يعيش في المنفى مع والده- للضغط على الوالد للعودة كونه مسؤول مخابرات سابق ولديه من الأسرار ما تجعل بن سلمان حريص على عودته أكثر من أي شيء آخر.

 

في رسالة إليكترونية تلقاها “ديفيد إيغناتيوس”- الصحفي في الواشنطن بوست- قال خالد الجبري إن تأمين حرية إخوته “سيكون الاختبار الأبرز لقدرة الإدارة الأميركية الجديدة على التأثير على سلوك محمد بن سلمان وتغييره”، وأضاف خالد أن أي مزاعم سعودية ضد والده “يجب معالجتها من خلال القنوات القانونية القائمة بشفافية كاملة”.

 

 

حالة اعتقال نجلي الجبري لاقت سخطاً كبيراً في الأوساط الحقوقية بل والسياسية أيضاً، حتى أن وزارة خارجية ترامب، الذي لم يتوقف عن تقديم الدعم القوي لابن سلمان في كافة المحافل والمناسبات، انتقدت عملية اعتقالهما، وأصدرت بياناً في أغسطس/آب الماضي وصفت فيه استمرار اعتقال أبناء الجبري للضغط عليه أمر “غير مقبول”، وحثت على الإفراج الفوري عنهما

 

تقع القضية الحساسة الآن على عاتق إدارة بايدن، التي تريد الحفاظ على الشراكة الأمنية الأمريكية مع المملكة العربية السعودية من جهة، لكنها تسعى أيضًا إلى “إعادة تقييم للعلاقات” بحيث تُعطى حقوق الإنسان أولوية كبرى.

 

في تصريح خاص لمسؤول رفيع في وزارة الخارجية يوم الأحد، قال “ستواصل وزارة الخارجية الأمريكية تأكيدها للسلطات السعودية أن أي محاكمة لأسرة الجبري غير مقبولة”، مضيفاً “نحن قلقون من الظروف التي أدت إلى نفي سعد الجابري في كندا… سنواصل إثارة هذه المخاوف مع كبار المسؤولين السعوديين”.

 

في رسالته ذكر خالد الجبري أن شقيقيه “عمر وسارة” حُكم عليهما بالسجن تسع سنوات وستة سنوات ونصف في نوفمبر/تشرين الثاني في محاكمة سرية، وذلك إثر اتهامهما بغسل الأموال والتآمر للهروب من المملكة.

“هذه تهم خاطئة وغير منطقية”.. هكذا علق خالد على تهم إخوته، موضحاً أن الأموال محل الاتهام هي “نفقات المعيشة العادية” الخاصة بالأسرة، وأما خطة الهروب “المزعومة” فاعتمدت المحكمة على أنها جاءت أثناء إغلاق حدود البلاد بسبب كوفيد -19.

 

كما قال خالد الجبري إن المدعي العام السعودي لم يقدم أي دليل مباشر على ارتكاب إخوته لهذه الجرائم، وأن المحامي الذي تم تعيينه لتمثيلهم لم يُسمح له بمقابلتهما في أماكن احتجازهم غير المعلنة.

 

لكن لماذا تهتم الإدارات الأمريكية والمسؤولين بهذه القضية؟ الجواب هو أن سعد الجبري كان شريكًا رئيسيًا لوكالة المخابرات المركزية في جهودها لمكافحة الإرهاب ضد تنظيم القاعدة.

 

تم التأكيد على هذا المعنى في رسالة أُرسلت إلى ترامب من قبل أربعة أعضاء في مجلس الشيوخ من الحزبين في يوليو/تموز الماضي، حيث أكدوا أن الجبري “نُسب إليه الفضل من قبل مسؤولي وكالة المخابرات المركزية السابقين لإنقاذ آلاف الأرواح الأمريكية من خلال اكتشاف المؤامرات الإرهابية ومنعها”.

