يبدو أن ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان لم يتراجع أبداً عن نهجه التعسفي في قمع معارضيه، بل ويؤكد يوماً بعد يوم أنه مستعد لبذل أي جهد في الداخل والخارج لإسكات منتقديه، ربما كانت جريمة قتل خاشقجي الوحشية أكبر دليل على ذلك، لكن الأمير الشاب أبى إلا أن يثبت أنه لا زال في جعبته الكثير يؤكد به دمويته.

 

الأمير المصاب بجنون العظمة متطرف في جهوده للانتقام من معارضيه الذين يصفهم بالأعداء، لديه من الغرور ما جعل الغضب الدولي تجاه ممارساته القمعية يفشل في كبح توجهاته المظلمة، بل مع الوقت يصبح أشد من العاصفة في رده على النقد الشخصي.

 

منذ مقتل خاشقجي وبن سلمان يحاول محو آثار هذه الجريمة الشنعاء التي أثرت على سمعة المملكة وعلى سمعته هو شخصياً، مؤخراً تم إنتاج فيلماً وثائقياً بعنوان “المعارض” يتناول حياة جمال خاشقجي ويسلط الضوء على الطريقة الوحشية التي قتل بها، وبطبيعة الحال، لم يسلم هذا الفيلم من محاربة بن سلمان، لكنها المحاولات التي جاءت بنتائج عكسية مذهلة أثرت بالسلب على بن سلمان.

محمد بن سلمان آل سعود - ويكيبيديا

قبل أيام قليلة، تم الكشف عن تجنيد جيش ضخم من الذباب الإليكتروني لتدمير سمعة “المعارض” -من إخراج براين فوغل- والتلاعب في تقييمه، لكن الأكيد أن فوغل لو كان من مقيمي المملكة لكان في السجن الآن يعاني مما يعاني منه آلاف السجناء السياسيين الآخرين الذين تجرأوا على انتقاد بن سلمان.

 

في رأي “فوغل”، فإن العمليات المضادة التي قام بها ذباب بن سلمان لتشويه الفيلم تسببت في انتشاره بصورة أوسع، خاصة وأنه يستحق المشاهدة فعلاً لأنه يحتوي على معلومات لم يتم الإفصاح عنها من قبل، كما أن به مواد خاصة حول النهاية الوحشية التي لاقاها خاشقجي داخل القنصلية السعودية في اسطنبول على يد فرقة اغتيال تتلقى أوامر مباشرة من ولي العهد. مادة الفيلم تصور بن سلمان على أنه حاكم نظام شرير سيلجأ إلى العنف والأفعال المتطرفة لإسكات المعارضة، كما تناول الفيلم موضوع الاستعانة بالذباب الإليكتروني في تلميع صورة بن سلمان والتغطية على جرائمه.

 

يستند الفيلم كذلك إلى نسخة من التسجيلات الصوتية السرية التي قدمتها وكالة المخابرات التركية مع زملائها الدوليين والأمم المتحدة، وبحسب الأدلة المقدمة فإن القتلة كانوا يضحكون ويمزحون أثناء قتل وتقطيع خاشقجي بمنشار العظام.

 

نتيجة لمحتوى الفيلم الذي سعت السلطات بكل أدواتها إلى منع بثه بالضغط على منصات الأفلام الشهيرة لعدم شرائه، فإن مواقع تقييم وتصنيف الأفلام كـ “روتن توماس” و” IMDb” تعرضا لسيل من التعليقات المزيفة التي انتقدت الفيلم أو أشادت بجريمة القتل مع تشويه سمعة خاشقجي، كذلك قام الذباب الإليكتروني بإعطائه تقييمات منخفضة، إذ انخفضت نسبة الإعجاب بالفيلم بشكل كبير من أكثر من 95 في المائة إلى 68 في المائة فقط خلال عطلة نهاية الأسبوع على “روتن توماس”، أما  IMDb فقد حصل الفيلم على 1175 تقييمًا بنجمة واحدة للفيلم الوثائقي، وهي العمليات التي كشف الموقعان أنها مزيفة تمت من قبل فرقاً من الذباب الإليكتروني.

 

وبالإضافة إلى تشويه الفيلم، كان لذباب بن سلمان الإليكتروني مهمة أخرى تمثلت في الترويج لمشاريع ولي العهد المتعثرة، بما فيها المدينة التي تعبر عن غرور الأمير: نيوم، والتي تبلغ تكلفتها 500 مليار دولار يصمم بن سلمان على استكمال بنائها في وقت يعاني فيه الاقتصاد السعودي من أزمة مالية ضخمة، لكن وبسبب العلاقات العامة الماهرة لفريق الأمير، نجحت حاشيته في إجبار العناصر الساذجة في وسائل الإعلام الغربية على الترويج لبن سلمان باعتباره مُحدِّثًا حكيماً وإصلاحيًا.

 

الجدير بالذكر أن سمعة بن سلمان لم تبدأ في الانهيار منذ فيلم “فوغل”، بل بدأت قبل وقت طويل، حين شن حملة اعتقالات واسعة في صفوف النشطاء والمعارضين، بما فيهم المدافعين والمدافعات عن حقوق المرأة.

ربما أصبحت المرأة في عهد بن سلمان أكثر حرية بعد فك قيود الولاية الذكورية عنها، والسماح لها بقيادة السيارات، لكن هذه التغييرات لم تشفع للمطالبات بها أمام النظام، إذ قام بن سلمان بحبسهن لتجرؤهن في وقت من الأوقات على المطالبة بهذه الإصلاحات.

كذلك فإن ملف سعد الجبري يشكل أزمة أخرى لدى بن سلمان خصوصاً مع إدارة بايدن، إذ كشف المسؤول الاستخباراتي السابق، والمنفي في كندا، أن الأمير أرسل فرقة اغتيال لقتله في أكتوبر/تشرين الأول 2018 بعد أسبوعين من مقتل خاشقجي، لكن عملاء المخابرات الكندية أحبطوا المحاولة، لذا لا عجب أن هناك قلق دولي متزايد بشأن سلوك بن سلمان المتقلب بشكل متزايد وعدم قدرته على صنع القرار بصورة منتظمة.

زواج مصالح ـ كيف يواجه ترامب وبن سلمان العواصف لإنقاذ تحالفهما؟ | سياسة واقتصاد | تحليلات معمقة بمنظور أوسع من DW | DW | 12.12.2019

وعلى عكس دونالد ترامب الذي كان يحمي بن سلمان بصفة مستمرة، فإن الرئيس الأمريكي الجديد جو بايدن أظهر بالفعل أنه يريد أن ينأى بنفسه عن العلاقة الحميمة التي أقيمت بين الرياض وواشنطن خلال سنوات ترامب، وكدليل على ذلك على سبيل المثال، قام بتعليق مبيعات الأسلحة إلى المملكة الغنية بالنفط، مشيراً إلى أن أسباب ذلك القرار تتعلق بالمخاوف المتعلقة بحقوق الإنسان التي تشتهر السعودية بامتلاك سجل دموي بخصوصها، كما أن أفريل هينز، المدير الجديد للاستخبارات الوطنية في إدارة بايدن، ألمح إلى وجود خطط لرفع السرية عن تحقيق وكالة المخابرات المركزية في جريمة قتل خاشقجي، ما يعني أنه من المتوقع أن توجه أصابع الاتهام صراحة إلى محمد بن سلمان.

  

للاطلاع على النص الأصلي من المصدر اضغط هنا

للمزيد :نيويورك تايمز: ماذا تخبئ غطرسة بن سلمان وراء مشاريعه التنموية؟