لروسيا تاريخ طويل من الحظ السيء في اختيار حلفائها بالمنطقة العربية، ديكتاتور دموي في سوريا، وعسكري فاشل في ليبيا، وآخِر حليف خليجي يمكن الوثوق في ولائه أو صِدقه.. الإمارات العربية المتحدة، صاحب كيس المال الذي أغرى الروس ببيعهم منصة إطلاق صواريخ بانتسير الروسية، لتمررها أبو ظبي إلى مليشيات حفتر في ليبيا.. فكيف كانت نتيجة تلك الحماقة الروسية؟
الحماقة الروسية هنا ليست في عملية البيع نفسها، بل في اختيار العميل غير الموثوق، وفي الرهان على حليف متوهم لا يبدو أنه يمتلك أي مقومات للثقة أو الاقتراب من الانتصار، إذ كل المؤشرات الميدانية في ليبيا تفيد بتخذل مليشيات حفتر لصالح القوات الشرعية بحكومة الوفاق، لكن يبدو أن المال الإماراتي والغرور “البوتيني” الأبيض قد نقل خسارة حفتر من طرابلس إلى موسكو.
منصة إطلاق صواريخ بانتسير الروسية، واحد من أقوى أنظمة الدفاعات العسكرية حول العالم، وفخر الصناعة العسكرية الروسية منذ سنوات، باتت اليوم كاملة في يد الولايات المتحدة الأمريكية، الخصم التقليدي للروس، والفضل في ذلك يعود للإمارات، التي أهدت المنصة إلى عصابتها الخاسرة في ليبيا، قبل أن تفر هاربة من أمام قوات الوفاق، لتقع المنصة كاملة في يد القوات المنتصرة، والتي قررت تمريرها إلى ألمانيا، ومنها وصلت إلى الولايات المتحدة.
تكمن أهمية هذه المنظومة في أنها مصممة لحماية المنشآت المدنية والعسكرية المختلفة أو لتغطية الأنظمة الصاروخية المضادة للجو المتوسطة والبعيدة المدى، مثل أس – 300 وأس – 400 لذلك فهو قادر على مجابهة جميع أنواع التهديدات المعادية سواء كانت طائرات مقاتلة، مروحيات، طائرات دون طيار أو صواريخ كروز ويمكنه تدمير الأهداف البرية والبحرية ذات الدرع الخفيف، وذلك على مديات تصل إلى 20 كم وارتفاع حتى 15 كم.
في أيدٍ أمريكية
صحيفة “تايمز” البريطانية نشرت مطلع هذا الأسبوع تقريرا يؤكد أن منظومة “بانتسير- سي 1” للدفاع الجوي روسية الصنع، أصبحت الآن في واشنطن، بعد تسريبها من ليبيا وتسليمها سرا إلى قاعدة رامشتاين الجوية الأمريكية في ألمانيا“، والتي نقلتها بدورها إلى الولايات المتحدة الأمريكية قبل أيام من نهاية هذا الأسبوع.
وقال البنتاجون على لسان متحدثته جيسيكا مكنولتي إن الوزارة على علم بما نشرته صحيفة “تايمز” حول تسليم منظومة “بانتسير- سي 1” للدفاع الجوي روسية الصنع في ليبيا، ونقلها للقوات الأمريكية، مشيرة إلى أن “وزارة الخارجية يمكنها تقديم المزيد من البيانات حول سياسة واشنطن تجاه ليبيا”.
حصرية مفقودة
بانتسير هى منظومة دفاع جوي ارض-جو قصير ومتوسط المدى، روسي الصنع صمم من قبل مكتب صناعة الأجهزة (KBP Instrument Design Bureau) وهو تطوير لنظام تنجوسكا (Tunguska)، والنظام بوسعه إطلاق النار في حالة الحركة والتوقف وبإمكانه متابعة 20 هدف في وقت واحد وإطلاق الصواريخ على 4 منها، وتصل سرعة الصاروخ إلى 1300 م/ث.
وكان المشروع في البداية موجها للقوات الروسية، لكن التطوير توقف لسنوات بسبب قلة الموارد ثم أعيد إطلاق المشروع بعد طلب من الإمارات التي تبنت تمويل مشروع التطوير سنة 2000 وطلبت تزويدها بـ 50 نموذج فانطلق المشروع مرة أخرى لتلبية الطلب الإماراتي الذي تعزز بطلبات من دول أخرى كالجزائر وسوريا.
وتحتوي المنظومة على الصواريخ والقذائف المدفعية المضادة للطائرات، وتستطيع منظومة “بانتسير” اكتشاف مختلف الأهداف بما فيها الأهداف الصغيرة الحجم. وتم تعزيز تحصينها ضد التشويش الإلكتروني، وتمت صناعة صاروخ جديد مضاد للطائرت من أجلها، وستستخدم المنظومة صاروخا صغير الحجم رخيص الثمن ضد الطائرات المسيّرة.
وتوضع منظومة “بانتسير-إس إم” في أحدث سيارة متطورة تعرف باسم “تورنادو”. ووفق موقع “فيستنيك” فإن منظومة “بانتسير-إس إم” واحدة من أفضل منظومات الدفاع الجوي القريبة المدى، ومن الصعب بل من المستحيل إصابتها وتدميرها.
