من بديهيات تأسيس الدول والكيانات أن ترتبط بهوية دائمة وقضية مستمرة، كي تضمن لنفسها البقاء ما بقية الفكرة والرسالة الحامية، لكن يبدو أن هذا الأمر غاب تماما عن أبو ظبي، التي حرّكت أذنابها في الجنوب اليمني لإعلان استعدادهم التطبيع مع الكيان الصهيوني مقابل عودة دولة جنوب اليمن.
تماما كإسرائيل، هكذا أحسن المجلس الانتقالي اليمني المدعوم إماراتيا اختيار حليفه، والمثال الذي سيسير عليه، إذ لا تمثل دولة جنوب اليمن إلا إسرائيل جديدة لا تهدف إلى لتقسيم اليمن الذي كان سعيدا. دولتان لقيطتان، لا حاضر لهما، ولا مستقبل كذلك.
وإذا كان من شابه أباه فما ظلم، فإن هذا الأمر ينطبق كليا على حالة المجلس الانتقالي الجنوبي في اليمن المدعوم إماراتيا، والذي لا يسعى لتقسيم اليمن وحسب، بل وإلى تبديل هويته ومحو عروبته بالتطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي، على غرار داعمه وكفيله الخليجي، في أبو ظبي.
فقد كشف رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي في اليمن عيدروس الزبيدي الثلاثاء، أنه من الممكن تطبيع العلاقات مع إسرائيل. وقال، خلال لقاء مع روسية، إن التطبيع مع إسرائيل مسألة واردة عندما تكون لدينا دولة وعاصمة تخص الجنوب العربي. وأعلن عن استعداد “المجلس الانتقالي” لفتح سفارة لإسرائيل في عدن، واصفا تطبيع العواصم العربية مع تل أبيب بـ”العمل المثالي” لتحقيق السلام بالمنطقة.
وأوضح الزبيدي الذي تدعمه الإمارات أنه لا توجد اتصالات مع إسرائيل وأفاد بأنهم باركوا تطبيع بعض الدول العلاقات مع تل أبيب، مشيرا إلى أنه لا توجد مساع الآن في هذا الصدد. وبيّن أنه إذا أصبحت لهم دولة ذات سيادة عاصمتها عدن فإنه من حقهم أن يعرضوا التطبيع مع إسرائيل، مشددا على أنه حق سيادي لهم.
إسرائيل مقابل التقسيم
يبدو رهان اليمن في هذه المرة خاسر كله، إذ في مقابل الاعتراف بإسرائيل، ستُقسم اليمن بما يصب في مصلحة إسرائيل أيضا.. صفقة رابحة لتل أبيب، وخاسرة كليا للبلد العربي الذي كان سعيدا، فأضحى حزينا على يد محتله الإماراتي السعودي من جهة، وعلى يد الفاسدين من أبنائه العاقين من جهة أخرى.
الزبيدي أكد أن زيارته إلى موسكو بحثت معظم الملفات مع الجانب الروسي وخاصة تفعيل قضية الجنوب على المستوى العالمي والمؤسسات الدولية ومجلس الأمن والأمم المتحدة بما يضمن لشعب الجنوب حقه في تقرير مصيره.
وهدد الزبيدي بأنه لا خلاص لليمن دون التقسيم، فإما انفصال الجنوب أو استمرار الخراب، إذ صرح بأن قضية الجنوب هي مفتاح الحل للأزمة اليمنية، مشيرا إلى أنه بدون حل قضية الجنوب لا يوجد أي حل بالنسبة لليمن والأزمة في البلاد.
وأوضح رئيس الانتقالي الجنوبي أن اتفاق الرياض جاء ضرورة وأنهم شاركوا في حكومة المناصفة للخروج من الأزمة ومن أجل أن يكون لهم وفد تفاوضي في إطار الحكومة يمثل المجلس الانتقالي الجنوبي. وأكد أنه من الضروري بناء مؤسسات في الجنوب، كما أنهم في حاجة إلى مرحلة انتقالية للجلوس إلى طاولة المفاوضات.
إدانات واسعة
وفور تصريحات الزبيدي، توالت الإدانات من مختلف القوى اليمنية، حيث وصف مختار الرحبي مستشار وزارة الإعلام اليمنية حديث الزبيدي بـ”الموقف الشاذ. وأضاف أن “مواقف كل اليمنيين رافضة للتطبيع مع الكيان الصهيوني”. وأشار إلى أن “الزبيدي والانتقالي يمثلان 3 مناطق بالجنوب وليس كله..وعبارة عن أداة بيد الإمارات”.
