حرب السيادة الاقتصادية..
يبدو أن التحالف السياسي والاقتصادي الهش بين الإمارات والسعودية انتقل أخيرا إلى المعركة المُعلنة، بعدما جمعتهما طاولة واحدة على مدار سنوات استهدفوا فيها صعود أي قوة اقتصادية بالمنطقة، وعملوا سويا على وأدها في مهدها، وهو ما حدث جليا في ملفات مثل اليمن والعراق، أو ما فعلوه مع قوى الجيران في قطر والكويت، بل وحتى إقليميا كتركيا ومصر.
وفي الوقت الذي تسعى فيه السعودية لكسب ود الرئيس الأمريكي الجديد جو بايدن عبر تهدئة التوتر مع خصوم إقليميين، وخاصة قطر، وإطلاق سراح معتقلين سياسيين، والانفتاح على تركيا، لمحاولة التأقلم مع المتغيرات المحتملة في مقاربة واشنطن لملفات المنطقة، وتجنب عقوبات على بلاده، أو الصدام مع الإدارة الأمريكية الجديدة.. فإن أبوظبي لا ترتاح لذلك التحوّل.
وفيما كانت ملامح الصدامية بين الرياض وأبو ظبي ظلت حبيسة جدران السياسة والتناطح الإعلامي، فإنها انتقلت هذا الأسبوع إلى العلن بعد قرار المملكة الذي سيدخل حيز التنفيذ في عام 2024، حيث ستطبق السعودية قرارها المتعلق بالتعامل مع الشركات العالمية التي لها فروع في المملكة فقط، لجذب مزيد من الاستثمارات، وفق وزير المالية السعودي الذي قال إن القرار يهدف إلى تنويع القطاعات الاقتصادية بعيدا عن الإيرادات النفطية، مؤكدا أن القرار ينطبق على المؤسسات الكبرى التي لديها عقود مع الحكومة فقط.
الهدف: دبي!
يرى خبراء أن القرار لا يتعلق فقط بتنظيم علاقة شركات القطاع الخاص مع الحكومة السعودية، إنما دعم النمو الاقتصادي المنشود في أكبر اقتصاد عربي، وتعزيز وتنويع القطاعات الانتاجية، حتى لا تبقى الرياض رهينة إيرادات النفط. وأكد الخبراء أن القرار السعودي لا يعني منافسة دبي كمركز مالي وسياحي فقط، إنما هذا سيجعل المملكة تهيمن اقتصاد الشرق الأوسط، ويُنهي صدارة دبي الاقتصادية للمنطقة بشكل واضح.
ووفق ما نشرت وكالة الأنباء السعودية “واس”، فإن أي شركة لديها تعاقدات مع أي جهة حكومية سواء كانت هيئة أو مؤسسة أو صناديق استثمارية أو أجهزة رسمية، سيتم إيقاف التعاقد معها في حال عدم وجود مقر إقليمي لها في المملكة بحلول عام 2024.
وهذا يعني أن الشركات العالمية التي لها ارتباطات مع العطاءات الحكومية عليها فتح مقر إقليمي لها في السعودية، وهنا أشار وزير المالية إلى أن هذا الأمر ليس مفروضا على الشركات الأخرى، وسيبقى لها حرية التعامل مع القطاع الخاص في المملكة، ولكن من دون السماح لها بالتعامل مع الجهات الحكومية.
تبرير الرياض
الوكالة السعودية قالت في التقرير الذي نشرته أن هذا الأمر يأتي لتحفيز وتطويع أعمال الشركات والمؤسسات الأجنبية التي لها تعاملات مع حكومة المملكة، وبما يهدف إلى الحد من التسرب الاقتصادي وتوفير فرص العمل، ورفع كفاءة الإنفاق وضمان أن المنتجات والخدمات الرئيسية التي يتم شراؤها من قبل الأجهزة الحكومية المختلفة يتم تنفيذها على أرض المملكة وبمحتوى محلي مناسب.
وكانت السعودية أطلقت مبادرة تحفيزية للشركات الأجنبية تقضي بإعفائها من ضريبة الدخل ومنحها حوافز لنقل مكاتبها الإقليمية إلى المملكة لتعلن 24 شركة عالمية خلال منتدى مبادرة مستقبل الاستثمار الذي عقد مؤخرا عزمها على “نقل مقراتها الإقليمية إلى الرياض”، وسط غيظ الجار الإماراتي.
منافسة مع الإمارات
وحول المخاوف التي برزت بأن تصبح السعودية مركزا لجذب الاستثمارات على حساب دبي، أرسل وزير المالية السعودية رسائل طمأنة بقوله إن “دبي لديها المزايا التنافسية الخاصة بها وسنواصل العمل على إتمام جهود بعضنا للحصول على بيئة صحية للتنافس”.
