(تغيرات سياسية واسعة)

يرى ديدييه بيون، نائب مدير معهد العلاقات الدولية والاستراتيجية (IRIS) والمتخصص في تركيا والشرق الأوسط، أنه بعد أربع سنوات من حكم إدارة دونالد ترامب، يثير وصول الرئيس جو بايدن إلى البيت الأبيض التساؤل حول مستقبل العلاقات بين الولايات المتحدة ودول المنطقة.

وأوضح بيون، الحاصل على الدكتوراه في العلوم السياسية، أن الإشارات التي أطلقتها واشنطن تشير إلى رغبتها في استئناف الحوار مع طهران، مع عدم ترك الميدان مفتوحًا بالكامل للرياض وتل أبيب.

وأشار إلى أن ما يحدث في المنطقة بالوقت الحالي مخالف بشكل تام للسياسة التي كانت تتبناها إدارة ترامب، لكن رغم ذلك يرى، نائب مدير  (IRIS)، أنه يجب أن نظل حذرين وننتظر لنرى هل ستستمر هذه الإشارات؟

وفي مقال له على الموقع الإلكتروني للمعهد قال بيون: مر شهر على تولي المستأجر الجديد للبيت الأبيض منصبه، وبينما لا يمكن رؤية أي موجة من الإثارة للإدارة الجديدة بهذه المرحلة، فقد ظهر شكل من أشكال الراحة في المجتمع الدولي بعد أخطاء دونالد ترامب المقلقة في مجال العلاقات الدولية.

وأضاف “تعددية الأطراف، التي كانت موضع شك بشكل منهجي من قبل سابقتها، يبدو بالفعل أنها أصبحت مرة أخرى مقياسا مأخوذا في الاعتبار من قبل جو بايدن تجاه آليات صنع القرار بواشنطن”.

وتابع “في الشرق الأوسط، تم اتخاذ سلسلة من الخيارات، لا يمكن في الواقع التقليل من شأنها، بقدر التغيير السياسي الجذري الذي نشهده بالطبع”، لافتا إلى أن هناك العديد من القضايا ومن المفيد سرد بعضها لفهم ديناميكيات الإدارة الجديدة في العمل.

 

اتفاق جاكوب

وبين الكاتب أن القضية النووية الإيرانية هي محور الاهتمام الدولي اليوم، وللإشارة فقد تم التوقيع على اتفاقية عالمية، تُعرف باسم جاكوب  (JCPOA)، في 14 يوليو/ تموز 2015 بعد مفاوضات طويلة – بدأت بحكم الواقع، في أكتوبر/ تشرين أول 2003 بطهران، من قبل فرنسا في شخص رئيس الوزراء دومينيك دو فيلبان برفقة زملائه البريطانيين والألمان – مما جعل من الممكن إعادة دمج إيران في اللعبة الإقليمية والدولية.

ولفت إلى أنه بعد أقل من ثلاث سنوات، أعلن دونالد ترامب، في 8 مايو/ أيار 2018، انسحاب الولايات المتحدة بشكل أحادي من الاتفاقية، الأمر الذي أسعد إسرائيل والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة متحدين، بسبب كرههم المشترك لإيران.

وأكد أنه بعد أن أظهرت إيران رغبتها في البقاء ضمن إطار الاتفاقية دون جدوى، وعدم الحصول على نتائج ملموسة، انتهى الأمر بإعلانها في 8 مايو/ أيار 2019، أنها لم تعد تعتبر نفسها مقيدة بجميع الالتزامات الواردة في اتفاق جاكوب، ثم زادت الولايات المتحدة من ضغوطها على البلاد من خلال تصعيد العقوبات ضدها والتي لم يكن لدى الاتحاد الأوروبي الشجاعة لرفض تطبيقها.

وفي ظل هذا السياق المتوتر، يقول بيون، أعلن جو بايدن عن استعداده لاستئناف المفاوضات مع إيران، والسؤال الآن هو معرفة من سيتخذ الخطوة الأولى وما هي الشروط الدقيقة، حيث يطالب القادة الإيرانيون بالإنهاء المسبق لجميع العقوبات، فيما تشترط الولايات المتحدة احترام طهران الالتزامات الواردة في اتفاق 2015.

حل تفاوضي

ويرى الكاتب أن الحل الأفضل عندئذ سيكون اتخاذ قرارات ثنائية متزامنة تحت إشراف الأمم المتحدة، ومن هذا المنطلق، فإن الاتفاقية السارية لمدة ثلاثة أشهر والموقعة في 21 فبراير/ شباط بين المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية رافائيل غروسيq وحكومة حسن روحاني هي علامة إيجابية تشير إلى تطور واضح في معالجة هذه المسألة الحساسة.

