(مأساة البحر)
في الوقت الذي ينشغل فيه كبار الساسة وقادة أطراف النزاع في ليبيا بالتخطيط لهجمات عسكرية والبحث عن سبل جديدة للتمويل والتفاوض والوصول لحلول سياسية- أو عسكرية، هناك، على الجانب الآخر، يوجد الملايين من أبناء الشعب المكلوم الذي لم يجد له حولاً ولا قوة ليتمكن من الحصول على حياة طبيعية يتوفر بها أبسط الحقوق الأساسية.
في هذا المقال، تستعرض صحيفة الغارديان البريطانية حالة أحد الليبيين الذي فضل المجازفة بحياته وخوض تجربة الهجرة غير الشرعية لأوروبا على أمل البحث عن حياة أفضل، وإن كان الفشل حليفه، ففي نظره هو أفضل من الواقع المرير الذي كان يعيشه.
“شريف ترجي” -اسم مستعار غير حقيقي لاعتبارات أمنية- هو شاب ليبي يبلغ من العمر 21 عاماً، قرر مغادرة ليبيا إلى أوروبا هرباً من “التمييز العنصري والحياة المأساوية”.
“مجازر كثيرة رأيتها بعيني بسبب الصراع ليس فقط بين القوى السياسية، ولكن بين الأقليات العرقية في البلاد” وهو واقع مستمر منذ عهد القذافي، فشلت القوى السياسية والعسكرية في تغييره، بل ساهمت في تفاقمه.
شريف ينتمي لقبيلة الطوارق، من مدينة أوباري الصحراوية جنوب غرب ليبيا، يقول ” في عهد معمر القذافي كنا نعاني من التهميش، لم يتم إصدار بطاقات هوية حكومية، كما لم يسمح لنا بالحصول على الخدمات العامة أو الالتحاق بالوظائف الحكومية… ورغم الإطاحة بهذا الديكتاتور، لم تتحسن أوضاعنا”.
في أكتوبر/تشرين الأول 2019، غادر شريف منزل عائلته، وسافر أكثر من 600 ميل (1000 كيلومتر) إلى مدينة زوارة الساحلية، ومن هناك، حُشر هو وحوالي 200 شخص آخر، معظمهم من السوريين والمغاربة والسودانيين، على متن قارب خشبي مثقل وانطلقوا متوجهين إلى أوروبا في رحلة محفوفة بالمخاطر استغرقت 18 ساعة.
“بعد ساعات في البحر، التقطت سفينة خفر السواحل الإيطالية ووصلت أخيرًا إلى إيطاليا”… “لم يكن هناك شيء أصعب من هذه الرحلة، كان القارب قديمًا، لقد تم تحميلنا فوق البحر لمدة يومين، كان المحرك ضعيفًا، لو لم يجدنا خفر السواحل، لكنا في عداد الأموات الآن”.
لم تتوقف رحلة شريف في إيطاليا، تم تهريبه إلى فرنسا ومنها إلى بلجيكا ثم إلى المملكة المتحدة، ليستقر أخيراً في لندن حيث يدرس الآن في الجامعة.
يقول أصدقاء شريف إن الأوضاع في “أوباري” أصبحت من سيء إلى أسوأ، لقد أصبحت “مكاناً محفوفاً بالمخاطر”.
المدارس في حالة سيئة بدون عدد كافٍ من المعلمين، في حواره قال أحد أصدقاء طفولة شريف “تفتقر المستشفيات إلى عدد كافٍ من الموظفين والمعدات الطبية… فضلاً عن انعدام الأمن وانتشار الميليشيات والعصابات المسلحة في كل مكان”.
بعد عقد من الثورة الليبية، لا زالت الأوضاع السيئة كما هي بل تتفاقم، عدد متزايد من الناس يلجؤون إلى خوض رحلات بحرية محفوفة بالمخاطر لمغادرة ليبيا.
في نهاية شهر ديسمبر/كانون الأول، سجلت منظمة الهجرة الدولية 386 ليبيًا وصلوا إلى إيطاليا عن طريق البحر في عام 2020 فقط، وهو ما يقرب من ضعف العدد الذي وصل في عام 2019، كما سجلت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين زيادة بنسبة 52٪ في عدد الليبيين الوافدين أوروبا مقارنة بعام 2019.
