ثلاث سيناريوهات

منذ وصول الرئيس الأمريكي جو بايدن إلى البيت الأبيض، أعربت واشنطن وطهران مرارًا وتكرارًا عن رغبتهما في إحياء الاتفاق النووي، الذي انسحب منه الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب من جانب واحد عام 2018.

تحت هذه الكلمات تطرقت صحيفة “لوريان لو جور” الناطقة بالفرنسية عن الصعوبات والسيناريوهات المتوقعة بشأن استئناف الحوار بين الولايات المتحدة وإيران خلال الفترة المقبلة، رغم أن الجانبين مقتنعان بأنه يجب عليهما الإسراع. 

وأوضحت أن الانتخابات الرئاسية الإيرانية المقرر إجراؤها في يونيو/ حزيران المقبل، في ظل غياب أي تخفيف للعقوبات الاقتصادية التي أقرتها إدارة ترامب، ستعد بمثابة فوز مؤكد للتيار المتشدد، الذي سيكون التفاوض معه أكثر صعوبة، بغض النظر عن مسألة الطاقة النووية التي هي من اختصاص المرشد علي خامنئي.

وأشارت الصحيفة إلى أنه بموجب قانون أقره البرلمان الإيراني، الذي يسيطر عليه المحافظون، يجب على البلاد التوقف عن تفويض عمليات التفتيش من قبل الوكالة الدولية للطاقة الذرية اعتبارًا من 21 فبراير/ شباط، ما لم يكن هناك تخفيف للإجراءات العقابية. 

وأكدت أنه على الرغم من الجدول الزمني الضيق للغاية، إلا أن إعادة إطلاق الحوار بين واشنطن وطهران له عدة سيناريوهات، كل منها أكثر أو أقل تعقيدًا.

ووفقا لـ “لوريان لو جور” فإن السيناريو الأول يدعو للسؤال التالي: أي من واشنطن أو طهران سيبادر لنزع فتيل النزاع؟، مبينة أنه على الجانب الأمريكي، يقولون إنهم مستعدون للعودة إلى اتفاقية فيينا (JCPOA) ، بين إيران حول برنامجها النووي ودول الـ 5+1 – الولايات المتحدة وروسيا والصين وفرنسا والمملكة المتحدة وألمانيا- شرط عودة طهران إلى التطبيق الصارم لبنودها. 

وتلاحظ الصحيفة أنه منذ ما يقرب من عامين، تهربت الجمهورية الإسلامية تدريجياً من معظم التزاماتها، لا سيما من خلال إعادة تنشيط أجهزة الطرد المركزي واستئناف تخصيب اليورانيوم بمستوى أعلى بكثير من الحد الذي حددته اتفاقية عام 2015. 

أما الجانب الإيراني، فيقول إن هذه الأنشطة ليست سوى رد على الانسحاب الأمريكي من اتفاق فيينا، وبالتالي ستحترم الدولة التزاماتها بمجرد رفع جميع الإجراءات العقابية. 

وذكرت “لوريان لو جور” أن إيران تسعى لجني ثمار الاستراتيجية التي وضعتها لنفسها، من خلال توفير مساحة محدودة لنفسها، ولكنها حاسمة للتفاوض مع عدوها اللدود، وبالتالي يمكنها تقديم نفسها على أنها مستعدة لبذل جهود إذا كان هناك مقابل، على الرغم من الإهانة التي تعرضت لها في عام 2018 من قبل دونالد ترامب.

وقال سيد حسين موسويان، السفير الإيراني السابق لدى ألمانيا (1990-1997) والمتحدث باسم بلاده خلال المفاوضات النووية مع المجتمع الدولي بين عامي 2003 و2005، للصحيفة “إن أي تسلسل للعودة إلى المفاوضات بين الجانبين يمكن أن يثير مشكلة فورية”.

وأوضح ” إذا وقع جو بايدن قرارا بالعودة مرة أخرى للاتفاق النووي، فإن السيناريو الأكثر ترجيحًا هو أن تلتقي إيران والقوى العالمية وتتفق على خطة واقعية مع جدول زمني محدد للإجراءات المتناسبة”.

وترى الصحيفة أن الإدارة الأمريكية قد تضطر إلى التفكير في خطة أكثر طموحًا لحمل الجانبين على الامتثال للاتفاق في نفس الوقت، مذكرة بأن وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف كان قد أشار بالفعل إلى أن بلاده ستكون منفتحة على مثل هذا النهج، وأن الاتحاد الأوروبي، من خلال وزير الخارجية الأوروبي جوزيب بوريل، يمكنه أن “يصمم” إعادة الالتزام المتبادل.

رفع جزئي للعقوبات

ولفتت إلى أن السيناريو الثاني يتعلق برفع العقوبات، وهي مسألة أكثر أهمية لأن جو بايدن يحافظ على الغموض حول الإجراء الواجب اتباعه، أما بالنسبة لإيران، فالاتفاق بسيط، أي أن العودة إلى اتفاقية فيينا تعني العودة إلى شروط هذه الاتفاقية بالمعنى الضيق. 

وبحسب “لوريان لو جور” يبدو أن واشنطن تريد جعل الاتفاق النووي نقطة انطلاق لمفاوضات أوسع، لا سيما لتهدئة مخاوف حلفائها الإسرائيليين والسعوديين فيما يتعلق بالبرنامج الباليستي الإيراني والأنشطة الإقليمية للميليشيات والجماعات المسلحة التابعة للجمهورية الإسلامية.

