فيما تنطلق أبواق الإعلام الموالي لولي العهد السعودي محمد بن سلمان في بروباغندا “نيوم” التي يروّج لها بن سلمان باعتبارها عاصمة المستقبل، تلوح من أسفلها مأساة سكان الأرض الأصليين من قبيلة الحويطات التي تتوزع فروعها على مصر والأردن وفلسطين والسعودية، وصنفتها صحيفة الإندبندنت البريطانية كواحدة من أكثر التجمعات السكنية تعرضا للقمع والوحشية حول العالم.
القبيلة التي تحركت قبل عامين وقدمت شكوى للأمم المتحدة ضد جرائم آل سعود بحقها بعدما أثبتت حملة “العدالة لضحايا نيوم”، أن السلطات السعودية سعت عن عمد لتهجيرهم قسرًا من أراضيهم التي لطالما رعوا فيها الأغنام على مدار قرون، وذلك تحت ذريعة استكمال بناء مدينة “نيوم” السياحية.
وقالت الناشطة علياء الحويطات، في حينه إن “حملة العدالة لضحايا نيوم”، وعبر محاميين دوليين تقدمت بشكوى مفصلة، وطلب تحقيق عاجل للأمم المتحدة، نيابة عن قبيلة الحويطات. وأوضحت أن شكوى الحملة والمطالبة بالتحقيق جاءتا للاعتراض على عمليات القتل، والإخلاء القسري، وسجن وخطف أبناء القبيلة، في سبيل بناء مدينة “نيوم”.
وكانت الناشطة السعودية المقيمة في لندن أعلنت في يونيو الماضي، تدشين حملة دولية، تحت عنوان “العدالة لضحايا نيوم”، وذلك لمساندة قبيلتها “الحويطات”، ضد ممارسات السلطات السعودية ضدها. واستعرضت الحملة، ضحايا مشروع “نيوم” ومحنة أفراد القبيلة التي لم تتوقف إلى اليوم، مشيرة إلى أن نظام آل سعود يعرضهم للترويع والإرهاب اليومي. وتقول الحملة إنه في أكتوبر 2017 استقبل سكان المنطقة أخبارا عن “مشروع عظيم” سيغير حياتهم ويحوّل المنطقة إلى مركز عالمي للتطور والتكنولوجيا والاقتصاد.
وأضافت أن ما كان يشغل المواطنين هو ما سيحل بأرضهم التي يعيشون فيها منذ أكثر من 800 عام بعد أن يتم بناء مشروع المدينة، إلا أنه في العام 2020 تحول الحلم إلى كابوس عندما أرسل ابن سلمان مسؤولين للتفاوض مع زعماء القبيلة في المنطقة. وذكرت أن المسؤولين السعوديين أخبروا زعماء القبيلة بأن عليهم مغادرة أرضهم من دون أن يخبروهم إلى أين ستذهب القبيلة، وحتى من دون أي تعويض مادي!.
وبدأت قضية قبيلة الحويطات تحديدا في يناير 2020 عندما أبلغت القبيلة السلطات السعودية رفضها مغادرة أرضها من أجل المشروع، حيث كانت قبيلة الحويطات قد احتجت على مشروع المدينة الذي يشكل جزءا حيويا من الرؤية الاقتصادية لمحمد بن سلمان، وتعرضَ عدد من أفراد القبيلة للقتل والاعتقال بسبب شعاراتهم المناهضة للترحيل.
ووصفت وكالة الصحافة الفرنسية هذه المعارضة بأنها مقاومة داخلية نادرة لسلطات آل سعود، كما نقلت عن مصدر سعودي مطلع أنه بالنظر إلى المبالغ المطلوبة لمشروع “نيوم” فلا يمكن إلا أن تتأخر جوانب عدة منه. ولطالما تساءل خبراء اقتصاديون عن جدوى المشروع في عصر أسعار النفط المتدنية؟
وتتسمك قبيلة الحويطات، بحقوقها في أرضها وقبيلتها ومنازلها وبدم عبد الرحمن الحويطات، الذي قتلته قوات الأمن السعودي في إطار قمع القبيلة وإجبارها على الرحيل من منازلها لصالح تنفيذ مشروع “نيوم” الضخم. وأعلن أشقاء عبد الرحيم الحويطي، رفضهم للدية مقابل دم شقيقهم، فاضحين أكاذيب نظام ولي العهد محمد بن سلمان وذبابه الإلكتروني بشأن قبولهم دية أخيهم المغدور.
وقال شادلي أبو طقيقة، شقيق عبد الرحيم، في تغريدة على “تويتر” إن ما يشاع من أن أشقاء عبدالرحيم الحويطي رحمه الله قد دُفع لهم مبلغ سبعة ملايين ريال، فهذا لا أساس له من الصحة. وأضاف الحويطي: “نحن لم ولن نقبل تعويض حتى في أملاكنا بيوتنا ومزارعنا وأراضينا، فكيف يمكن أن نقبل مالاً في دم أخونا الذي قتل صابراً محتسباً في بيته؟”.
وسبق أن قتلت قوات الأمن السعودي، منتصف إبريل العام قبل المنصرم، المواطن عبد الرحيم الحويطي الذي نشر سلسلة فيديوهات على مواقع التواصل الاجتماعي انتقد فيها إجبار قبيلته على الرحيل من الأرض التي عاشوا فيها لأجيال في موقع المشروع في محافظة تبوك، واصفا إياه بإرهاب دولة آل السعود. وأكد أن معارضته قد تؤدي إلى قتله ليعلن الأمن السعودي، لاحقا، مقتله في تبادل إطلاق النار مع قوات الأمن، مشيرا إلى العثور على عدد من الأسلحة في منزله، علما أن هناك ملكية السلاح داخل القبيلة.
