أيام قليلة، وربما ساعات، تفصل المملكة العربية السعودية عن كارثة أمنية وعسكرية على حدودها الجنوبية بعد الهجوم الحوثي العنيف على محافظة مأرب اليمنية آخر معاقل قوات التحالف السعودي الإماراتي في الشمال اليمني.

وحال سيطرة الحوثيين على مأرب، ستصبح كامل الأرض الشمالية اليمنية، تحت قبضة الحوثيين، ومن خلفهم إيران، وهو ما يمثل نهاية سوداء -وربما مجرد بداية- لمغامرة محمد بن سلمان الفاشلة في الجارة الجنوبية.

هذا الفشل السعودي قد لا تكون نتائجه كارثية على اليمن وحسب، الذي يواجه أعنف أزمة إنسانية بحسب تقارير الأمم المتحدة، بل سيطال أيضا السياسة الخارجية السعودية التي قد تجد نفسها مضطرة للتطبيع مع إسرائيل مقابل حماية أمريكية من الخطر الإيراني المتاخم.

هجمات مستعرة

فمع استمرار المعارك العنيفة، كثف الحوثيون في اليمن من هجماتهم على مدينة مأرب التي تعتبر آخر المعاقل التي تسيطر عليها القوات الموالية للحكومة المعترف بها في الشمال. وأشارت مصادر عسكرية إلى مقتل 16 من القوات الحكومية وإصابة 21، بينما سقط “عدد من القتلى” في صفوف الحوثيين الذين لا يكشفون عادة عن الخسائر.

سياسي يمني يرصد 10 مؤشرات تدل على حسم معركة مأرب

وأفاد مسؤولان عسكريان في القوات الموالية للحكومة أن الحوثيين دفعوا بـ”أعداد كبيرة” من المقاتلين وشنوا هجمات من عدة جهات على مأرب الإستراتيجية والغنية بالنفط في الساعات 24 الماضية، كما تمكن الحوثيون من قطع خطوط إمداد في مديرية العبدية على بعد حوالى 50 كيلومترا جنوب مأرب “تمهيدا لإسقاطها بالتزامن مع هجمات أخرى ينفذونها”. وأضاف “الهدف هو إطباق الحصار على مأرب”.

وكانت المدينة الواقعة على بعد حوالى 120 كيلومترا شرق العاصمة صنعاء حيث يفرض الحوثيون سيطرتهم منذ 2014، قد تجنبت الحرب في بدايتها، لكنهم يشنون منذ عام تقريبا هجمات للسيطرة عليها، وقد تكثفت في الأسبوعين الأخيرين.

ميزة تفاوضية

ويسعى الحوثيون للسيطرة على مأرب قبل الدخول في أي محادثات جديدة مع الحكومة المعترف بها خصوصا في ظل ضغوط إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن للدفع باتجاه الحل السياسي.

ومن شأن سيطرة الحوثيين على مأرب توجيه ضربة قوية إلى الحكومة المدعومة من تحالف عسكري تقوده السعودية منذ مارس 2015، إذ إن شمال اليمن سيصبح بكامله في أيدي الحوثيين. ويقول مراقبون إن السلطة ستخسر جزءا كبيرا من صورتها كنظير مساو للحوثيين في محادثات السلام.

وكان ينظر إلى المدينة على أنها “محمية سعودية” استثمرت فيها المملكة بشكل كبير في محاولة لجعلها نقطة الاستقطاب الوحيدة للأعمال في البلد الغارق في الحرب. وروجت السعودية للمدينة مع نيتها تحويلها إلى نقطة جذب رئيسية للاستثمارات والمشاريع العمرانية وغيرها.

نقطة فاصلة

اليوم من الواضح أن تأثيرات هذه المعركة المرتقبة بمأرب تحديدا، سيكون لها تأثيرات سلبية جدآ، فما مدى الفائدة التي ستعود على السعودية ونظامها من تداعيات هذه الحرب الشعواء التي تشن اليوم على اليمن، فالنظام السعودي المنغمس اليوم بمجموعة أزمات أفتعلها بالإقليم بدء من الأزمة السورية وليس نهاية بانغماسه المباشر بحرب عدوانية على اليمن، والواضح اليوم أن كل الرهانات السعودية على كسب معركة واحدة من هذه المعارك والأزمات المفتعلة هو رهان فاشل.

السعوديون بدورهم يعلمون بحقيقة هزيمتهم بعدة ميادين مؤخرا ولكن هم بنفس الوقت لا يريدون ان يتلقوا هزيمة جديدة، وقد تكررت هزائمهم مؤخرا بعدة ميادين ليس أولها ولا آخرها بالميدان السوري.

سيطرة حوثية

متحدث القوات الموالية للحكومة، المدعومة من تحالف منهك بقيادة الجارة السعودية، العميد عبده مجلي، قال إن الحوثيين دفعوا بالمئات من مقاتليهم باتجاه مأرب، والهجوم على أشده من الشمال والغرب والجنوب باتجاه المدينة، مركز المحافظة.

وأفاد “مجلي” بأن المعارك الشرسة تدور في جبل مراد جنوبي المحافظة، وصرواح في الغرب، حيث يسعى الحوثيون إلى إحداث خرق في الدفاعات القوية للقوات الحكومية، المسنودة برجال القبائل.