لكن حسين موسوي يجادل بأن “الاتفاق النووي يتعلق فقط بالطاقة النووية، ويمكن التفاوض على جميع القضايا الأخرى بين إيران وجيرانها بهدف التوصل إلى حل إقليمي”.

وتقول الصحيفة من الواضح أن هناك تفسيرين ممكنين في هذه المرحلة، أولهما العودة إلى اتفاقية فيينا على أساس امتثال إيراني للبنود ورفع الولايات المتحدة للعقوبات، مع وضع جدول زمني للنقاش حول المجالات ذات الصلة، أما الثاني فيتضمن الإلغاء التدريجي للتدابير العقابية مقابل اتفاق أوسع، لكن هذا الخيار معقد لأنه من الصعب الموافقة عليه من جانب طهران.

وبحسب جون جازفينيان، المؤرخ المتخصص في العلاقات الايرانية الأمريكية، يمكن لواشنطن أن ترفع العقوبات بما يكفي لكي تعتبر الجمهورية الإسلامية نفسها منتصرة ولكن ليس بشكل كامل للحفاظ على نفوذها في قضايا أخرى، فطهران تعلم أن الرفع الكامل للعقوبات من جانب واحد أمر غير مرجح سياسيًا، وانتهاكات الاتفاق جاءت عن عمد ويمكن التراجع عنها”.

وأكد أنه بالتالي يمكن أن تساعد بعض الإشارات على تسهيل الحوار وإثبات حسن نية واشنطن تجاه طهران، كالرفع الجزئي للعقوبات النفطية التي فرضتها إدارة ترامب بعد انسحابها من الصفقة في 2018 أو حتى الإفراج عن بعض الأموال الإيرانية الناتجة عن بيع الذهب الأسود، والتي مرت عبر النظام المالي الأمريكي قبل ذلك. 

وقبل كل شيء، يمكن لواشنطن أن تدعم طلب القرض الإيراني من صندوق النقد الدولي، والذي من شأنه أن يوفر لطهران مبلغًا تفتقر إليه بشدة بسبب وباء كوفيد – 19.

 

الوكلاء

أما السيناريو الثالث، تقول الصحيفة، فيتعلق بالبرنامج الباليستي وأنشطة الميليشيات، والتي سيكون من الأصعب التوصل إلى إجماع بشأنها لأنها تقع تحت خطين أحمرين بالنسبة لطهران، فالتعزيز التدريجي للترسانة الدفاعية للجمهورية الإسلامية هو نتيجة مباشرة للحرب التي شنها العراق على إيران عام 1980 والتي كانت تكلفتها البشرية هائلة، حيث بلغت وفقًا للأرقام بين 680 ألفًا ومليون قتيل. 

كما لم تنس طهران أبدًا الدعم العسكري والمالي الذي قدمته القوى الغربية الرئيسية لصدام حسين، وهكذا غذى الصراع القناعة العميقة بأن البلاد، المعزولة إلى حد كبير على الساحة الدولية، عليها أن تضمن استقلاليتها العسكرية وأمنها دون دعم خارجي. 

بالإضافة إلى ذلك، يعد البرنامج العسكري الإيراني جزءًا من سياق الانتشار المعمم في جميع أنحاء المنطقة ويهتم به العديد من البلدان مثل إسرائيل والمملكة العربية السعودية ومصر وسوريا وتركيا، والتي تمتلك جميعها الآن صواريخ بعيدة المدى. 

وبينت “لوريان لوجور” أنه بالنسبة لمسألة الميليشيات، إذا كانت ذات طابع أيديولوجي لا يقبل الجدل، فهي مدفوعة أيضًا باعتبارات جيوسياسية وأمنية، ويبدو من الوهم أن نتخيل على المدى القصير انهيار وكلاء طهران في المنطقة، سواء في لبنان أو سوريا أو العراق. 

ويقول جازفينيان “إيران ليس لديها حلفاء وغياب الضمانات الأمنية في المنطقة يعني أنها ستبذل قصارى جهدها للحفاظ على الميزة الاستراتيجية التي يمنحها لها عملاؤها”.

وختمت الصحيفة الناطقة بالفرنسية أن هناك ثلاثة سيناريوهات محتملة: الأول، وهو الأقل احتمالا، يستند إلى اتفاقية فيينا، ويفترض من خلاله أن ترفع الولايات المتحدة العقوبات عن طهران مقابل احترام الجمهورية الإسلامية لالتزاماتها بشأن القضية النووية، ولكن أيضًا إنهاء الأنشطة الإقليمية المزعزعة للاستقرار. 

والثاني، وهو الأكثر واقعية، من شأنه أن يؤدي إلى تشكيل اتفاق غير كامل، مع وقت محدود، بموجبه يتم تخفيف الضغط قليلا على الاقتصاد الإيراني وفتح الطريق أمام مفاوضات لاحقة محتملة.

أما السيناريو الأخير فهو عدم التوصل إلى أي اتفاق، الأمر الذي قد يؤدي إلى تصعيد التوترات بين الجهات الإقليمية الفاعلة التي بالفعل في حالة عداء، حيث ألقت السلطات الإسرائيلية العديد من الخطب في الأسابيع الأخيرة للتحذير من عودة الولايات المتحدة إلى اتفاقية فيينا والتأكيد على استعدادها للقيام بعمل عسكري ضد المشروع النووي الإيراني.

للاطلاع على النص الأصلي من المصدر: اضغط هنا

اقرأ المزيد: استغاثة جديدة من ابنة حاكم دبي