“خالف كل التوقعات، وضرب بالدستور عرض الحائط، وقرر تمديد الطوارئ للمرة الثالثة بالمخالفة لنص المادة 154 من الدستور، لشعوره بأنه لا أحد يمكن أن يحاسبه”.
هكذا علق مراقبون وقانونيون على قرر عبد الفتاح السيسي، اليوم الخميس، بتمديد حالة الطوارئ في مصر لمدة ثلاثة أشهر، تبدأ من الساعة الواحدة صباح الجمعة، معللاً ذلك بـ”الظروف الأمنية الخطيرة التي تمر بها البلاد”.
قرار السيسي بتمديد الطوارئ أثار جدلا واسعا في مصر خصوصا بين القانونيين والحقوقيين الذين أكدوا أن القرار مخالف لنص الدستور، فكيف خالف السيسي الدستور الذي أنتج في عصره؟ ولماذا خالفه؟ وما هي السيناريوهات المتوقعة خلال الفترة المقبلة؟
بداية الطوارئ
بدأت حالة الطوارئ في مصر في عهد السيسي في التاسع من أبريل الماضي، حين قرر السيسي فرض حالة الطوارئ في البلاد لمدة 3 أشهر عقب التفجيرات التي استهدفت الكنائس المصرية في الإسكندرية وطنطا.
وبعد انتهاء الفترة الأولى قرر السيسي في 10 يوليو 2017 تجديد فرض الطورائ لثلاثة أشهر جديدة، متعللا بالحالة الأمنية في البلاد، لتمدد بالفعل 3 أشهر وتنتهي في 10 أكتوبر الجاري.
وهنا تزايدت التساؤلات وكثرت التوقعات بشأن الخطوة التي سيقدم عليها السيسي مع “الطوارئ”، إلا أنه خالف كل التوقعات وقرر مد حالة الطوارئ في البلاد لفترة 3 أشهر جديدة بالمخالفة لنصوص الدستور.
خالف كل التوقعات
مراقبون وصفوا خطوة السيسي بأنها سطو على الدستور، ومخالفة لكل التوقعات، إذ إن المادة 154 من دستور 2014 تنص على «إقرار حالة الطوارئ في البلاد يكون لمدة 3 أشهر، ولرئيس الجمهورية أن يمددها 3 أشهر جديدة»، دون أن تتحدث مطلقا على تمديدها فترة ثالثة.
الدكتور شوقي السيد، الفقيه الدستوري، والقريب من السلطة، أكد في تصريحات سابقة أنه لا يجوز مد حالة الطوارئ لأكثر من مدتين طبقاً للمادة 154 من الدستور، حيث أن أقصى فترة قد تمتد فيها حالة الطوارئ في البلاد هي 6 أشهر متتالية، وبالتالي فإن الدستور نص صراحة على ضوابط العمل بقانون الطوارئ.
وشدد السيد على أنه لا يجوز عرض فرض حالة الطوارئ لمدة جديدة على الاستفتاء الشعبي، أيضا، لأن الدستور لم ينص على ذلك، وإنما حدد حالة الطوارئ بمدة لا تجاوز ثلاثة أشهر، ولا تمد إلا لمدة أخرى مماثلة فقط وهذا واضح في الدستور وبالتالي لا يوجد مخرج لإقرار الطوارئ 3 أشهر جديدة.
لا يملك أحد محاسبته
ووفقا للمحامي طارق نجيدة فإنه بمخالفة السيسي للدستور يجوز لكل ذي شأن الطعن على الإعلان أمام المحاكم المختصة وهي محكمة القضاء الإداري والمحكمة الدستورية العليا.
وكذلك أكد المحامي محمد حامد أن حالة الطوارئ سقطت بقوة الدستور بعد انتهاء المدة الثانية، و”لا يجوز إصدار أي قرار جديد أو عرض الأمر على الاستفتاء الشعبي لمدها فترة ثالثة، باعتبار أن نص المادة 154 من الدستور لم يتطرق إلى ذلك”، وبالتالي يمكن الطعن على قرار مدها لفترة ثالثة.
لكن مراقبين استبعدوا أن يتم الطعن على قرار السيسي أمام القضاء، حيث أنه من المتوقع أن ينتهي المطاف بحكم قضائي ينص على أن القرار من أعمال السيادة، وأن الجهات القضائية ليست مختصة في نظر تلك الأمور، تماما كما حكم القضاء في قضايا مشابهة، أبرزها “قضية التنازل عن تيران وصنافير”.
وعليه فقد وصف بعض المراقبين تصرفات السيسي مؤخرا، بتصرفات الشخص الذي لا يملك أحد محاسبته ولا ردعه، لا بالقانون ولا بالاحتجاج، حيث أن القانون هو أول من يخالفه، والاحتجاج يواجهه بالقمع.
عودة محاكم الطوارئ
وفي إطار عمليات السطو على الدستور ومخالفة أحكامه، اتخذ شريف إسماعيل رئيس حكومة السيسي أول أمس قرارا مثيرا للجدل، يقضي بإحالة القضايا الجديدة في بعض الجرائم المنصوص عليها في القوانين المختلفة إلى «محاكم أمن الدولة طوارئ»، وذلك طوال فترة تطبيق حالة الطوارئ المعلنة في جميع أنحاء الجمهورية منذ 10 أبريل الماضي.
قرار “شريف إسماعيل” هو عودة صريحة لمحاكم أمن الدولة طوارئ مرة أخرى للعمل في مصر، وهي المحاكم التي برزت إبان نظام الرئيس المخلوع «حسني مبارك» والتي تتميز بعدم الطعن على أحكامها.
وألمح مراقبون إلى أن عودة محاكم الطوارئ، ربما يكون السبب وراءها خشية السيسي أن تقوم محكمة النقض بهدم الأحكام القاسية التي تصدرها المحاكم المصرية ضد المعارضين، فقرر إحالتهم إلى محكمة الطوارئ التي لا نقض على أحكامها مطلقا، حيث أن رئيس الجمهورية وحده هو الذي يمتلك حق الموافقة على أحكام هذه المحاكم أو تخفيفها أو إلغائها، وذلك لأنها لا تعتبر أحكاما نهائية إلا بعد تصديق رئيس الجمهورية عليها.
البحث عن مصيبة
لم يستبعد مراقبون أيضا أن تشهد البلاد خلال الفترة المقبلة أحداث عنف قوية، تكون دافعا قويا وتبريرا للسلطة في مخالفة الدستور وإقرار الطوارئ مرة أخرى.
وبعد تلك الأحداث ستخرج وسائل الإعلام لتؤكد أننا من نصنع الدستور وأن رئيس الجمهورية له الحق في تجاوز بعض الصلاحيات حال شعوره بالخطر على البلاد، خاصة أن مصر تعيش حربا على الإرهاب.
وبتلك الطريقة اعتادت حكومة السيسي أن تمرر كل القرارات الصعبة، وتستطيع من خلالها إقناع شرائح واسعة من المصريين، أو إرهابهم، لمنع إبداء أي اعتراض على قرارات السيسي.
اضف تعليقا