ورغم هذه الرسائل المطمئنة، إلا أن المحلل المالي في مجموعة “سي أف أي”، مهند عريقات، قال إن السوق السعودية ستكون مصدر جذب هام للاستثمارات، والتي ستكون على حساب ليس دبي فقط، إنما على حساب منطقة الشرق الأوسط ككل. وأضاف أن السعودية ستهيمن على اقتصاد المنطقة، ليس من ناحية العوائد النفطية المتاحة لها، إنما من خلال جعلها المركز المالي والاقتصادي الجديد للشرق الأوسط. ولم يستبعد أن تنتقل شركات كبرى لها مقار في دول عربية إلى السعودية للاستفادة من التسهيلات الكبرى التي تعكف المملكة على تنفيذها.
من جانبه قال، المدير المالي السابق في حكومة دبي، ناصر الشيخ، إن خطوة الرياض تتعارض مع “مبادئ السوق الخليجية الموحدة”. وأفاد في تغريدة عبر تويتر أن التجارب والتاريخي أثبتت أن الجذب القسري للاستثمارات غير مستدام. أما المحلل الاقتصادي، وائل النحاس، فأشار إلى أن الانتعاش الاقتصادي الذي تريده السعودية يختلف عما هو عليه في الإمارات والتي تشكل العقارات فيها الجزء الأكبر من محرك النمو، إذ أن شكل الاستثمارات التي تبحث عنها المملكة هي من القطاعات ذات القيمة المضافة العالية.
ويتفق نحاس مع عريقات، بأن انفتاح السعودية في مجال الاستثمارات، يعني بالضرورة أنها ستهيمن على اقتصاد الشرق الأوسط، وربما تصبح جاذبة للاستثمارات أكثر من الإمارات، ومصر، وتركيا، وغيرها من الدول في المنطقة.
الباحث في “معهد دول الخليج العربية في واشنطن” روبرت موغيلنيكي قال إن القرار يمثل في نهاية المطاف إعادة تقييم لاستدامة نموذج التنمية الاقتصادية للمملكة، وليس تحديا تجاريا فقط للإمارات، وذكر أن “الضغط على الشركات متعددة الجنسيات لإنشاء مقار لها في المملكة ينبع من الاعتقاد بأن الشركات الأجنبية المستفيدة من السوق السعودي يجب أن تعزز حضورها في البلاد مما يضعف من موقع الإمارات”.
ليس سهلا
وفي تقرير نشرته وكالة رويترز أشارت فيه إلى أن تحدي جاذبية دبي للاستثمارات باعتبارها عاصمة تجارية ومالية في المنطقة، لن تكون مهمة سهلة أمام السعودية، خاصة وأنها منفتحة أكثر فيما يتعلق بالتعايش مع المغتربين، حيث تسمح لهم بشرب الكحول من دون ترخيص، حيث تقول راشيل زيمبا، من مركز أبحاث الأمن الأميركي الجديد، إن القرار السعودي سيشكل تحدي إضافي للأعمال التجارية القائمة في دبي، خاصة في ظل بيئة العمل التي توفرها هناك.
أما المحلل الاقتصادي في بلومبيرغ إيكونوميكس، زياد داوود، قال في تغريدات عبر تويتر رغم احتدام المنافسة داخل مجلس التعاون الخليجي، إلا أنه من الصعب تنفيذ ما جاء بالقرار السعودي حرفيا، متوقعا أن نشهد العديد من الإعفاءات فيما يتعلق بهذا الأمر، حيث جاء في أحدث تقرير للهيئة العامة للإحصاء أصدرته الشهر الماضي أنه “لا تزال آثار جائحة كورونا مستمرة في التأثير على سوق العمل والاقتصاد السعودي”.
وتحاول المملكة، أكبر مصدر للنفط في العالم، تحفيز اقتصادها المتضرر بشدة جراء انخفاض أسعار الخام الذي يؤمن أكثر من ثلثي إيراداتها، والاغلاقات والمخاوف المرتبطة بفيروس كورونا المستجد. ولجأت العام الماضي إلى رفع الضريبة على القيمة المضافة ثلاثة أضعاف وعلقت العمل بنظام الإعانات الشهرية للموظفين. وجاءت تلك التدابير في وقت تسعى فيه المملكة إلى جذب استثمارات بـ500 مليار دولار لبناء مدينة “نيوم” المستقبلية النموذجية التي تشكّل إحدى الركائز الأساسية في “رؤية 2030”. وبحسب آخر تقرير لسوق العمل السعودي في الربع الثالث من العام 2020، تراجع معدل البطالة إلى 14.9 في المئة، من 15.4 في الربع الثاني من العام ذاته.
اقرأ المزيد: انطلقت بهدف “الدفاع عن الثورة”.. كيف حوّلت الإمارات فضائية “التحرير” إلى “تن”؟
اضف تعليقا