فقدان أحد الأقارب، ترك الدراسة أو الإصابة بأضرار نفسية، هذا ما أظهره مسح للجنة الدولية للصليب الأحمر (ICRC) حول مدى الضرر الذي لحق بالشباب السوري داخل البلاد وخارجها بعد عشر سنوات من النزاع.
ووفقا لصحيفة “لوفيجارو” فإن عبارة الجيل الذي تمت الضحية به، استخدمت في تسعينيات القرن الماضي عندما كانت المنظمات الحقوقية والدولية والجهات الإعلامية تناقش موضوع الحرب العراقية الإيرانية.
وأضافت “لكن أكثر مما جرى في عهد الرئيس العراقي الراحل صدام حسين، هذا التعبير يصف الدراما التي استمرت لعشر سنوات بالضبط منذ بدء الثورة ضد بشار الأسد، حيث أصبح الشباب السوريون ضحايا صراع لا نهاية له، راح ضحيته مئات آلاف القتلى، وعشرات الآلاف من المفقودين وأكثر من عشرة ملايين لاجئ أو نازح”.
وأوضحت أن نتيجة الاستطلاع الذي أجرته اللجنة الدولية للصليب الأحمر على 1400 سوري تتراوح أعمارهم بين 18 و25 عامًا – 800 يعيشون في سوريا، 400 لاجئين بلبنان، و200 في ألمانيا- تكشف عن حقيقة قاتمة.
وأشارت إلى أن روبرت مارديني، مدير عام (ICRC) والمتخصص في شؤون الشرق الأوسط، دق جرس الإنذار تجاه “جيل تمت التضحية بمراهقته ودخوله مرحلة البلوغ على مذبح الصراع”.
ويفيد التقرير بأنه في سوريا واحد من كل شابين (47٪) قالوا إنهم فقدوا قريبًا أو صديقًا مقربًا، كما فقد واحد من كل ستة شباب (16٪) أحد والديه أو كليهما، أو أصيبوا بجروح خطيرة.
وتؤكد “لوفيجارو” أنه كذلك في صراع الأسلحة، يكاد يكون إنهاء الدراسة التعليم وتكوين أسرة والعثور على عمل مهمات مستحيلة، حيث نقلت عن أمينة، التي تربي أطفالها الثلاثة بمفردها بالقرب من دمشق منذ وفاة زوجها القول: “نشأ أطفالي بين إراقة الدماء والمعاناة والقصف، ولم يعيشوا نفس طفولتنا”.
“أزيز الصواريخ”
وتنوه الصحيفة الفرنسية بأن الحالة النفسية للشباب السوري في المنفى لا تختلف كثيرا عن تلك التي يعيشها شباب الداخل، ففي الحرب تشتت العائلات، وانكسرت الروابط الاجتماعية: فقد 54٪ من الشباب الذين شملهم الاستطلاع في وقت أو آخر الاتصال بأحبائهم، وهو نفس الحال بلبنان (سبعة من كل عشرة شباب) في حين أن بلدهم لا يبعد سوى عشرات الكيلومترات عن حياتهم الجديدة البائسة.
كما أنه في ألمانيا، تواصل “لوفيجارو”، أكثر من نصف الشباب السوريين، الذين شملهم الاستطلاع، ليس لديهم أخبار عن أقاربهم.
وتشير إلى أن ترك الدراسة تسبب أيضا في خسائر فادحة: قبل الحرب، كان 93٪ من الأطفال يذهبون إلى المدرسة، واليوم يقول أكثر من نصف المستطلعة أراءهم إنه فاتهم سنة واحدة أو أكثر من المدرسة بسبب الصراع، فيما تأسف أخريات، مثل سميرة التي انتقلت إلى مدريد مع زوجها، على عدم تمكنها من حضور زفاف ابنتها.
وعن كيفية تجنب الانعكاسات على الصحة النفسية؟ تشدد الصحيفة على أن هذا الأمر صعب جدا، ففي ظل مواجهة فيضان من العنف عانى أكثر من نصف الشباب الذين شملهم الاستطلاع من الاكتئاب أو اضطرابات النوم خلال الاثني عشر شهرًا الماضية.
وتقول أمينة التي تعيش بالقرب من دمشق: “يتذكر أطفالي جيدا صوت الطلقات، ليس إراقة الدماء هو الذي يطاردهم، بل أزيز الصواريخ”.
وتأسف اللجنة الدولية للصليب الأحمر على أنه “من بين هؤلاء الضحايا الصغار الذين يعانون من اضطرابات نفسية، لم يتمكن سوى عدد قليل منهم من الاستفادة من العلاج الطبي”.
“توقفت الحياة”
لكن داخل بلد في حالة حرب، العلاج النفسي يعد رفاهية عندما يصبح الطعام قتال كل يوم تقريبًا، حيث يكافح ثلاثة أرباع الشباب في سوريا لتلبية احتياجاتهم الأساسية أو احتياجات أسرهم، بحسب الصحيفة الفرنسية.
وتضيف يعاني أكثر من ثلثي اللاجئين السوريين الشباب الذين يعيشون في لبنان بشدة من الأزمة الاقتصادية التي ضربت هذا البلد منذ أكثر من عام.
ويقول الشاب السوري أحمد وهو لاجئ في لبنان “أحبني الجميع في القرية كنت سعيدا، أضحك، واليوم فقدت الرغبة في العيش والاستمتاع بالحياة، توقفت الحياة بعدما رحلت عن قريتي غير أنني مرغم على العيش والاستمرار.”
وتؤكد الصحيفة الفرنسية أنه بعد عشر سنوات من حرب تبدو بلا نهاية، ليس هناك أمال في العودة، وعلى الرغم من أن العديد من السوريين يعتقدون أن العالم لا يزال لا يفهم بشكل جيد ما مروا به، هؤلاء الشباب جميعهم يشتركون في نفس الآمال: تحقيق الاستقرار والعثور على السعادة.
وبحسب الاستطلاع يشعر أكثر من 90٪ من السوريين الذين يعيشون في ألمانيا بالقبول في البلد المضيف، وعلى الجانب الأخر، يشعر الثلث تقريباً “بصعوبة ” أو أنهم “غير مقبولين على الإطلاق” من قبل جارهم اللبناني.
وتقول “لوفيجارو” إن السلامة هي الأولوية بالنسبة لـ 75٪ من هؤلاء الشباب، وهو رقم غير مفاجئ في هذا الاستطلاع الذي لم يتضمن أية أسئلة حول آمالهم في العودة إلى بلدهم.
لكن “شباب هذا الجيل يواجهون الآن احتمال حدوث عقد ثانٍ من الأزمة”، كما يحذر فابريزيو كاربوني، المسؤول عن الشرق الأوسط في اللجنة الدولية للصليب الأحمر، لافتا إلى أن ” وضعهم يزداد سوءًا لأنهم، بعد حرمانهم من الطفولة والمراهقة، من المرجح أن يتحملوا جزءًا كبيرًا من مسؤولية أعمال إعادة الإعمار، كما ستتأثر حياة أطفالهم أيضًا بهذا الصراع المدمر “.
اضف تعليقا