 

Faurie presentará al candidato argentino para liderar el mayor organismo mundial en materia nuclear (48414063701) (cropped).jpg

لكن واشنطن فرضت شرطا آخر على إيران، يهدف إلى إعادة فتح المفاوضات بدمج ملفين جديدين لم يظهرا في اتفاق (جاكوب): سياسة الجمهورية الإسلامية الإقليمية وسياسة صواريخها الباليستية. وهما مسألتين لم يتم تناولهما مطلقًا في اتفاقية 2015 وهو ما يبين رغبة جو بايدن في إيجاد حل تفاوضي حقًا عن طريق إضافة شروط جديدة. 

وتساءل بيون: لكن كيف يمكن للمرء أن يفكر لثانية واحدة في أن طهران يمكن أن توافق على التفاوض لإملاء سياستها الإقليمية أو بشأن ما تعتبره مسألة تتعلق بأمنها القومي؟

السعودية تفهم الرسالة

كما ذكر أنه في الوقت نفسه، أرسلت إدارة بايدن الجديدة، وكأنها تريد أن تؤكد على رغبتها في تحسين علاقاتها مع إيران، عدة إشارات إلى المملكة العربية السعودية، إحدى أكثر دول المنطقة معارضة لأي شكل من أشكال التطبيع مع طهران والتي كان إحدى الدول المفضلة لدونالد ترامب. 

وأكد الكاتب على ذلك بعدة أمثلة منها الإعلان عن وقف الدعم اللوجستي الأمريكي للعمليات العسكرية السعودية في اليمن – البلد الذي تحدث عنه جو بايدن بأنه “كارثة إنسانية واستراتيجية” – والتشكيك في شحنات الأسلحة للسعودية وإلغاء تدريب القوات المسلحة السعودية، ورفع الحوثيون من قائمة الإرهاب.

وأوضح دييه بيون أن القادة السعوديين فهموا الرسالة بسرعة من خلال اتخاذ عدة قرارات تهدف إلى تخفيف الضغوط التي تمارس عليهم: الإفراج عن لجين الهذلول، ورفع الحظر التجاري والاقتصادي الذي تفرضه مع البحرين والإمارات العربية المتحدة على قطر منذ 2017، وتخفيف بعض أحكام الإعدام إلى السجن عشر سنوات. 

وذكّر بأن اللغة الحازمة للولايات المتحدة تثير الاضطرابات داخل الدوائر الحاكمة السعودية، وأن الأخيرة ليس لديها خيار سوى التوافق مع مطالب إدارة بايدن الجديدة.

“أمريكا عادت” 

وفيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، قال نائب مدير معهد العلاقات الدولية والاستراتيجية: تم تخذ اتخاذ قرارات سريعة أيضًا، مما يمثل قطيعة مع سياسة الدعم غير المشروط والاصطفاف مع بنيامين نتنياهو التي طبقها دونالد ترامب. 

وأضاف “أولاً وقبل كل شيء، المكالمة الهاتفية الأولى بين الرئيس الأمريكي ورئيس الوزراء الإسرائيلي لم تتم إلا في 17 فبراير/ شباط، وهو تأخير طويل مما أثار قلق الأخير بالتأكيد، الذي اعتاد على مزيد من الاهتمام والسرعة من جانب الولايات المتحدة. 

وثانيا “كان القلق مبررًا أكثر عندما أعادت واشنطن التأكيد على سعيها لحل الدولتين، ووصفت المستوطنات الإسرائيلية بأنها غير شرعية، وبالتالي وقعت على وفاة ما أسماه دونالد ترامب بـ (صفقة القرن)”.

Senator Harris official senate portrait.jpg

وفي الوقت الذي أعلنت فيه نائبة الريس كمالا هاريس استئناف الاتصالات مع القيادة الفلسطينية، وإعادة فتح البعثة الفلسطينية في واشنطن وإعادة تفعيل المشاركة المالية للولايات المتحدة في وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى (الأونروا)، أوضح جو بايدن أنه لن يتراجع عن قرار نقل السفارة الأمريكية إلى القدس، لكنه سيعيد فتح القنصلية في القدس الشرقية، لكن يبدو أن هذه القضية لا تعتبر في هذه المرحلة أولوية سياسية للإدارة الجديدة.

وبحسب الكاتب فإن هذه العناصر مجتمعة تُظهر تحولًا حقيقيًا في سياسة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، يجب أخذها بعين الاعتبار، ومع ذلك، سيكون من غير الحكمة أن نفرح بسرعة كبيرة، لأن بايدن لم يُحدث ثورة في أساسيات سياسة بلاده في المنطقة وسيتم الحفاظ على التحالفات الهيكلية، فالوضع لم يعد “أمريكا أولاً”، ولكن “أمريكا عادت”، وأن الرئيس انتخب لخدمة مصالح الولايات المتحدة. 

 

للاطلاع على النص الأصلي من المصدر اضغط هنا

اقرأ المزيد : كيف كشفت وثائق سعودية “سرية” عن علاقة بن سلمان بقتلة خاشقجي؟