 

وأكد أعضاء مجلس الشيوخ: “نعتقد أن الولايات المتحدة لديها التزام أخلاقي لفعل ما في وسعها للمساعدة في ضمان إطلاق سراح أبنائه”.

 

التنكيل بعائلة الجبري لم يبدأ مع اعتقال عمر وسارة في مارس/آذار الماضي، بل تم استهدافهما قبل ذلك بكثير، مع استيلاء بن سلمان على السلطة في 21 يونيو/حزيران 2017 بإطاحة ولي العهد الأمير محمد بن نايف، الذي كان راعي سعد الجبري، حيث تم إيقاف الأبناء في مطار الرياض في ذلك اليوم أثناء سفرهما للدراسة في الولايات المتحدة، كانت وقتها سارة تبلغ من العمر 17 سنة، موُنعت من مغادرة البلاد؛ وعليه رفض شقيقها عمر الذي كان يبلغ من العمر 18 عامًا، المغادرة بدونها.

 

في البداية، تجاهل بن سلمان مناشدات الجبري لرفع حظر السفر عن نجليه، لكنه في سبتمبر/أيلول من العام ذاته أرسل له رسالة جاء بها “أريد أن أحل مشكلة ابنك وابنتك، لكن هذا ملف حساس للغاية هنا”، قد واعتبر الجبري ذلك إشارة إلى ولي العهد السابق -محمد بن نايف- الذي اتهمه محمد بن سلمان بالتآمر مع الجبري لاختلاس أموال من المخابرات، وهي التهم التي نفاها الاثنين من خلال محاميهم.

 

عندما رفض الجبري طلب محمد بن سلمان للتعاون في رسائل سبتمبر/أيلول 2017، حذر ولي العهد من أنه سيسعى إلى القبض على الجبري من خلال مذكرة الإنتربول أو “وسائل أخرى من شأنها أن تضر بك”، وفقًا للمراسلات التي قدمتها العائلة.

 

عرض رئيس الوزراء الكندي السابق بريان مولروني التوسط في نوفمبر/تشرين الثاني 2017 وزار البيت الأبيض لمناقشة القضية مع غاريد كوشنر، صهر ترامب وكبير مستشاريه، وفقًا لخالد الجبري، الذي قال إن كوشنر رد، من خلال مولروني: “إنه وضع سام، كل شخص يمتلك أدلة إدانة من شأنها أن تضر بالطرف الآخر”.

 

مضت الحكومة السعودية قدما في طلبها إصدار مذكرة توقيف من الإنتربول بحق الجبري، بدعوى الفساد، لكن لجنة الانتربول رفضت الطلب في يوليو/تموز 2018، وأشارت اللجنة في قرارها إلى أن “الإجراءات التعسفية غير المبررة المتخذة ضد عائلته تشير إلى أن القضية ذات دوافع سياسية وليست قانونية”.

 

من جانبه، رفع سعد الجبري دعوى قضائية ضد محمد بن سلمان في أغسطس/آب 2020 في محكمة جزئية فيدرالية بواشنطن، على أمل الخروج بحل قضائي للقضية أو التفاوض على تسوية، وفي اليوم الذي رفعت فيه الدعوى، أرسلت وزارة خارجية ترامب خطاب دعمها الاستثنائي للجبري، واصفة إياه بأنه “شريك قيم للحكومة الأمريكية، يعمل معنا عن كثب لضمان سلامة الأمريكيين”، وجاء في الرسالة أن “أي اضطهاد لأفراد عائلة الجبري أمر غير مقبول”.

 

تريد إدارة بايدن الحفاظ على شراكة استراتيجية مع المملكة العربية السعودية، تمامًا كما فعلت إدارة ترامب، لكن أي إعادة ضبط يجب أن تعالج القلق الواسع بين الحزبين في واشنطن بشأن انتهاكات حقوق الإنسان السعودية، وخصوصاً قضية أبناء الجبري.

 

 

للاطلاع على النص الأصلي من المصدر اضغط هنا