قتل بالاهمال

مر عقد من الزمان على الثورة المصرية، التي كانت بداية لتغيير حقيقي في السياسة داخل البلاد، ورغم أن أهم أهداف الثورة كان العبور بالبلاد نحو واقع ديموقراطي وحر، تكتظ الآن السجون بعشرات الآلاف من المعتقلين السياسيين الذين تنتقم منهم السلطات بالإهمال الطبي والحرمان من الرعاية الطبية.

في تقرير جديد أصدرته منظمة العفو الدولية، ذكرت أن السجون المصرية تضم ما لا يقل عن ضعف عدد الأشخاص التي تسمح سعة تلك السجون باستيعابهم، وفضلاً عن التكدس داخل السجون، تتعمد الأجهزة الأمنية استهداف سجناء الرأي بالحرمان من الرعاية الصحية، بالإضافة إلى ذلك، أكدت المنظمة أن جميع السجناء مع اختلاف توجهاتهم ونوعية قضاياهم، يتعرضون لخطر داخل السجن الموت طوال الوقت بسبب النقص الشديد في الرعاية الأساسية الواجب توفيرها من قبل السلطات.
الغارديان: الإهمال الطبي أداة النظام المصري للانتقام من المعتقلين   

حسين باعومي، باحث مصري في منظمة العفو الدولية، قال إن “هناك شعور بأن المسؤولين داخل السجون، وخاصة أفراد جهاز الأمن الوطني، يحاولون سحق الثورة من خلال استهداف هؤلاء المعتقلين السياسيين، وتقويض حقهم في الصحة والكرامة”.

قدمت العفو الدولية تفاصيل عن الأعمال الانتقامية المرتكبة ضد السجناء السياسيين، وعلى رأسها الحبس الانفرادي الذي إلى 23 ساعة في اليوم أحياناً، كذلك الحرمان من الزيارات العائلية ومنع الحصول على طرود الطعام الأساسية التي يسلمها الأقارب.

في تقريرها تناولت العفو الدولية حالة 67 محتجزاً في 16 سجناً، وقامت بسرد المعاناة التي يتعرضون لها سواء سوء المعاملة أو سوء أوضاع الاحتجاز والتعريض المستمر للإهمال الطبي الذي تستمر آثاره حتى بعد الإفراج، إذ رصدت المنظمة وفاة اثنين بعد وقت قليل من إطلاق سراحهما متأثرين بكورونا، بالإضافة إلى 10 آخرين توفوا نتيجة الإهمال الطبي.

بعد عقد من الاحتجاجات التي أنهت حكم السلطوي حسني مبارك الذي استمر 30 عامًا، يقبع العديد من الشخصيات التي قادت الثورة المصرية أو شاركت فيها الآن خلف القضبان، أصحاب توجهات مختلفة، إسلاميين ومحامين حقوقيين، وكذلك المواطنين العاديين أصحاب الآراء المعارضة بتهم “نشر أخبار كاذبة”، والسعي للإطاحة بالنظام الحالي.
صحيفة: الأمن المصري يُصفي المعتقلين ويعلن مقتلهم باشتباكات | الخليج أونلاين

في سياق متصل، ماري لولور، المقررة الخاصة للأمم المتحدة المعنية بالمدافعين عن حقوق الإنسان، قامت مؤخراً بتوجيه إدانات للنظام المصري لاستهدافه النشطاء والمدونين، حيث يقبع العشرات منهم الآن في الحبس الاحتياطي، حيث قالت “لا يقتصر الأمر على استهداف المدافعين عن حقوق الإنسان والصحفيين وغيرهم من الفاعلين في المجتمع المدني بشكل غير ملائم بسبب دفاعهم المشروع والسلمي عن حقوق الإنسان والحريات الأساسية، بل توجه لهم اتهامات ملفقة بالانتماء إلى منظمات إرهابية ويتم تصويرهم تحت الضغط على أنهم تهديد للأمن القومي بموجب أحكام قانونية غامضة”.

منذ مجيئه إلى السلطة في انقلاب عسكري في 2013، شن عبد الفتاح السيسي حملة واسعة -مستمرة حتى الآن- للقضاء على المعارضة السياسية واستهدف حرية التعبير، وقمع الحق في الاحتجاج، بل وصل استبداده إلى اعتقال رجل حمل لافتة تطالبه بالتنحي -بصورة سلمية.