مشروع غرور
صحيفة “إندبندنت” البريطانية نشرت تقريرا أعده كل من بورزو دراغاهي وبيل ترو، قالا فيه إن ما يقف أمام هذا المشروع الغريب الذي يعبر عن الغرور، هي قبيلة سعودية عتيقة، قبيلة الحويطات التي رعى أبناؤها الغنم بالمنطقة على مدى القرون. وتقول الصحيفة إن السلطات السعودية التي مضت بالمشروع قامت في الأشهر الأخيرة باعتقال وملاحقة بل وقتلت أبناء العشيرة لأنهم تساءلوا عن جدوى المشروع أو لأنهم رفضوا بيع أرض أجدادهم للدولة.
ونقلت الصحيفة عن الناشطة السعودية في مجال حقوق الإنسان في لندن عالية الحويطي، وتتحدث باسم القبيلة: “عندما بدأوا بنيوم بداية 2016 وعدهم محمد بن سلمان أن يكونوا جزءا منها والمشاركة في بنائها وتطوير المنطقة” و”في 2020 أجبروا على ترك الأرض بدون مكان للإقامة فيه. وعندما تفتح فمك وتقول شيئا على منصات التواصل الاجتماعي تختفي من على وجه الأرض”.
وتعتبر قبيلة الحويطات التي تتوزع فروعها على مصر والأردن وفلسطين والسعودية من أكثر التجمعات السكنية تعرضا للقمع والوحشية. وتم اعتقال فردين من القبيلة العام الماضي، وتم أخذ أحدهما من الجامعة في محاولة لإسكات القبيلة كما تقول الحويطي. وتعلق الصحيفة أن القمع بعد عامين من اختطاف وتعذيب وتقطيع جثة الصحافي جمال خاشقجي زاد بشكل كبير.
ودعا أفراد القبيلة الأمم المتحدة للتحقيق في مأزقهم وقالوا إن ما تقوم به المملكة العربية السعودية يصل إلى حد تدمير جماعة محلية. وجاء في بيان للقبيلة: “بعيدا عن أشرطة الفيديو الترويجية لنيوم وتزعم أنها “أرض عذراء” فإن قبيلة الحويطات تعيش في أجزاء كبيرة من الأرض منذ مئات السنين”. ورغم البطء في تنفيذ المشروع بسبب الوضع الاقتصادي العالمي إلا أن السلطات السعودية تواصل طرد أبناء قبيلة الحويطات من أراضيهم.
وتقول الحويطي إن القبيلة وعدت بالحصول على تعويضات مجزية من المشروع ولكن السلطات “غيرت رأيها” بعد ذلك وقررت ملاحقة الحويطات وطردها من أرضها. وتقول: “يقوم ولي العهد بإجبار الناس على الخروج من أراضيهم، بالتخويف والترهيب”. وتضيف: “تبنى نيوم على عظامنا ودمائنا”.
وتعرض السلطات مبالغ زهيدة للعائلات كي تخرج من أراضيها، ولا تتجاوز 3.000 دولار. ولم يقبل بالعروض إلا واحدا من كل 30 عائلة. ولجعل حياة الناس لا تحتمل أغلقت المدارس وقطع التيار الكهربائي واندلعت النيران بشكل غامض في الممتلكات.. وتشير أيضا: “يقولون إن عليك القبول بالعرض وإن لم تقبل فستطرد ولن تحصل على فلس” و”الجو بشكل عام مخيف ومرعب”. ولم يصدر عن السلطات السعودية الكثير حول عمليات الطرد للحويطات ولكنها قالت في حادثة عبد الرحيم الحويطي إنه هو الذي فتح النار أولا على قوات الأمن التي اضطرت للرد.
ونقلت الصحيفة عن أعضاء في مجلس المشاورة التابع للقبيلة قولهم ألا أحد أجبر أو لاحقته السلطات للخروج من أرضه. ونقلت عن المحلل السعودي علي الشهابي قوله إن السعودية لديها تاريخ بمصادرة الأراضي ومن الجميع لبناء الدولة. و”طالما عوضت الحكومة أصحابها بأموال بأسعار أعلى من السوق ولا شيء جديدا في هذه الحالة”. وقال إن الحكومة تعرض عليهم السكن في أي مكان يريدونه في المملكة مشيرا إلى منافع أخرى مثل ألف منحة دراسية في الخارج.
لكن المحامي ردودني ديكسون في لندن والذي يمثل القبيلة تحدث عن هجمات “منظمة” على القبيلة التي قد تصل إلى جرائم ضد الإنسانية وتستدعي اهتماما دوليا. ويقول إنه يشك بوجود وثائق عن التدمير المنظم ولكن هناك أفلام فيديو تكشف عن الوحشية. وأضاف: “أجبر الناس على المغادرة وعدم العودة إلى أرض أجدادهم” و”تم استفزاز الناس وتهديدهم وهي تهديدات لا مبرر لها وغير ضرورية لبناء مدينة كبيرة”.
اقرأ المزيد: “ادفع الثمن وحدك”.. لماذا تخلت الإمارات عن دعم بن سلمان بعد تقرير “خاشقجي”؟
اضف تعليقا