مهمة سرية
صحيفة التايمز أفادت أن المنظومة صواريخ رُكبت على شاحنة وتم الاستيلاء عليها في ساحة المعركة بليبيا نُقلت إلى قاعدة جوية أمريكية في ألمانيا في مهمة سرية، وأضافت أنه صدرت الأوامر بالعملية وسط مخاوف من أن تقع منظومة صواريخ بانتسير إس-1، التي تستطيع إسقاط الطائرات المدنية بسهولة، في أيدي المليشيات أو مهربي الأسلحة في ليبيا التي مزقتها الحرب.
وتضمنت العملية، وفقا للتايمز، إرسال فريق على متن طائرة شحن تابعة للقوات الجوية الأمريكية إلى مطار زوارة غرب العاصمة طرابلس لتحميل المنظومة ونقلها إلى قاعدة رامشتاين في جنوب غرب ألمانيا، ومنها إلى الولايات المتحدة.
وكانت الإمارات قد اشترت هذه المنظومة من روسيا، وأرسلتها إلى ليبيا لدعم مليشيات حفتر، وعندما تم الاستيلاء عليها كانت قوات حفتر متورطة في معركة لانتزاع السيطرة على طرابلس من حكومة الوفاق المعترف بها دوليا، بينما كان حفتر مدعوماً من الإمارات وروسيا. ويُعتقد أن مرتزقة من مجموعة فاغنر الروسية قاموا بتشغيل بعض أنظمة الدفاع الجوي، وتم الاستيلاء على مدفعية البانتسير بعد سيطرة قوات الوفاق على قاعدة الوطية الجوية.
ملعب عالمي
وتلقي تلك المهمة مزيدًا من الضوء على الإجراءات السرية التي تقوم بها الولايات المتحدة ضد الوجود الروسي في ليبيا، التي تمتلك بعضًا من أكبر احتياطيات النفط في أفريقيا، فبينما أظهر الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترمب القليل من الاهتمام بالصراع الليبي، سعى البنتاغون ووزارة الخارجية لفضح الدور الروسي المتنامي هناك.
وفي عام 2019، أبلغت الولايات المتحدة السلطات الليبية عن وجود مستشارين سياسيين روس في ليبيا يعملون لصالح مؤسس شركة فاغنر، يفغيني بريغوزين. وفي العام الماضي، اتخذت القيادة العسكرية الأمريكية في أفريقيا خطوة غير عادية عندما نشرت معلومات مخابراتية حول نشر طائرات روسية متقدمة في ليبيا لدعم حفتر.
وقالت التايمز إن لدى الولايات المتحدة حسابا تريد تصفيته مع روسيا لأنها تعتقد أن منصة صواريخ بانتسير التي يديرها فنيو فاغنر أسقطت إحدى طائراتها المسيرة من طراز (ريبر Reaper)، التي تبلغ تكلفتها حوالي 32 مليون دولار أمريكي، أثناء قيامها برحلة مراقبة فوق ليبيا. وحينها طالب الجيش الأمريكي باستعادة الحطام لكن حفتر زعم جهله بالموقع.
حليف غير موثوق
يعلم الروس أن الإماراتيين لا يمكن الوثوق بهم، وهذا ما صرح به ضمنيا مسؤول روسي للصحيفة البريطانية بأن موسكو كانت على علم بأن الولايات المتحدة استولت على نظام بانتسير لكنه أشار إلى أن هذا الاستيلاء له قيمة مخابراتية محدودة، إذ ستتاح للولايات المتحدة الفرصة لدراسة نفس النظام في الإمارات، إذ إن الأخيرة عملت بشكل وثيق مع فاغنر، وساعدت في تمويل آلاف المرتزقة في ليبيا، لكنها في الوقت نفسه حليف وثيق للولايات المتحدة، كما أنها اشترت أكثر من 50 منظومة صواريخ بانتسير.
وأشارت التايمز إلى أنه بعد الاستيلاء على المنظومة من قاعدة الوطية الجوية في 18 مايو 2020، نقلها المقاتلون إلى بلدة الزاوية غربي طرابلس، حيث استولى عليها قائد ميليشيا سيئ السمعة يُدعى محمد بحرون، ويشتبه في أن له صلات بمهربين ومتطرفين. لكن القوات التابعة لوزير الداخلية فتحي باشاغا أجبرت مقاتلي بحرون على تسليم النظام الصاروخي، ومن ثم نُقل إلى قاعدة تستضيف القوات التركية ثم إلى المطار.
ويقول مراقبون إن الحادثة لم تنعكس بشكل إيجابي لا على روسيا ولا على الإمارات، إذ من المفترض أن الأمم المتحدة تفرض حظرًا على الأسلحة يمنع تصديرها إلى ليبيا، التي تعاني من اضطراب مستمر تقريبًا منذ أن أطاحت ثورة شعبية بالعقيد معمر القذافي عام 2011، لكنها لم تكن تعلم أنها على موعد مع مستقبل أكثر دموية برعاية الروس ومن أمامهم حلفائهم غير الموثوقين في أبو ظبي.
اقرأ أيضًا: حكومة كونتي تلغي تصدير صواريخ وقنابل للسعودية والإمارات على خلفية الجرائم المرتكبة في اليمن وليبيا
اضف تعليقا