فيما تساءل وكيل وزارة الإعلام اليمنية محمد قيزان في تغريدة عبر “تويتر”: “هل سيكون للحكومة موقف واضح إزاء هذه التصريحات؟”. بينما توجه صلاح باتيس عضو مجلس الشورى اليمني للزبيدي قائلا: “وضعت الجميع أمام خيارين لا ثالث لهما إما دولة اتحادية قوية وإما تمزيق اليمن إلى دويلات تتسابق نحو التطبيع مع الكيان الصهيوني”.
ووصف رئيس “تجمع القوى الجنوبية” عبد الكريم السعدي تلويح المجلس الانتقالي بالتطبيع مع إسرائيل بـ”الكارثي”، نظرا لإضافته عقبات جديدة أمام تحقيق أهداف ثورة الجنوب اليمني. ودعا السعدي المجلس الانتقالي إلى ترتيب الأولويات بـ”تحرير القرار السياسي والعسكري من التبعية للكفيل الإقليمي (في إشارة للإمارات) قبل اللهاث وراء التطبيع”. وأضاف: “يجب أولا التطبيع بين الفصائل الجنوبية المتصارعة باليمن، لاستعادة الجنوب كدولة مستقلة، قبل طرح مقترح التطبيع الذي يقرره أو يرفضه الشعب”.
ومن جانبه، قال القيادي في “الحراك الجنوبي” عبد الكريم قاسم، إن “الخلاف مع المجلس الانتقالي ليس لأنه حرف مسار الثورة لخدمة أجندة الإمارات في اليمن، وإنما هو خلاف فكري عقائدي”. وقال في منشور عبر حسابه على “فيسبوك”: “نحن نرى أن فلسطين قضية الأمة جمعاء، ومسألة التطبيع مع العدو الصهيوني خيانة عظمى”. كما دعا “مناصري المجلس الانتقالي إلى العودة إلى رشدهم وإيقاظ ضمائرهم، والأخذ بجادة الصواب، بعيدا عن الارتهان للخارج”.
غضب شعبي
أما شعبيا، فقد تظاهر عشرات اليمنيين في مدينة الوضيع بمحافظة أبين، جنوبي البلاد، دعما لفلسطين ورفضا للتطبيع الإماراتي البحريني مع إسرائيل. وسار المتظاهرون بشوارع المدينة رافعين لافتات تندد باتفاقي تطبيع الإمارات والبحرين مع إسرائيل، إضافة إلى شعارات ترفض أي تواجد إسرائيلي في أرخبيل سقطرى.
ورفع المتظاهرون أعلام فلسطين وصور المسجد الأقصى، ورددوا شعارات رافضة للتطبيع، محذرين من أي خطوة مماثلة على الأراضي اليمنية. وطالبوا الشعوب العربية والإسلامية بالوقوف في وجه التطبيع، معتبرين ذلك “خيانة للدين والمعتقدات الإسلامية”.
دولة مقسمة
تقسيم اليمن باستدعاء الإرث الاستعماري البريطاني في الجنوب، أمر له عدة دلالات، فهي دعوة تستدعي أكثر المشاريع رجعيةً وتخلفا من الناحيتين، الاقتصادية والاجتماعية، فباستثناء نموذج عدن الكوزموبوليتي، كان باقي الجنوب في حالة تخلّف شديدةٍ عن العصر، فلا مدارس ولا مستشفيات ولا طرق، بل مناطق يعمّها الجهل والفقر.
إنها تنظر إلى الاحتلال العسكري والارتهان للخارج باعتبارهما ميزة وليست إشكالية، على الرغم من أنه كثيرا من مشكلات الجنوب في أصلها هي نتاج مرحلة الاستعمار الطويلة، والتي أول ما حاولت ضربه الهوية اليمنية لكي تقسّم الجنوب، وهذا ما حدث طوال مرحلة الاستعمار البريطاني، حيث كان الجنوب منقسما إلى ما يزيد عن عشرين سلطنة ومشيخة، ولم يوحدها سوى الدولة ضمن إطار الهوية اليمنية وبهدف الوحدة اليمنية.
هكذا تكتمل المتلازمة الخاصة بالمطبّعين، وهي فقدان بوصلة انتمائهم، فإسرائيل صديق واليمن غير موجود سوى بوصفه عبئا ثقيلا واسما لا تاريخ له، ما يعني مزيدا من الارتهان للخارج الذي لا يمكن أن يكون من دون الترافق مع أكثر المشاريع الاقتصادية والاجتماعية تخلفاً وانعداماً للمساواة، إضافةً إلى أنها مشاريع صديقة للديكتاتوريات، فكلما خشيت الأنظمة من شعوبها زاد ارتهانها للخارج.
اقرأ أيضًا: كيف يدعم بن زايد حلفاءه بيد ويطعنهم في ظهورهم بالأخرى؟
اضف تعليقا