محلل عسكري بارز: معركة مدينة مأرب محسومة وسنسمع في الايام القادمة ما يُسر  الشعب اليمني

وخلال الأعوام الماضية، شكلت المعارك الدائرة على محيط محافظة مأرب حرب استنزاف للطرفين، حيث اقتصر القتال على هجمات محدودة ما تلبث أن تنتهي على حائط الصد للقوات الحكومية، لكن الوضع تغير في الميدان خلال الأيام الأخيرة.

وقال “مجلي” إن الهجوم على مأرب أُعد له منذ أشهر، واستبقه الحوثيون بإطلاق صواريخ باليستية وطائرات مسيّرة مفخخة على المدينة، والدفاعات الجوية أسقطت، خلال الأيام الماضية، خمس طائرات وعددا من الصواريخ.

معركة عدوانية

اليوم من المتوقع أن يستميت السعوديون بمعركتهم العدوانية على “مأرب “مرتكزين على قاعدة حلفهم العشري، فهم اليوم يعلمون جيدا ما معنى أن يفتحوا جبهة جديدة وصراعا جديدا على حدودهم الجنوبية الغربية ويعلمون ما مدى الخطورة المستقبلية وحجم التداعيات المستقبلية التي ستفرزها هذه المعركة وبالأحرى هم يعلمون حجم الإفرازات المباشرة للانغماس السعودي بهذه المعركة على الداخل السعودي شرقا وجنوبا.

ومع كل هذا وذاك قرر السعوديون أن يخوضوا هذه المغامرة والمقامرة الجديدة، لعلهم يستطيعوا أن يحققوا انتصارا وحتى وان كان إعلاميا، لعل هذا الانتصار يعطيهم جرعة أمل بعد سلسلة الهزائم المدوية التي تلقوها بأكثر من ساحة صراع إقليمي.

أما بالنسبة لواشنطن حليف النظام السعودي منذ سبعة عقود مضت منذ أن رسخ دعائم هذا التحالف عبدالعزيز السعود وفرانكلين روزفلت، فهي الآن تنظر وتتابع بحذر تطورات ما يجري من مستجدات بساحة الصراعات الجديدة للنظام السعودي ومسرحها الجديد هو “مأرب “.

موقف أمريكي متخبط

واشنطن بدورها قدمت للسعوديين خدمات مجانية كثيرة بحربهم على اليمن وليس أول ولا آخر هذه الخدمات تزويد السعوديين بقائمة وبنك أهداف لقواعد عسكرية ومخازن أسلحة للجيش اليمني ولأنصار الله، والواضح اليوم ومن خلال حديث بعض ساسة وجنرالات واشنطن أن الدعم والتأييد الأمريكي للسعوديين بحربهم على اليمن سيتواصل، رغم قلق دوائر صنع القرار الأمريكي من التداعيات المستقبلية لهذه الحرب.

القلق الأمريكي ينبع من براغماتية واشنطن النفعية التي تتلخص بخشيتها من اندلاع حرب مفتوحة بالمنطقة ستضر بانسيابية تدفق النفط الخليجي من باب المندب إلى الغرب وقد تتطور إلى حرب إقليمية مفتوحة قد يكون الإسرائيليون جزء منها، وهذا ما تخشاه واشنطن اليوم وتعمل على إضعاف كل العوامل التي قد تؤدي إلى تبلور معالم هذه الحرب.

 وبشكل عام، فإن جميع القوى الإقليمية والدولية تدرك بأن مغامرة السعوديين ألأخيرة على حدودهم الجنوبية الغربية، وإشعال فتيل حرب وصراع جديد بالمنطقة مسرحه الجديد هو مدينة “مأرب “، سيكون له بشكل عام تداعيات خطرة على مستقبل استقرار المنطقة الهش والمضطرب بشكل عام، وستكون لنتائج هذه المعركة الجديدة للسعوديين “بمأرب” الكلمة الفصل وفق نتائجها المنتظرة بأي حديث قادم يتحدث عن تسويات للأزمة اليمنية ومعظم ملفات الإقليم العالقة وتغيير كامل ومطلق بشروط التفاوض المقبلة بين جميع قوى الإقليم.

المرحلة المقبلة ستحمل بين طياتها الكثير من التكهنات والتساؤلات بل واحتمال المفاجآت الكبرى، حول طبيعة ومسار عدوان السعودية على اليمن، فالمعركة لها عدة أبعاد مستقبلية ومرحلية، ولا يمكن لأحد أن يتنبأ مرحليا بنتائجها المستقبلية، فمسار ونتائج المعركة تخضع لتطورات الميدان المتوقعة مستقبلا، ومن هنا سننتظر الأسابيع الثلاثة المقبلة لنستوضح مزيدا من المعلومات التي ستمكننا من قراءة المشهد المستقبلي أمنيا وسياسيا بخصوص تطورات ونتائج العدوان السعودي بغطاء “ناتو العرب” على اليمن بكل أركانه.

اقرأ أيضًا: لا مزيد من التدليل.. أميركا للسعودية: المعاملة الخاصة للمملكة بمنظمة التجارة انتهت