المعترضون على تعامل الدولة مع جائحة كورونا تعرضوا للاعتقال أيضاَ، إذ شملت الاعتقالات الأخيرة عدداً من العاملين في مجال حقوق الإنسان والأطباء الذين انتقدوا كبار المسؤولين في الدولة في طريقة التعامل مع الجائحة.

وفي 24 يناير/كانون الثاني، اعتقلت قوات الأمن رسام الكاريكاتير أشرف حمدي بعد أن ساعد في إنشاء فيلم رسوم متحركة قصير حول ذكرى الثورة.

ومع ذلك، تظل الأزمة الكبرى في مصر هي الطريقة التي يتعامل بها المعتقلون داخل السجون المصرية، التي تعاني أغلبها من تكدس المعتقلين بداخلها، حيث يتم تكديس مجموعات كبيرة في زنازين صغيرة، يُمنح فيها السجين في المتوسط ما مساحته ​​1.1 مترًا مربعًا، أي أقل بكثير من الحد الأدنى البالغ 3.4 متر مربع الذي يوصي به الصليب الأحمر الدولي.

المثير للدهشة أن السيسي أكد منذ فترة طويلة أنه “لا يوجد سجناء سياسيون في مصر”، ولا تنشر الحكومة بيانات دقيقة عن نظام السجون غير المنضبط، ووفقًا لمفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان، فإن نظام السجون في مصر يضم على الأقل ضعف عدد السجناء الذي ادعى السيسي أنهم إجمالي السجناء في مصر.

حتى الآن لا توجد وسيلة واضحة لتحديد عدد دقيق لمعتقلي الرأي في المصر رغم المحاولات المستمرة من الجماعات الحقوقية، بخصوص ذلك قال باعومي “الأكيد أنه يوجد عشرات الآلاف من المعتقلين، مع تقسيم القضايا السياسية بين تلك التي حوكمتها نيابة أمن الدولة العليا، والآلاف رهن الاحتجاز السابق للمحاكمة وأولئك الذين أدينوا مرارًا وتكرارًا في قضايا متعددة، لكن جمع هذه المعلومات صعب للغاية”.

منظمات أخرى مثل “مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان” أشارت إلى انتشار ممارسة “إعادة تدوير القضايا” حيث يتم توجيه تهم تعسفية للسجناء بارتكاب جرائم جديدة لمنع إطلاق سراحهم، وهي ممارسة معروف أنها تتم من نيابة أمن الدولة العليا، وهي محكمة تعمل جنبًا إلى جنب مع وكالة الأمن القومي لإنشاء ما وصفته منظمة العفو الدولية بأنه “نظام قضائي موازٍ”، يستهدف “أعداء الدولة” المزعومين.

على الرغم من كافة تلك الإدانات الحقوقية لما يتم داخل السجون المصرية، بكل أسف لم تؤثر هذه الانتهاكات الجسيمة على سمعة السيسي بين رؤساء الدول المختلفة، إذ قدم الرئيس إيمانويل ماكرون مؤخرًا إلى نظيره المصري أعلى وسام في فرنسا “جوقة الشرف”، وبالإضافة إلى ذلك أفادت الحملة الدولية ضد تجارة الأسلحة -التي تقوم بتعقب صادرات الأسلحة البريطانية- أن المملكة المتحدة قد رخصت ما لا يقل عن 218 مليون جنيه إسترليني من الأسلحة لمصر منذ ثورة 2011.

من جانبه، قال باعومي “الآن وقت مهم للغاية بالنسبة للمجتمع الدولي”، مشدداً على ضرورة الضغط على مصر للكشف عن المزيد للمنظمات الدولية حول الأوضاع داخل السجون، مضيفاً “حان الوقت الآن للقيام بذلك من أجل إنقاذ الأرواح… وإلا سيموت المزيد من الناس في السجن”.

للاطلاع على النص الأصلي من المصدر اضغط هنا

اقرأ أيضًا: الذكرى العاشرة لثورة يناير.. كيف أثرت “عشرية التحرير” على الجيل الصاعد؟