صفاء مشهلي، المتحدثة باسم منظمة الهجرة الدولية، قالت إن الزيادة في الأعداد كبيرة؛ لقد تغير موقف ليبيا نسبياً فيما يتعلق بسلسلة الهجرة، مضيفة “لطالما كانت ليبيا بلد عبور للمهاجرين”.
أما “فينسينت كوشتيل”، المبعوث الخاص للمفوضية لغرب ووسط البحر الأبيض المتوسط، فأرجع التزايد الكبير في عدد المهاجرين إلى جائحة كورونا التي بدورها أثرت على الاقتصاد وجعلته ضعيفاً وبالتالي انخفضت صادرات الغاز والنفط، وهي عوامل رئيسية لتأجيج الهجرة الجماعية، بالإضافة إلى ذلك، فإن الليبيون يواجهون صعوبة في صرف معاشاتهم التقاعدية مع ارتفاع نسب البطالة بين الشباب، وهي عوامل إضافية لدفعهم إلى الهجرة.
أضاف كوشتيل أن “إغلاق الحدود والتحركات المحدودة بسبب عمليات الإغلاق الناتجة عن الجائحة أثرت على قدرة الناس على الكسب… لقد اعتمدوا على التجارة عبر الحدود وتهريب أشياء مثل السجائر والوقود من أجل تدبير أمورهم”.
بناء على ما سبق، قال كوشتيل إنه يتوقع استمرار ارتفاع عدد الليبيين الذين يغادرون البلاد في عام 2021، ما لم يتحسن الاقتصاد، مضيفاً “مع ذلك، يميل الليبيون إلى البقاء في بلادهم، حتى كنازحين، أو طلب المساعدة من الأقارب في تونس أو مصر”، “لكن يجب مراقبة الأثر الاجتماعي والاقتصادي للانخفاض الأخير في قيمة الدينار الليبي”.
من ناحية أخرى، رأى العديد من المحللين والخبراء أن الفساد والمخاوف الأمنية هي أسباب رئيسية لدفع الليبيين لمغادرة البلاد والهجرة بأي ثمن.
في حواره للصحيفة، قال موسى الجنيدي، من منظمة نداء لحقوق الإنسان وتنمية المجتمع في مصراتة، “إن الفساد داخل أجهزة الدولة المختلفة في ليبيا – المنقسمة بين حكومتين متنافستين مقرهما في طرابلس وبنغازي – يهدد الخدمات الأساسية مثل إمدادات الكهرباء، ويؤدي إلى انعدام الثقة في الدولة”.
وأضاف الجنيدي “هناك الكثير من المخاوف الأمنية التي تهدد الليبيين في مدن مثل طرابلس وسرت ومدن الجنوب مثل مرزق… بالإضافة إلى ذلك، هناك ارتفاع سريع في الأسعار مع تضخم قيمة العملة المحلية، فضلاً عن قيام البنوك ووزارة المالية بتحديد قيمة السحوبات النقدية بما يتراوح بين 500 و 1000 دينار ليبي فقط [280 جنيه إسترليني – 560 جنيه إسترليني”.
ويعتقد الجنيدي أن هناك أمل في أن يتحسن الواقع في ليبيا إذا التزمت جميع الأطراف باتفاق السلام الشامل الذي وقعته الحكومتان المتحاربتان في البلاد في أكتوبر/ تشرين الأول، لكن المشكلة أن وزير الدفاع الليبي هدد بالانسحاب من الاتفاق.
وعلق الجنيدي على هذا قائلاً “إذا كان هناك اتفاق سياسي كامل وإجراء انتخابات ووضع دستور جديد، فإن اتفاقية السلام ستفيدنا… من المؤكد أيضاً أن هذا من شأنه أن يقلل من عدد الليبيين الذين يغادرون عن طريق البحر، بل يمكن أن يوقف الهجرة تمامًا… ولكن إذا كان هناك صراع جديد مثل ما رأيناه في عام 2019، فسنرى الشواطئ مليئة بالليبيين”.
يقول شريف “اتفاق السلام لم يحسن الأمور على الإطلاق في أوباري… لم يتغير شيء. بل إن قوات حفتر قد عادت”، مضيفاً أنه فقد الأمل في أن تتحسن الأوضاع في البلاد ما يعني أنه سيتمسك برغبته في عدم العودة للوطن أبداً- بكل أسف.
للاطلاع على النص الأصلي من المصدر اضغط هنا
اقرأ المزيد : لوموند: نقص الأدوية.. أزمة إنسانية تفاقم معاناة اللبنانيين
اضف تعليقا