بعد مرور عام على وفاة السلطان قابوس بن سعيد، وتعديل نظام الحكم، الذي أصبح يشبه الأنظمة الأخرى في الخليج، ما زال السلطان هيثم بن طارق، يحافظ على خط الحياد الذي تتخذه الدولة في علاقاتها الدولية، لكن الشيء الغريب في هذه السياسة حتى الآن هو تجميد تطبيع العلاقات مع إسرائيل.
ففي نهج مخالف لجارتيه الإمارات والبحرين أو حتى المغرب لا يبدو أن هيثم بن طارق (65 عاما)، حاكم البلاد منذ وفاة ابن عمه في يناير/ كانون الثاني 2020، في عجلة من أمره لتطبيع علاقاته مع إسرائيل، رغم أنه قبل عام ونصف من وفاته، كان السلطان قابوس أول زعيم عربي في الخليج يستقبل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في مسقط.
وقالت كاميل لونس، الباحثة في المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية (IISS) خلال مقابلة مع إذاعة “فرانس كليتور” إن سلطان عمان الحالي يركز عمله على الإصلاحات الاقتصادية في مواجهة الأزمة المرتبطة بانخفاض أسعار النفط الخام ومكافحة وباء فيروس كورونا المستجد “كوفيد -19”.
وأعلن السلطان هيثم منذ بداية عهده أنه سيواصل المسيرة التي انتهجها السلطان قابوس في السياسة الخارجية، أي تكون عمان سويسرا المنطقة أي وسيط في الأزمات الإقليمية، باعتبارها دولة محايدة.
سياسة الحياد
ونوهت بأن مسقط لديها علاقات متوازنة إلى حد ما بين كل من إيران والمملكة العربية السعودية، كما أنها في وقت أزمة قطر، لم تنضم عُمان إلى الدول الأخرى (السعودية والإمارات البحرين ومصر) في مقاطعة الدوحة.
ووفقا للباحثة الفرنسية فإن سياسة الحياد هذه، طالما كانت هي قوة عمان على الساحة الإقليمية التي أنقذتها من الوقوع في صراعات النفوذ الدائرة في المنطقة، لكنها حتى لو بقيت على هذا النهج، فإن أولويات السلطان هيثم اليوم لم تعد كما هي عندما وصل للسلطة.
فبما أن هذا العضو في “مجلس التعاون الخليجي”، هو الأقل ثراءً في مجلس التعاون الخليجي، إذ لا يملك موارد نفطية مهمة مثل تلك الموجودة في الممالك الأخرى بالمنطقة، ويعاني أيضًا من صعوبات بسبب انخفاض أسعار النفط الخام ووباء فيروس كورونا، تواصل الباحثة الفرنسية، فإن السلطان هيثم جعل الاقتصاد على رأس أولوياته في السنوات المقبلة.
صعوبات مقلقة
ونوهت بأن هذا البلد الصغير، يواجه صعوبات اقتصادية مقلقة بشكل خاص، ومن الممكن بالفعل أن تتراجع أولوياته تجاه القضايا الدبلوماسية والإقليمية وغيرها لبعض الوقت.
فقبل أزمة فيروس كورونا بوقت طويل، بدأت عمان في تنفيذ إصلاحات اقتصادية مهمة من أجل تقليل اعتمادها على النفط وتنويع اقتصادها نحو قطاعات أخرى، لا سيما السياحة، والخدمات اللوجستية، والصناعات، من أجل تعزيز القطاع الخاص.
كما تم اتخاذ قرارات للحد من استخدام العمالة الأجنبية، وهي الآن سياسة تؤثر أيضًا على البلدان الأخرى في المنطقة، حيث ما يقرب من نصف سكان عمان من أصل أجنبي، وهم عمالة منخفضة التكلفة يأتون من جنوب قارة آسيا، ولذلك فإن جزءًا من سياسة مسقط الاقتصادية اليوم هو محاولة تشجيع توظيف المواطنين؛ من أجل “تعمين” سوق العمل.
كذلك حاولت الدولة أيضًا فرض ضريبة القيمة المضافة وهناك حديث عن فرض ضرائب على الأجور المرتفعة، لكن هذه الإجراءات لم تكن كافية، إذ تضرر الاقتصاد العماني بشدة من الأزمة، ويمكن أن يكون للصعوبات الاقتصادية التي يواجهها تداعيات على استقرار النظام.
وتؤكد الباحثة في المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية أنه على الرغم من أن السكان يدعمون السلطان بشكل عام، إلا أن بطالة الشباب تظل مصدر قلق، وقد تكون هناك أيضًا تداعيات على المستوى الدولي.
ونوهت بن أن السياسة الخارجية لسلطنة عمان، التي كانت تهدف إلى الحفاظ على التوازن بين طهران والرياض، يمكن أن تكون مهددة إذا أصبحت السلطنة أكثر هشاشة اقتصاديًا، وبالتالي أكثر اعتمادًا على الدول المجاورة للخليج وعلى وجه الخصوص السعودية والإمارات، وهو ما قد يجعلها تواجه صعوبة أكبر في الحفاظ على سياسة خارجية متوازنة ومحايدة.
إيران وفلسطين
وفيما يخص التطبيع مع إسرائيل، قالت كاميل لونس: إن العديد من المراقبين اعتقدوا أن عمان ستكون من أوائل الدول المستعدة لتطبيع علاقاتها مع إسرائيل، خاصة أنها استقبلت بالفعل بنيامين نتنياهو في أكتوبر/تشرين الأول 2018 ، لكنها لم تتبع حتى الآن نهج الإمارات والبحرين، رغم ترحيبها بالاتفاقات المبرمة بين هذه الدول وإسرائيل.
وبينت الباحثة الفرنسية أن عدم اندفاع السلطان هيثم بعد إلى التطبيع مع إسرائيل، يعود لعدة أسباب: أحدها هو أن عمان لعبت منذ فترة طويلة دور الوسيط في الصراع الإسرائيلي الفلسطيني.
وتابعت ربما تكون هناك فكرة بعمان مفادها أنه من خلال التحرك بسرعة كبيرة تجاه إسرائيل، فإنها ستعرض مصداقيتها مع الفلسطينيين للخطر، وبالتالي، في نفس الوقت، قدرتها على لعب دور الوسيط في هذا الصراع.
كما أن لدى عُمان أيضًا علاقات مع إيران، لذلك ترفض مسقط الانضمام إلى ما قد يُنظر إليه على أنه محور مناهض لطهران، وأخيرًا، هو أن السكان العمانيين، كما هو الحال في دول الخليج الأخرى، ليسوا مستعدين للتطبيع، وهم بلا شك لا يزالون داعمين للقضية الفلسطينية.
للإطلاع على المصدر الأصلي اضغط هنا
اقرأ أيضًا:
بالتعاون مع الموساد- جيروساليم بوست تفضح دور بن سلمان في عمليات التطبيع
اضف تعليقا